هزاع عائدا من الفضاء.. الإمارات من الحلم إلى القمة
لحظات تاريخية يدشنها المنصوري ودولة الإمارات في مجال الفضاء، تحول حلم المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى حقيقة
حاملا راية بلاده عاليا، هبط هزاع المنصوري، أول رائد فضاء إماراتي إلى الأرض الخميس، بعد رحلة تاريخية استمرت 8 أيام بمحطة الفضاء الدولية.
بضع خطوات قطعها المنصوري من المركبة الفضائية "سويوز MS-12" التي هبطت في كازاخستان، متجها إلى الخيمة الطبية حاملاً علم دولة الإمارات، حيث رافقه سالم المري مدير برنامج الإمارات لرواد الفضاء، وسعيد كرمستجي مدير مكتب الرواد في مركز محمد بن راشد للفضاء.
لحظات تاريخية يدشنها المنصوري ودولة الإمارات في وثبة عملاقة في مجال الفضاء، تحول حلم المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى حقيقة، وتقطف ثمار ما زرعه من حب الاستكشاف والمغامرة في قلوب أجيال بلاده.
المشهد اليوم في كازخستان بدا في غير حاجة إلى كلمات، حيث نطقت جميع صوره وتفاصيله بمجلد من العبارات، ودونت اسم الإمارات بأحرف من ذهب في سجل الفضاء الزاخر بالاستكشاف والفضول والطموح.
ذلك الطموح أو "طموح زايد" النابض في أعماق المنصوري، والذي قاده نحو تحقيق إنجاز تاريخي جديد في رحلة كتبت قصة نجاح جديدة لوطن راهن على الريادة والنجاح، هو الكامن وراء المهمة الحلم التي توجت ببريقها صعود أول رحالة ورائد فضاء إماراتي للفضاء الخارجي، ليكون وساما وعلامة فارقة لدولة الإمارات والعالم العربي لمحطة الفضاء الدولية.
صعد المنصور، الطيار السابق في القوات الجوية الإماراتية، إلى المحطة، في مهمة أدرجت اسم بلده بالسجل العربي الذهبي المقتصر حتى الآن على السعودية وسوريا اللتين أرسلتا قبل عقود رائدي فضاء.
محملا بطموح زايد وآمال شعب وطموحات أجيال إماراتية نحو نافذة جديدة إلى المستقبل، صعد المنصوري وهبط، وما بين اللحظتين، تمتد آلاف السنوات الضوئية من النجاح وأحلام الشباب، وآمال أمة آمنت بأبنائها، فشقت معهم مبكرا الطريق نحو الأمجاد.
رفرف العلم الإماراتي في المحطة الفضائية، وتعالت اللغة العربية معلنة وجودها بالمكان، ندا للند مع بقية اللغات الأجنبية الأخرى، لتكتب الحلم بلغة الضاد، وتشهد الأشياء الصغيرة التي حملها المنصوري معه في رحلته على أن الحلم الإماراتي والعربي بات حقيقة: نسخة القرآن الكريم، وكتاب حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وصور عائلته، وصورة الشيخ زايد مع طاقم مهمة "أبولو"، والمأكولات الإماراتية صانعة خصوصية اللحظة في الفضاء.
الحلم.. من البداية
وفق وكالة أنباء الإمارات "وام"، بدأت الرحلة مع إطلاق برنامج الإمارات لرواد الفضاء عام 2017، لتنتهي إلى محطة "بايكونور" الفضائية في كازاخستان حيث انطلق المنصوري في مهمته التاريخية إلى محطة الفضاء الدولية يوم 25 سبتمبر الجاري.
وفي أبريل/نيسان 2019، أعلن اختيار المنصوري أول رائد فضاء إماراتي وعربي إلى محطة الفضاء الدولية وسلطان النيادي بديلا له للمهمة نفسها، من بين 4022 مرشحا تقدموا بطلبات الالتحاق بالبرنامج ليتمكنا من اجتياز 6 مراحل من الاختبارات الطبية والنفسية والمتقدمة ومجموعة من المقابلات الشخصية، وصولا إلى اختيارهم للقيام بهذه المهمة التاريخية لدولة الإمارات والعرب.
وخاض المنصوري والنيادي 1400 ساعة من التدريب على مدار 18 شهرا، شملت 96 دورة تدريبية خلال مسيرتهما في هذه المهمة.
أما الطاقم الرئيسي للمهمة إلى محطة الفضاء الدولية، فيتكون إلى جانب المنصوري من رائد الفضاء الروسي أوليغ سكريبوتشكا ورائدة الفضاء الأمريكية جيسيكا مير، فيما يتضمن الطاقم البديل للمهمة سلطان النيادي وسيرغي ريزيكوف وتوماس مارشبيرن.
وعلى متن محطة الفضاء الدولية، قضى المنصوري 8 أيام أجرى خلالها 16 تجربة علمية بالتعاون مع وكالات فضاء عالمية; بينها 6 تجارب على متن محطة الفضاء الدولية لدراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان في الفضاء مقارنة بالتجارب التي أجريت على سطح الأرض، ودراسة مؤشرات حالة العظام والاضطرابات في النشاط الحركي والتصور وإدراك الوقت عند رائد الفضاء إضافة إلى ديناميات السوائل في الفضاء وأثر العيش في الفضاء على البشر وتجربة النخلة في الفضاء.
مهمة تتوج المنصوري كأول رائد فضاء من المنطقة العربية يشارك في الأبحاث على متن المحطة الفضائية الدولية، في خطوة من شأنها إثراء إثراء المعرفة الإنسانية والخروج بقاعدة بيانات يمكن مشاركتها مع مختلف الجهات المحلية والدولية.
الزي الإماراتي واللغة العربية وحلم زايد
المنصوري حمل معه إلى محطة الفضاء الدولية 10 كيلوغرامات من المتعلقات تتضمن نسخة من القرآن الكريم مع صورة الوالد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وكتاب قصتي لصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي وصورا عائلية وهدايا تذكارية و30 بذرة لشجرة الغاف.
ومن الفضاء، جاءت صورة المنصوري وهو يرتدي اللباس الوطني الإماراتي، بجانب بقية رواد الفضاء الموجودين في محطة الفضاء الدولية، وذلك بهدف مشاركة هويته الوطنية معهم.
وقال رائد الفضاء الإماراتي من خلال حسابه الرسمي على "تويتر": "سعيد بارتداء الزي الإماراتي على متن محطة الفضاء الدولية، ومشاركة هويتي الوطنية مع زملائي رواد الفضاء"، في لقطة اختصرت التجربة الإماراتية في أكمل تجلياتها ونجاحاتها.
وبهذا النجاح، تصبح الإمارات الدولة رقم 19 التي ستسهم في الأبحاث العلمية عن طريق بيانات سيقدمها المنصوري وستكون مرتبطة بجسم الإنسان وحياته، لتتجه بوصلة العالم نحو هذه الدولة التي صنعت الحدث، وافتكت الأضواء بتميز سياساتها وتألق مشاريعها وتفرد شبابها.
نزل المنصوري وفي عينيه نظرات لامعة تحكي قصة صعود صاروخية نحو القمة، وقصة خروج عن المألوف، ومعانقة حلم في السماء.. حلم كان حتى الأمس مرسوما في قلوب الإماراتيين وقيادته، ليطير اليوم ويخرج من حدود المكان والزمان، فيلامس ما وراء المقاييس الفيزيائية، ليؤكد أن لا حدود للحلم حين بتعلق الأمر بالطموح الإماراتي.