تشهد دولة الإمارات تحولًا عميقًا في استراتيجيتها الاقتصادية والتنموية، حيث باتت تؤسس لاقتصاد معرفي متقدم يقوده الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا المتقدمة، بديلاً مستدامًا للاعتماد التقليدي على الموارد الطبيعية.
اللافت زيارة الشيخ طحنون بن زايد آل نهيان، نائب حاكم إمارة أبوظبي، مستشار الأمن الوطني، إلى واشنطن مؤخرًا، والتي جاءت لتجسد هذا التوجه بوضوح، من خلال سلسلة من اللقاءات رفيعة المستوى مع صناع القرار الأمريكيين، ورؤساء كبرى الشركات العالمية في مجالات الذكاء الاصطناعي والطاقة والبنية التحتية.
دولة الإمارات لا تستثمر في اللحظة الراهنة فحسب، بل تُراهن على المستقبل بثقة، وإعلان انضمام شركتي «إنفيديا» و«إكس إيه آي» إلى الشراكة الإماراتية في البنية التحتية للذكاء الاصطناعي يرسّخ موقع الدولة بين النخبة العالمية في هذا القطاع المهم.
ويضاف إلى ذلك الاتفاق الذي أبرمته «القابضة» الإماراتية مع شركة «إنرجي كابيتال بارتنرز» لإطلاق مشروع مشترك بقيمة 25 مليار دولار في الولايات المتحدة، لتطوير مشاريع طاقة مبتكرة تعكس التزامًا طويل الأمد بتحقيق التنمية المستدامة العالمية.
إحدى أبرز ملامح هذه الاستراتيجية الجديدة هي السعي نحو السيادة الرقمية، كما يظهر في الاتفاق الثلاثي بين دائرة التمكين الحكومي في أبوظبي، وشركتي «مايكروسوفت» و«كور 42» لتأسيس نظام سحابي سيادي مشترك. فمثل هذه الشراكات لا تعزز فقط كفاءة الخدمات الحكومية، بل تفتح المجال أمام حلول تقنية مبتكرة تحترم الخصوصية وتخدم متطلبات الأمن السيبراني الوطني.
هذه التحركات بالطبع ليست عشوائية أو آنية، بل نابعة من رؤية وضعتها القيادة قبل أكثر من عقد، حين أُطلقت «استراتيجية الإمارات للذكاء الاصطناعي» كأول مبادرة من نوعها في المنطقة، وتكاملت لاحقًا مع مشاريع كبرى مثل «التحول الصناعي 4.0»، و«الاقتصاد الرقمي»، و«الابتكار الحكومي»، ما أوجد بيئة مرنة وفعّالة لبناء اقتصاد رقمي يتسم بالتنوع والتنافسية.
اليوم، نحن نعيش في عالم يتغير بوتيرة متسارعة، بحيث تسعى الدول الكبرى لتأمين مكانها في مشهد الذكاء الاصطناعي والتقنيات الناشئة، غير أن دولة الإمارات لا تكتفي بدور المستخدم أو المستثمر، بل تسعى لأن تكون شريكًا فاعلًا في التطوير وصانعًا للاتجاهات العالمية، كما تؤكد استثماراتها في الولايات المتحدة التي تقترب من تريليون دولار في قطاعات حيوية.
وتؤكد دولة الإمارات اليوم أنها لا تستثمر في الموارد فحسب، بل في الرؤية والتقنية والعقول، وهي بذلك ترسّخ مكانتها دولةً تصنع الغد، لا تنتظره... دولة تضع الإنسان في مقدمة أولوياتها وتنظر إلى المستقبل بعين الواثق.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة