الإمارات بمجلس الأمن.. جهود رائدة لتعزيز الأمن المناخي ونشر السلام
مخاطر حقيقية على السلم والأمن الدوليين تشكلها التغيرات المناخية، التي تفرض تحديات أمنية تستدعي تعاملا فوريًا من المجتمع الدولي، قبل أن تتفاقم إلى نزاعات يصعب حلها.
وضع أدركته دولة الإمارات جيدًا، فشحذت هممها، ووضعت القضية على طاولة مجلس الأمن الذي ترأسه في يونيو/حزيران الجاري، وأدرجته ضمن أجندتها التحضيرية لقمة المناخ "COP28" المقرر عقدها في مدينة دبي، أواخر العام الجاري.
فمنذ بدء عضويتها في مجلس الأمن الدولي لمدة عامين مطلع 2022، مرورا بترؤسها المجلس مارس/آذار من العام نفسه، إلى يونيو/حزيران الجاري، أخذت دولة الإمارات على عاتقها حشد الجهود للتصدي للمخاطر والآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ التي تؤثر على مهمته المتمثلة في صون السلم والأمن الدوليين.
أولويات إماراتية
وضمن أحدث تلك الجهود نظمت دولة الإمارات اليوم الثلاثاء، مناقشة مفتوحة على المستوى الوزاري حول التغير المناخي والسلام والأمن، كشفت خلالها الآثار السلبية للتغيرات المناخية على السلم والأمن الدوليين، ووضعت روشتة للحل.
ويعد "التغير المناخي والسلام والأمن" إحدى أولويات دولة الإمارات خلال رئاستها مجلس الأمن الدولي لشهر يونيو/حزيران الجاري، بهدف تعزيز الجهود لبحث سبل دراسة ومعالجة آثار التغير المناخي على النزاعات حول العالم.
استضافة دولة الإمارات مناقشة مفتوحة على المستوى الوزاري حول التغير المناخي والسلام والأمن، اليوم الثلاثاء، تأتي بعد 3 أشهر من إعلان دولة الإمارات ومالطا وموزمبيق وسويسرا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 21 مارس/آذار الماضي، عن سلسلة من التعهدات للنهوض بنهج متسق وقادر على الاستجابة وقائم على الأدلة بشأن المناخ والسلام والأمن.
وتعمل التعهدات الـ15 التي تغطي مجموعة من وظائف المجلس، على تحقيق هدف الدول الأعضاء المشترك لتمكين المجلس من التصدي للمخاطر والآثار السلبية الناجمة عن تغير المناخ التي تؤثر على ولايته المتمثلة في صون السلم والأمن الدوليين.
التحدي الأكبر
وفي تصريحات صحفية، بثت -آنذاك- قالت السفيرة لانا زكي نسيبة، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات لدى الأمم المتحدة، إن "تغير المناخ يعد التحدي الأمني الأكبر في عصرنا الحالي؛ إذ لا يوجد أمن حقيقي دون أن يتحقق الأمن المناخي، وهنا يجدر التنويه إلى أنه لا يمكن للعالم، وبالتحديد مجلس الأمن، تجاهل هذا الشأن".
وأضافت: "بصفتنا الرئيس القادم لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ في دروته الثامنة والعشرين COP28، ارتأينا توحيد جهودنا مع زملائنا للنهوض بجدول الأعمال هذا، من خلال تعهداتنا، والتي نؤمن بضرورتها من أجل الحفاظ على السلم والأمن الدوليين".
وخلال ترؤسها مجلس الأمن في مارس/آذار من العام الماضي، عقدت دولة الإمارات 3 اجتماعات رئيسية تناول أحدها التمويل المناخي لصون السلم والأمن الدوليين، برئاسة وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة والرئيس المعيّن لمؤتمر الأطراف COP28 الدكتور سلطان بن أحمد الجابر.
وأكد الدكتور سلطان بن أحمد الجابر، في كلمته، أن دولة الإمارات قدمت ما يزيد على مليار دولار من المساعدات لدعم العمل المناخي في أكثر من 40 دولة، مع التركيز بشكل خاص على الدول الجزرية والأقل نمواً.
كما قدمت مساعدات تُقدر بمليارات الدولارات في السنوات الأخيرة لدعم جهود الإغاثة في الدول التي تعاني من النزاعات والكوارث الناجمة بصورة رئيسية عن التغيير المناخي.
وأكد أن تفعيل اقتصاديات وآليات تمويل العمل المناخي يسهم في تعزيز الأمن العالمي، داعياً المجتمع الدولي إلى معالجة التحديات المرتبطة بالتغير المناخي والتي تؤدي إلى توترات جيوسياسية تزعزع الاستقرار وتهدد الأمن والسلم الدوليين.
تمويل العمل المناخي
ومن إيمانها الراسخ بأهمية تمويل العمل المناخي ومساهمته الفعالة في إدارة مخاطر تغير المناخ وتمكين النمو الاقتصادي المستدام وتعزيز السلم والاستقرار الدوليين، تبنت دولة الإمارات منهجا يعتمد على شراكات تُركز على تمويل المشاريع في الدول التي تعتبر أكثر عرضة لتأثيرات تغير المناخ؛ لإدراكها أن تعزيز مرونة الاقتصاديات المحلية يسهم في تعزيز مرونة الاقتصاد العالمي.
واستثمرت دولة الإمارات ما يزيد على 150 مليار دولار في العمل المناخي، ولديها خطط طموحة لمزيدٍ من الاستثمارات المستقبلية في هذا المجال.
في السياق نفسه، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات خلال مشاركته ــ عن بعد ــ في "منتدى الاقتصادات الرئيسية الخاص بالطاقة وتغير المناخ أبريل/نيسان الماضي، أهمية أن تنفذ الدول المتقدمة تعهدها بتقديم 100 مليار دولار إلى الدول النامية والحاجة إلى تطوير أداء المؤسسات المالية الدولية لضمان مواكبة هذه المتطلبات، وتأمين التمويل اللازم لتحفيز الاستثمارات.
وأوضح أنه رغم تفاقم خطر التغير المناخي، فإن العالم لم يفقد فرصته بعد لمواجهة هذا الخطر، شريطة توفر الإرادة الحقيقية لتحرك جماعي دولي عاجل للتعامل معه، مشيرًا إلى أن دولة الإمارات وخلال رئاستها الدورة الثامنة والعشرين من مؤتمر الأطراف "COP28" ستبذل جميع الجهود المتاحة لتحقيق تقدم جذري في العمل المناخي، والانتقال من وضع الأهداف إلى تحقيقها، والتوصل إلى خطة عمل شاملة، لصالح البشر وكوكب الأرض.
ووجه دعوة مفتوحة إلى العالم لمشاركة دولة الإمارات من الآن في الجهود والمبادرات الهادفة إلى تحقيق نقلة نوعية في العمل المناخي، معبراً عن ثقته وتفاؤله بالاستجابة لهذه الدعوة.
وبصفتها الدولة المستضيفة لمؤتمر COP28، في مدينة إكسبو دبي خلال الفترة من 30 نوفمبر/تشرين الثاني إلى 12 ديسمبر/كانون الأول 2023، تقوم دولة الإمارات بدور مهم في تعزيز توافق الآراء والإجماع العالمي، وتنسيق استجابة عاجلة وشاملة في هذا العقد الحاسم بالنسبة للعمل المناخي.
وسيشهد مؤتمر COP28 أول حصيلة عالمية لتقييم التقدم المحرز في تنفيذ أهداف اتفاق باريس، مما يتيح محطة مهمة وحاسمة لتوحيد الآراء والاستجابة للتقارير العلمية التي تشير إلى ضرورة خفض الانبعاثات إلى النصف بحلول 2030 للتقدم في تحقيق هدف الحد من ارتفاع درجة حرارة كوكب الأرض فوق عتبة الـ1.5 درجة مئوية بحلول عام 2050، وسيسهم إنجاز الحصيلة العالمية في تحقيق الزخم اللازم لمفاوضات هذا المؤتمر ومؤتمرات الأطراف المستقبلية.
تجربة ملهمة
وتمتلك دولة الإمارات مسيرة حافلة في العمل من أجل البيئة والمناخ منذ تأسيسها على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان قبل 52 عاما، في جهود تتواصل في ظل القيادة الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.
تلك الجهود انطلقت بعد 6 أشهر فقط من تأسيس دولة الإمارات عام 1971 من خلال مشاركة وفد رفيع المستوى في المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بحماية البيئة والعمل من أجل استدامة الموارد الطبيعية، ثم صدور أول قانون وطني في المنطقة يستهدف حماية البيئة في العام 1975.
