مشاركة دولة الإمارات في قمة بريكس الـ16 بمدينة قازان الروسية، ولأول مرة بصفتها عضواً في مجموعة بريكس، يأتي ضمن سياق سياستها الحديثة المبنية على قواعد التنمية والازدهار، وتعزيز التعاون الدولي متعدد الأطراف.
الإمارات تولي الاقتصاد أهمية كبيرة في سياستها الحديثة، ولتحقيق تلك الرؤية الطموحة تدرك أن التعددية وتنويع العلاقات مع القوى والتكتلات الدولية يحققان التوازن العالمي والتنمية المستدامة، خصوصاً في ظل استعدادها للمستقبل ومراحل ما بعد النفط، وممكن قراءة ذلك لو علمنا أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، قد شارك في يونيو/حزيران الماضي في قمة مجموعة السبع في إيطاليا، وهي كتلة محسوبة على الغرب، بينما شارك أيضا في قمة بريكس الأخيرة التي تمثل تكتلا اقتصاديا يضم دولا ذات معدلات نمو سريعة.
أدركت الإمارات أهمية مجموعة بريكس التي تشكل نحو 28% من الناتج الاقتصادي العالمي، وثقلا سكانيا يصل إلى 45%، وأكثر من 44% من النفط الخام العالمي، ولهذا لعبت دورا فعالا منذ انضمامها إلى عضوية بنك التنمية الجديد لدول البريكس عام 2021، حتى إعلان انضمامها رسمياً للمجموعة في أغسطس/آب 2023، فالرؤية الإماراتية تؤمن بفكرة توازن القوى الدولية، مهما كانت شدة الخلافات السياسية والجيوسياسية، فبناء علاقات متوازنة اقتصادية مع دول العالم عبر التركيز على المشتركات، يحقق نتائج تنموية متسارعة.
قد تختلف توجهات عدد من دول بريكس حول أهدافها الرئيسية، ولكنها تتفق على أن مسار بريكس يعلي مصالح الدول النامية، ويحقق نجاحات اقتصادية وتنموية.
الصين وروسيا تحديدا مع تشكيل كتلة قوية متوازنة، ومستقلة ماليا عبر تطوير آليات دفع بديلة في مواجهة الهيمنة الغربية، بسبب الخلافات مع الولايات المتحدة على أثر العقوبات الاقتصادية التي فرضت على بكين وموسكو.
بينما الهند والإمارات والبرازيل مع التركيز بشكل أكبر على التعاون الدولي مع الغرب والشرق لتحقيق التطلعات التنموية، والواجهة الاقتصادية التي تأسست من أجلها بريكس، وتمتلك موارد طبيعية وعلمية وبشرية هائلة في مجالات الطاقة والتكنولوجيا والبنية التحتية، تعكسه بعض مقترحات القمة الأخيرة في قازان التي طرحت أفكارا لمشاريع مشتركة، مثل إنشاء بورصة لتداول الحبوب ممكن تطويرها لتشمل عدة سلع أخرى مثل المعادن والنفط والغاز، وفكرة نظام مدفوعات عابر للحدود، ومنصة استثمارات للمجموعة لتسهيل الاستثمارات بين دول المجموعة والجنوب العالمي.
ولذا، اهتمام الإمارات في بريكس يفتح لها آفاقا اقتصادية واسعة، والاستفادة من القدرات الهائلة لدول المجموعة يتماشى مع رؤيتها المستقبلية وطموحاتها الوطنية.
الدبلوماسية الإماراتية الجاذبة تعتمد على أدوات الشراكة والتعاون، وتظهر قدرة كبيرة على التكيف مع المتغيرات الدولية، وتلعب دورا محوريا في الدبلوماسية الاقتصادية، فهي تشارك ضمن منظمة شنغهاي للتعاون بعد منحها صفة شريك حوار، وسبق أن انضمت للاتحاد الأفريقي كعضو مراقب، ومتوقع مشاركتها في قمة مجموعة العشرين المقبلة بعد تلقيها دعوة من الرئاسة البرازيلية، وهي جميعها دلالات تفسر سياسة مرنة، وقادرة على تحقيق التوازن في العلاقات الدولية.
ولعل لقاء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين قبيل قمة بريكس أكبر دليل على العلاقات الإماراتية-الروسية المتطورة خلال الأعوام الـ12 الماضية، في ظل توترات عالمية كبيرة في الشرق الأوسط والأزمة في أوكرانيا، واستطاعت الإمارات تقديم نفسها كدولة وسيطة في النزاعات، وتحقيق 9 وساطات للأسرى بين موسكو وكييف منذ مطلع العام.
وما يؤكد الموثوقية والمصداقية التي نالتها الإمارات، هي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى واشنطن وموسكو خلال فترة لم تتجاوز شهر، ما يعد نموذجا فريدا على المرونة الإيجابية، والنهج المتوازن في سياسة الإمارات الحديثة، فالإمارات تدرك أهمية الحفاظ على علاقات اقتصادية أمنية قوية مع الدول الغربية، وتدرك كذلك أهمية تطوير علاقاتها مع الصين وروسيا لمواكبة التحولات الجيوسياسية، دون الانحياز إلى طرف على حساب طرف، فهي تعزز روابطها في القارات الست بنفس الزخم، وهذا التنوع المميز أصبح مدرسة جاذبة، لما أتاح للإمارات من فرصة نالتها بجدارة، لتكون لاعبا فاعلا على الساحة الدولية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة