إعادة إعمار الجامع النوري.. الإمارات تصون تراث الإنسانية
تحل، الإثنين، الذكرى الرابعة لتدمير الجامع النوري ومنارته الحدباء في مدينة الموصل العراقية، في وقت تواصل فيه الإمارات جهودها لإعادة إعمار الجامع لاستعادة رمزيته الحضارية والثقافية.
جهود إماراتية تتواصل لتعلو المنارة الحدباء للجامع النوري مجدداً وتحلّق في أفق الموصل، كهدية إماراتية للإنسانية تعبّر على جهود دار زايد ورسالتها الحضارية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة التي ساهمت في تدمير هذه المعالم الأثرية والحفاظ على التراث الإنساني والثقافي على مستوى العالم.
أهمية تاريخية
يعد الجامع النوري من مساجد العراق التاريخية بناه نور الدين زنكي عام 1172م، وهو يقع في الساحل الغربي للموصل، وتسمى المنطقة المحيطة بالجامع محلة الجامع الكبير.
ويُعتبر الجامع ثاني جامع يُبنى في الموصل بعد الجامع الأموي، وأعيد إعماره عدة مرات كانت آخرها عام 1944م.
وتهدّم الجامع النوري ومئذنته الشهيرة المائلة المعروفة باسم المنارة الحدباء التي يبلغ ارتفاعها 45 متراً ويزيد عمرها على 840 عاماً، عقب هزيمة تنظيم "داعش" الإرهابي في المدينة عام 2017؛ إذ أقدم التنظيم على نسف الجامع، الذي شهد الظهور الأول لزعيمه أبوبكر البغدادي عام 2014.
رسالة أمل
ووضع حجر أساس الجامع عام 2018 في مبادرة من اليونسكو لإعادة إحياء معالم المدينة، بالتعاون مع وزارة الثقافة العراقية، والوقف السني، وبتمويل من دولة الإمارات العربية المتحدة، بلغ 50 مليون دولار.
وجاء قرار دولة الإمارات بتبني مبادرة اليونسكو بإعادة البناء، في رسالة أمل لمواجهة الأفكار المتطرفة التي تحاول جاهدة محو التراث الإنساني والثقافة وزرع الخوف في المجتمع.
وتم إنجاز المرحلة الأولى من مشروع إعادة بناء الجامع النوري بسواعد أهالي الموصل الذين وصلت أعدادهم إلى ما يقارب 300 شخص من الفترة من فبراير/شباط 2019 حتى مارس/آذار 2020.
وفي هذه المرحلة تمت إزالة الألغام والمخلفات الحربية، كما تم عزل القطع التراثية والتاريخية في الموقع وتصنيفها وتوثيقها وترقيمها.
وتمّ جمع "الطابوق" الخاص بالجامع والقطع الصغيرة بشكل كامل، حرصاً على إعادة البناء مع الحفاظ على قيمته التاريخية.
مسابقة دولية
وفي نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020 أعلنت لجنة دولية مسابقة لاختيار تصميم الجامع النوري.
وفاز بالمسابقة ثمانية مهندسين معماريين مصريين وتصميمهم "كورتياردز ديالوج" ويعني بالعربية "حوار الأفنية" من بين 123 تصميماً شاركت في المسابقة.
ودعت اليونسكو في نوفمبر 2020 المهندسين المعماريين في العالم للمشاركة بالمسابقة المعماريّة، لإعادة إعمار وتأهيل مجمع جامع النوري بمدينة الموصل.
وقدّم المشاركون في المسابقة تصميماً نظريّاً للمجمع أخذ في الاعتبار صون الأجزاء القائمة من مصلى النوري والحرص على انسجامها مع المباني الجديدة، بالإضافة إلى إعادة تأهيل عدد من المباني التاريخية ودمجها مع التصاميم الجديدة.
وشملت المسابقة إعداد تصميم للمنظر العام للموقع بأكمله، فضلاً عن إيجاد مساحات جديدة للمجتمع المحلي كي تُستغل للأنشطة التعليمية والثقافية والاجتماعية.
وفُتِح باب المسابقة من 16 نوفمبر/تشرين الثاني 2020 حتى 26 مارس/آذار 2021، قبل إعلان الفريق المصري الفائز.
بدورها، قالت أودري أزولاي، التي ترأس وكالة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونيسكو)، إن إعادة إعمار الجامع ستكون علامة فارقة في مسيرة المصالحة في المدينة التي مزقتها الحرب.
وأضافت: "بينما ستبدو قاعة الصلاة كما كانت قبل التدمير، ستكون هناك تغييرات ملحوظة، بما في ذلك استخدام الضوء الطبيعي والمساحات الموسعة للنساء وكبار الشخصيات".
ومن المقرر أن تبدأ عملية إعادة البناء في وقت لاحق من هذا العام، لتقترب مدينة الموصل من استعادة رمزيتها الحضارية والثقافية كمنارة للتسامح والتعايش الإنساني.
ويبعث هذا المشروع الحضاري الذي يمتد لخمس سنوات رسالة للشباب العراقيين عنوانها مستقبل أكثر إشراقاً كونهم مشاركون فاعلون في مسيرة الإعمار حيث يدعم المشروع بعد اكتماله السياحة الثقافية والتنمية في المجتمع الموصلي ويساهم في بناء مدينة حيوية مزدهرة تنشر قيم التسامح والمصالحة والانفتاح وتعود لسابق عهدها منبراً للعلم والثقافة.
إشادة عراقية
وثمّن الدكتور مصطفى الكاظمي، رئيس وزراء العراق، مبادرة دولة الإمارات الرائدة في إعادة بناء وترميم الجامع النوري ومنارته الحدباء في مدينة الموصل .
وأشاد في تصريحات له خلال زيارة الإمارات في أبريل/نيسان الماضي بمواقفها المشرفة تجاه العراق وشعبه، وشدد على أن العلاقات الإماراتية – العراقية نموذج يحتذى للعلاقات الثنائية بين الأشقاء.
ونوه بالوقفة التاريخية لدولة الإمارات مع الشعب العراقي في حربه ضد "داعش" ودعمها العراقيين وحرصها على المشاركة في عملية إعادة البناء، منوهاً في هذا الصدد بمبادرتها التاريخية لإعادة بناء الجامع النوري التاريخي في مدينة الموصل .
وقال إن هذا الجامع التاريخي راسخ في ضمير كل عراقي وعربي وتألمنا جميعاً بعد تدميره على أيدي الجماعات الإرهابية ومن شأن الجهود البارزة لدولة الإمارات في هذا الشأن إعادة الحياة إلى هذا المعلم الإسلامي التاريخي، الأمر الذي يعكس في الوقت نفسها حرصها على صون التراث الإسلامي والعربي بوصفه من مرتكزات الحضارة الإسلامية وحماية معالمه البارزة.
نشر التسامح والأخوة
وإضافة إلى إعادة إعمار الجامع النوري تتولى الإمارات أيضاً إعادة بناء كنيستي الطاهرة والساعة بالموصل في رسالة ثقافية وحضارية قوية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة التي ساهمت في تدمير هذه المعالم الأثرية بالأمس القريب.
كنيسة الطاهرة
وكنيسة الطاهرة يبلغ عمرها نحو 800 عام وتقع في منطقة ميدان بمدينة الموصل القديمة وتعد واحدة من أقدم الكنائس في المنطقة حيث يعود تاريخها إلى الألفية الأولى وكنيسة الساعة المعروفة أيضاً باسم كنيسة سيدة الساعة والتي تعد مثالاً حياً للأخوة بين أهل الموصل الذين تخرجوا من مؤسستها التعليمية بغض النظر عن خلفيتهم الدينية.
وحازت كنيسة الطاهرة الكبرى في الموصل شرف استضافة قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، لمقابلة شعبها وتلاوة صلاة السلام الملائكي خلال زيارته التاريخية للعراق في مارس/آذار الماضي.
كنيسة الساعة
ويشمل مشروع إعادة ترميم كنيسة الساعة جميع مراحل إحياء/إعادة الترميم وهي: تهيئة المنطقة، مسح أولي للتصميم التفصيلي المعّد، والقيام بالتنفيذ العملي للمشروع.
ويتيح المشروع فرص عمل مميزة للمحترفين والحرفيين في مجال التراث المحلي، وسيتم عن كثب دمج التنفيذ العملي لهذا المكون مع برامج بناء القدرات المتوقعة في إطار هذا المشروع.
وتقع كنيسة الساعة في قلب المدينة القديمة في الموصل، على ملتقى تقاطع شارعين رئيسيين من النسيج التاريخي الحضري، وتم بناء هذه الكنيسة في أواخر القرن التاسع عشر وهي تعتبر من اهم المعالم المشهورة في مدينة الموصل.
وتعد الكنيسة مركزاً لكثير من النشاطات الروحية، التراثية الثقافية والتعليمية، وكانت أكبر مثال حي في دورها الفعال في توحيد العلاقات الأخوية بين الموصليين، وتزويدهم بالتعاليم الدينية والثقافية والاجتماعية.
إحياء روح الموصل
ووقعت دولة الإمارات ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" في أكتوبر/تشرين الأول 2019 اتفاقية تخص المشاركة الإماراتية في جهود إعادة إعمار المعالم التاريخية في مدينة الموصل عبر إعادة ترميم كنيستي الساعة والطاهرة لتصبح الإمارات من خلال هذا المشروع أول دولة في العالم تعيد إعمار كنائس العراق.
ويعد مشروع إعادة بناء جامع النوري والمنارة الحدباء وكنيستي الساعة والطاهرة جزءاً أساسياً من عملية إحياء روح الموصل ونشر الأمل بغية تعزيز التلاحم الاجتماعي في المجتمع الموصلي.
جهود تتكامل لتعزز جهود الإمارات في نشر رسالة الأمل والانفتاح والاعتدال مقابل ثقافة التعصب والتطرف، والعمل على إعادة إحياء روح الموصل عبر صوت الآذان ودقات أجراس الكنائس لتعُم روح التسامح أرجاء المدينة من جديد.
مشاريع تبرز دور الإمارات في صون التراث العالمي والحفاظ على الموارد الثقافية من خلال تبني مبادرات مستدامة تضمن حق الأجيال المقبلة في المواقع الأثرية والتراثية.
وتحرص دولة الإمارات على تعزيز علاقاتها مع اليونسكو، ودعم أنشطتها ومبادراتها وبرامجها لمصلحة شعوب العالم بما يعزز قيم المحبة والسلام والتسامح.
وتعد دولة الإمارات سادس الدول المانحة لليونسكو، وتقدم دعماً وتمويلاً لكثير من المشاريع المحلية والإقليمية والعالمية، وقامت بإنشاء صندوق حمدان بن راشد آل مكتوم لدعم اليونسكو عام 2013، بـ 2.2 مليون دولار أمريكي، لدعم المبادرات والمشاريع التعليمية التي استفادت منها أكثر من 70 دولة حول العالم.
aXA6IDMuMTUuMjI4LjE3MSA= جزيرة ام اند امز