ووقعت دولة الإمارات بروتوكول مونتريال الخاص بالمواد المسببة لتآكل طبقة الأوزون في عام 1989، وفي مطلع تسعينيات القرن العشرين تم الاتفاق بشكل دولي على إطلاق اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن المناخ، لتمثل أول تحرك عالمي لمواجهة هذا التحدي الهام، وفي 1995 انضمت دولة الإمارات للاتفاقية للمشاركة في الحراك الدولي للعمل المناخي.
وبعد إطلاق واعتماد بروتوكول كيوتو الملزم للدول المتقدمة بأهداف خفض الانبعاثات، صدقت دولة الإمارات في العام 2005 على البروتوكول كأول دولة من الدول الرئيسية عالمياً لإنتاج النفط.
ومثل العام 2006 نقطة فارقة في مسيرة عمل دولة الإمارات من أجل البيئة والمناخ والذي شهد إطلاق شركة أبوظبي لطاقة المستقبل "مصدر" كنموذج إماراتي عالمي لقطاع الطاقة النظيفة والتنمية المستدامة والتطوير العمراني المستدام.
كما أطلق مشروع "براكة" للطاقة النووية عام 2012 والذي من المتوقع مع دخول كامل المحطات الخدمة أن يوفر ما يصل إلى 25% من الاحتياجات المحلية من الطاقة الكهربائية.
ونظراً لأهمية موضوع التغير المناخي محلياً وعالمياً، أدرجت دولة الإمارات التصدي لهذه الظاهرة كأحد أهدافها الرئيسية، لتحقيق التنمية المستدامة، واعتمدت باقة واسعة من التشريعات والاستراتيجيات الداعمة للعمل من أجل البيئة والمناخ، ومنها التحول نحو منظومة الاقتصاد الأخضر.
جهود دؤوبة
وفي عام 2016، وسعت دولة الإمارات دور وزارة البيئة والمياه لتدير جميع الجوانب المتعلقة بشؤون التغير المناخي الدولية والمحلية، وأعادت تسمية الوزارة لتصبح وزارة التغير المناخي والبيئة، لتعمل على قدم وساق على تعزيز جهود دولة الإمارات في معالجة مشكلة التغير المناخي، وحماية النظم البيئية الفريدة.
ولا تقتصر جهود دولة الإمارات على الصعيد المحلي فقط، وإنما تكثف جهودها على الصعيد الدولي لتعزيز العمل المناخي وتحفيز وقيادة عمل جماعي شامل وفعال من أجل المناخ عالميا.
وعلى صعيد جهودها الدولية لمواجهة تغير المناخ، استثمرت دولة الإمارات ما يزيد على 50 مليار دولار في مشروعات للطاقة النظيفة في 70 دولة، وأطلقت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي مبادرة شاملة بالشراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية للاستثمار في الطاقة النظيفة وتعزيز الأهداف المناخية المشتركة وأمن الطاقة العالمي، سيتم بموجبها استثمار 100 مليار دولار لتوليد 100 غيغاواط إضافية من الطاقة النظيفة في دولة الإمارات والولايات المتحدة والاقتصادات الناشئة حول العالم بحلول سنة 2035.
كما تقوم دولة الإمارات بجهد بارز في حشد الجهود العالمية لمواجهة تحديات التغير المناخي من خلال استضافتها لكبرى الفعاليات والأحداث التي شكلت منصة جامعة لكبار المسؤولين وصناع القرار والخبراء من حول العالم؛ أبرزها مؤتمر "أسبوع أبوظبي للاستدامة"، و"كوب 28."
وبصفته الرئيس المعيَّن لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ COP28، يقوم الدكتور سلطان بن أحمد الجابر وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة بدولة الإمارات بجولات مكوكية حول العالم خلال الفترة الحالية لتقريب وجهات النظر وتوفيق الآراء للوصول إلى إجماع عالمي لرفع سقف الطموح المناخي.
ومع استمرار عضويتها في مجلس الأمن الدولي على مدار عامي 2022-2023، الذي يعتبر أعلى هيئة دولية معنية بصون الأمن والسلم الدوليين، تواصل دولة الإمارات جهودها كشريك بنّاء في المجتمع الدولي للتعامل مع التحديات الراهنة مثل الحفاظ على السلام، وتعزيز التسامح، والتغير المناخي، بما يسهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
aXA6IDMuMTQ0LjYuMjkg جزيرة ام اند امز