بينما تعصف الحرب بغزة وجنوب لبنان، ومع تصعد التوترات في المنطقة، تتجلى فرصة نادرة للدول العربية لاستعادة زمام المبادرة.
فرصة لا تتكرر كثيراً، لكنها اليوم تبدو وكأنها تضيع أمام أعيننا.
إذ لم تكن الهيمنة الإيرانية على لبنان وليدة اللحظة، بل هي نتاج عقود من الاستنزاف، والتغاضي عن الأدوار التي لعبتها أطراف إقليمية في استباحة سيادة هذا البلد العربي، لبنان الذي كان يوماً رمزاً للتنوع والتعددية، تحول اليوم إلى ساحة لصراع المحاور.
بلد كان في الماضي منارة للثقافة والفكر والفن، صار اليوم رهينة لتدخلات خارجية تستهدف طمس هويته العربية.
لقد أصبح من الضروري أن تدرك الدول العربية أن دورها في إنقاذ لبنان لا يقتصر على الدعم المالي أو السياسي، بل يجب أن يمتد إلى إعادة رسم المشهد اللبناني برؤية جديدة.. رؤية تضع مصلحة الشعب اللبناني في المقام الأول، وليس المصالح الطائفية أو الحزبية.
لقد أظهرت السنوات الماضية كيف تمكنت إيران من التغلغل في النسيج اللبناني عبر "حزب الله"، مستغلة حالة الضعف العربي، لكن اليوم، وفي ظل تصاعد الأزمة، بات من الواضح أن هذا التحالف المشبوه لم يعد يعمل لصالح لبنان.
إيران التي تحاول الحفاظ على قبضتها على المنطقة، لا ترى في لبنان إلا ورقة في لعبة أكبر، حيث تستخدمه كقاعدة لتمرير أجنداتها الإقليمي، وما حربها الأخيرة مع إسرائيل إلا دليل على مدى استنزاف لبنان لصراعات لا تعود عليه بأي فائدة، إن قرار "حزب الله" لم يعد لبنانياً، بل بات مرهوناً بإملاءات طهران.
وهذا ما أثبتته الضربات الإسرائيلية الأخيرة التي طالت قيادات الحزب، بما في ذلك الأمين العام حسن نصر الله، هذا الاختراق السهل يعكس مدى التبعية التي وصل إليها الحزب، ويطرح تساؤلات حول مصير لبنان إذا استمر هذا التحالف دون تدخل عربي جاد لإعادة التوازن.
دول الاعتدال العربي، وعلى رأسها الإمارات ومصر، مطالبة اليوم بالتحرك لاستعادة لبنان من براثن هذا الاختطاف السياسي.
لا يمكن للعرب أن يقفوا مكتوفي الأيدي فيما يستمر الانهيار اللبناني.
إن دعم لبنان الآن ليس مجرد واجب أخلاقي، بل هو استثمار في استقرار المنطقة بأسرها، إن هذه اللحظة التاريخية تتطلب من العرب تفكيك التحالفات المشبوهة التي تمزق لبنان، وإعادة ترتيب الأوراق بشكل يضمن سيادة هذا البلد واستقلاله.
إن التردد العربي في التدخل السريع والحاسم قد يؤدي إلى فقدان لبنان كلياً، وربما يفتح الباب أمام تدخلات أكبر من قِبل قوى إقليمية أخرى.
الوصاية الإيرانية على الشيعة العرب ليست جديدة، فهي نتيجة تراكمات تاريخية تمتد منذ العصر الصفوي وحتى الثورة الإيرانية؛ إيران استخدمت الشعور بالتهميش لدى بعض الطوائف الشيعية لتوسيع نفوذها في العالم العربي.
لكن هذه الوصاية باتت اليوم تشكل خطراً ليس فقط على المنطقة بل على الشيعة العرب أنفسهم. بدأ الكثير منهم يدركون أن طهران لا تهتم بمصالحهم بقدر ما تهتم بتعزيز قوتها الإقليمية، وأنهم ليسوا سوى وقود في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
لقد حان الوقت للشيعة العرب، خاصة في لبنان، التحرر من هذه الوصاية واستعادة هويتهم العربية.. يجب أن يتوجهوا لبناء أوطانهم بعيداً عن التدخلات الخارجية، وهنا يأتي دور الدول العربية التي يجب أن توفر لهم الدعم اللازم لبناء مستقبلهم داخل أوطانهم، لبنان اليوم يحتاج إلى تدخل عربي فوري ومباشر ليس فقط لإنقاذه من الانهيار، بل لإعادته إلى مكانته كمنارة في الشرق الأوسط.
يجب أن يكون التحرك العربي شاملاً، يبدأ من إعادة بناء البنية التحتية المدمرة إلى توفير الدعم الاقتصادي للشعب اللبناني الذي يعاني من تدهور اقتصادي كارثي.
ولكن يجب أن يكون هذا التدخل العربي مدروساً ومتناسقاً، مستنداً إلى رؤية سياسية واضحة بتجاوز اتفاق الطائف الذي صنع المحاصصة على أسس طائفية.
لا يمكن تحقيق الاستقرار في لبنان دون حل سياسي شامل يعالج جذور المشكلة ويضمن حقوق جميع الأطراف، بعيداً عن الطائفية والتحزبات، إن المسؤولية التاريخية التي تقع على عاتق الدول العربية اليوم تتطلب منها التحرك بسرعة لإنقاذ لبنان قبل أن يفوت الأوان.
يجب أن يكون هذا التحرك مدفوعاً برؤية استراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى حماية لبنان واستقراره، وليس مجرد رد فعل على الأحداث الجارية.
لبنان كان ولا يزال جزءاً لا يتجزأ من العالم العربي، وإهماله الآن يعني التخلي عن أحد أهم ركائز الهوية العربية في المشرق.
إن التحرك العربي الجاد هو السبيل الوحيد لإعادة الأمل إلى لبنان ولمنع المزيد من الانهيار، إنها لحظة فارقة في تاريخ العرب، وفرصة لا ينبغي أن تضيع، إذا لم تتحرك الدول العربية اليوم، فإنها قد تجد نفسها في المستقبل القريب عاجزة عن استعادة لبنان، وربما تفقده للأبد.
علينا أن نعمل جميعاً لإعادة الأمل لهذا البلد العريق وإعادته إلى دوره الريادي في المنطقة، العرب بحاجة أن يقدموا فكرة سياسية مبتكرة تضمن التعايش اللبناني وتعيد لحمة النسيج المجتمعي، اتفاق الطائف كان ضرورة في زمن مضى وانتهى فهو في أصله يمثل مرحلة انتقالية وليس اتفاقاً مستداماً تكبلت معه الأيادي اللبنانية ووصل لما وصل إليه حاله بلا حول ولا قوة، شيّعة لبنان ليسوا حزب الله، بل هم مكونّ من مكونات الدولة، ومن حقهم على العرب أن يجدوا سبيلاً ليعودا من مكامن الاختطاف الإيراني ليجدوا موقعهم كمواطنين متساوين تحت سلطة لبنان الدولة.
فهل نكون على قدر المسؤولية؟.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة