الإمارات.. نموذج ملهم في تحقيق الأمن المائي المستدام

تُعد تجربة دولة الإمارات في التصدي لتحدي ندرة المياه محليًا من أبرز النماذج الملهمة عالميا في دعم وتعزيز الجهود الرامية إلى تحقيق الأمن المائي المستدام.
وتعد قضية الأمن المائي، من أكبر التحديات التي تواجه العالم، حيث تكشف الإحصاءات والحقائق المتوافرة عن معاناة مناطق عديدة من العالم من الإجهاد المائي، سواء لتلبية احتياجات السكان من ماء الشرب، واحتياجات الزراعة وباقي الأنشطة الاقتصادية.
- الإمارات تتعهد في «كيب تاون» بتسريع استثمارات المياه بأفريقيا
- «طاقة» تستحوذ على «جي إس إينيما» الإسبانية لمعالجة المياه بقيمة 1.2 مليار دولار
وبالرغم من أن طبيعة دولة الإمارات تتسم بالمناطق الجافة التي تعاني شحاً في مصادر المياه الطبيعية بسبب قلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة وعدم توفر مصدر مائي دائم الجريان، ومحدودية توافر المياه الجوفية، إلا أنها امتلكت الإرادة وبذلت الجهود للمضي في كل الاتجاهات اللازمة لتأمين أمنها المائي.
وتبذل دولة الإمارات جهودا كبيرة وملموسة على المستويين المحلي والعالمي لإيجاد حلول تساعد على تطوير واستخدام الأدوات والتقنيات التي تحافظ على المياه وتضمن استدامتها.
استراتيجية الأمن المائي 2036
ففي سبتمبر/ أيلول 2017 كشفت وزارة الطاقة والبنية التحتية الإماراتية عن استراتيجية الأمن المائي لدولة الإمارات 2036، الهادفة إلى ضمان استدامة واستمرارية الوصول إلى المياه خلال الظروف الطبيعية وظروف الطوارئ القصوى، بما ينسجم مع قوانين الدولة ومواصفات منظمة الصحة العالمية، ويسهم في تحقيق رخاء وازدهار المجتمع واستدامة نمو الاقتصاد الوطني.
وتستهدف الاستراتيجية تنفيذ الإدارة المتكاملة لموارد المياه على جميع المستويات من خلال خفض إجمالي الطلب على الموارد المائية بنسبة 21%؛ وزيادة مؤشر إنتاجية المياه إلى 110 دولارات لكل متر مكعب.
وبحسب بيانات رسمية من حكومة الإمارات، تستهدف الاستراتيجية أيضا، زيادة كفاءة استخدام المياه في جميع القطاعات بشكل كبير وضمان سحب المياه العذبة وإمداداتها على نحو مستدام من أجل معالجة شح المياه، والحد بدرجة كبيرة من عدد الأشخاص الذين يعانون من ندرة المياه، وذلك بخفض مؤشر ندرة المياه بمقدار 3 درجات.
كما تستهدف تحسين نوعية المياه عن طريق الحد من التلوث ووقف إلقاء النفايات والمواد الكيميائية الخطرة وتقليل تسرّبها إلى أدنى حد، وخفض نسبة مياه المجاري غير المعالجة بزيادة نسبة إعادة استخدام المياه المعالجة إلى 95%.
وتستهدف الاستراتيجية أيضا تحقيق هدف حصول الجميع على مياه الشرب المأمونة والميسورة التكلفة بتوفير سعة تخزين لمدة يومي تخزين للحالات العادية في النظام المائي.
الاعتماد على مصادر غير تقليدية
وحسب وكالة أنباء الإمارات (وام)، يقدر حجم الطلب على المياه في دولة الإمارات بنحو 4.2 مليار متر مكعب سنوياً، ونظراً لشح كمية المياه الجوفية فيها، فقد اتجهت نحو الاعتماد بشكل رئيس على مصادر غير تقليدية لإنتاج المياه العذبة لأغراض الشرب والاستخدامات المختلفة.
وبلغت نسبة مساهمة موارد المياه غير التقليدية 53%، تشمل المياه المنتجة من تحلية مياه البحر، وإعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة، وتقنيات الاستمطار، إضافة لتبني سياسات لترشيد الاستهلاك.
استراتيجية الابتكار الوطنية
ويمثل الماء أحد المحاور السبعة الرئيسية لاستراتيجية الابتكار الوطنية لدولة الإمارات التي تهدف إلى أن تكون الدولة رائدة عالمياً في علوم وتقنيات زيادة هطول الأمطار.
وتمتلك دولة الإمارات منظومة ضخمة من محطات التحلية التي تساهم في إمداد مختلف القطاعات الحيوية والسكنية بالمياه الضرورية لاستمرارية الأعمال ودعم رفاهية المجتمع، بجانب بنائها سدوداً عدة للمحافظة على الثروة المائية.
وتركز دولة الإمارات بشكل مكثف على بناء وتطوير مشروعات تحلية المياه القائمة على تقنية «التناضح العكسي»، وزيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، بما يسهم في تعزيز جهود تحقيق الحياد المناخي، حيث تعد هذه التقنية قليلة الكلفة وموفرة للطاقة، وقد أثبتت كفاية في استهلاك الطاقة تزيد بمقدار 75%، مقارنة بتقنيات التحلية الحرارية، كما تسهم في خفض انبعاثات الكربون المرتبطة بتحلية المياه بنسبة تزيد على 85%.
ودشنت الإمارات في مارس/ آذار 2024 الماضي محطة تحلية مياه البحر " نقاء"، التي تم إنشاؤها في إمارة أم القيوين، وتعد من أضخم مشروعات تحلية مياه البحر بنظام التناضح العكسي في العالم، حيث تبلغ قدرتها 150 مليون جالون مياه محلاة يومياً.
صدارة في مؤشرات الأمم المتحدة
تتصدر الإمارات قائمة الدول التي تساهم في تعزيز منظومة الأمن المائي المستدام على الصعيد العالمي، عبر مجموعة متكاملة من المبادرات المبتكرة الهادفة إلى تعزيز الوعي بأزمة ندرة المياه وخطورتها، وحشد الجهود والطاقات الدولية لمعالجتها.
ويأتي ذلك في الوقت الذي تواصل فيه الإمارات تقدمها الملموس في تحقيق أبرز مقاصد الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة 2030 المتعلق بالحصول على المياه النظيفة.
ويشير تقرير الأمم المتحدة الصادر في 2024 حول أجندة أهداف التنمية المستدامة 2030، إلى تحقيق الإمارات ما معدله 100% في مجال تقديم خدمات مياه الشرب المأمونة وخدمات الصرف الصحي، كما حققت الدولة نتيجة 79 % في مجال الإدارة المتكاملة للموارد المائية وهي من أفضل النتائج إقليمياً.
ويحتاج العالم وفقاً للأمم المتحدة إلى مضاعفة التقدم المحرز في الهدف السادس من أهداف التنمية المستدامة بمعدل 4 مرات عن الوضع الحالي، لكي يتمكن جميع سكان الأرض من الحصول على المياه المأمونة التي تعد من أهم احتياجات الإنسان الأساسية من أجل صحته ورفاهيته.
مبادرة محمد بن زايد للماء
وأطلقت الإمارات في فبراير/ شباط 2024 "مبادرة محمد بن زايد للماء" لمواجهة التحدي العالمي العاجل المتمثل في ندرة الماء.
وتستهدف المبادرة تعزيز إمكانية الوصول المستدام إلى المياه على مستوى العالم من خلال دعم تطوير وتطبيق حلول تكنولوجية مبتكرة، وتعزيز الوعي بتحديات ندرة المياه وإبراز أهميتها على جدول الأعمال العالمي.
كما تهدف المبادرة تسريع تطوير حلول تكنولوجية مبتكرة لمعالجتها، إضافة إلى تعزيز التعاون مع الشركاء والأطراف المعنية في العالم لتسريع وتيرة الابتكار التكنولوجي للتعامل مع ندرة المياه وتوسيع نطاق التعاون الدولي، والسعي إلى زيادة الاستثمارات الهادفة إلى التغلب على هذا التحدي لما فيه خير الأجيال الحالية والمستقبلية.