جامع النوري.. صون التراث "مهمة إماراتية إنسانية"
المعاول الداعشية حولت صرحا كان يقف شاهدا حضاريا على روح التسامح والتعايش إلى ركام، لكن ما هدمه التطرف تتكفل دولة الإمارات بترميمه
في الحادي والعشرين من يونيو/حزيران 2017، عاثت الأيادي الإرهابية فساداً بجامع النوري ومنارته الحدباء في مدينة الموصل العراقية.
حولت المعاول الداعشية صرحاً شامخاً كان يقف شاهداً حضارياً على روح التسامح والتعايش إلى ركام، لكن ما هدمه التطرف، تتكفل دولة الإمارات بترميمه، ليكون سيفاً قاطعاً بوجه الإرهاب.
في عام 2018 قررت دولة الإمارات تبني مبادرة اليونسكو بإعادة البناء، في رسالة أمل لمواجهة الأفكار المتطرفة التي تحاول جاهدة محو التراث الإنساني والثقافة وزرع الخوف في المجتمع.
ويبعث هذا المشروع الحضاري، الذي يمتد لـ5 سنوات وبتكلفة 50.4 مليون دولار، رسالة للشباب العراقيين عنوانها مستقبل أكثر اشراقاً كونهم مشاركين فاعلين في مسيرة الإعمار.
ويدعم المشروع بعد اكتماله السياحة الثقافية والتنمية في المجتمع الموصلي، ويساهم في بناء مدينة حيوية مزدهرة تنشر قيم التسامح والمصالحة والانفتاح وتعود لسابق عهدها منبرا للعلم والثقافة.
ويحمل مشروع إعادة إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء بين طياته السلام والتعايش في مجتمع متعدد الأديان والمذاهب والثقافات.
ويعد هذا المشروع نموذجاً يبرز دور الإمارات في صون التراث العالمي والحفاظ على الموارد الثقافية من خلال تبني مبادرات مستدامة تضمن حق الأجيال المقبلة في المواقع الأثرية والتراثية.
ويجسّد المشروع كذلك الشراكة بين دولة الإمارات واليونسكو لإعادة بناء هذا المعلم التاريخي المهم.
وشكل تبني الإمارات إعادة إعمار المسجد النوري ومنارته الحدباء نقطة تحول مفصلية في حياة الموصليين والشعب العراقي نظراً لقيمته الثقافية والتاريخية كونه يجسد قيم وفكر وانتماء وأمانة ينبغي المحافظة عليها وتوريثها للأجيال القادمة.
ويعد مشروع إعادة بناء جامع النوري والمنارة الحدباء وكنيستي الساعة والطاهرة جزءاً أساسياً من عملية إحياء روح الموصل ونشر الأمل بغية تعزيز التلاحم الاجتماعي في المجتمع الموصلي.
ووقعت الإمارات ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو) في أكتوبر/تشرين الأول الماضي اتفاقية تخص المشاركة الإماراتية في جهود إعادة إعمار المعالم التاريخية في مدينة الموصل عبر إعادة ترميم كنيستي الساعة والطاهرة لتصبح الإمارات من خلال هذا المشروع أول دولة في العالم تعيد إعمار كنائس العراق.
ويشكل إعادة بناء وترميم كنيستي الطاهرة والساعة ومن قبلها الجامع النوري ومنارته الحدباء رسالة ثقافية وحضارية قوية في مواجهة الممارسات والأفكار المتطرفة، التي ساهمت في تدمير هذه المعالم الأثرية مما يعكس قيم دولة الإمارات الراسخة القائمة على مبادئ الأخوة الإنسانية والتسامح والتنوع الثقافي بين الديانات المختلفة.
وتتضمن هذه الجهود أيضا بناء متحف ونصب تذكاري يعرض ويحفظ آثار وتاريخ المسجد النوري التي تم إعادة إعمارها بالشراكة مع الحكومة العراقية وأهالي الموصل والمؤسسات التعليمية.
وسيكون للمتحف والنصب التذكاري تأثير طويل الأمد على مجتمع الموصل حيث ستوفر هذه المشاريع فرص تدريب وعمل لأكثر من 1000 شاب من أهالي الموصل.
كما يطور مهارات العاملين في تلك المشروعات من خلال فرص التعليم والتدريب وكذلك المساهمة الكبيرة لهذه المشروعات في تنشيط الاقتصاد المحلي من خلال السياحة الثقافية في الموصل والعراق.
وقالت نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة والشباب في الإمارات، إن مدينة الموصل العراقية هي صلة الوصل وعاصمة الصناعات الإبداعية قبل آلاف السنين.
وأضافت في مقال لها بموقع "ناس نيوز" العراقي تحت عنوان "روح الموصل": "قبل 3 سنوات كان العالم على موعد مع أكبر عملية تدمير ممنهجة للتراث الثقافي الإنساني في مدينة الموصل العراقية إحدى أقدم المدن في العالم والتي كانت لآلاف السنين جسراً يصل الشرق بالغرب والشمال والجنوب استوطنها أشخاص من خلفيات دينية وعرقية متنوعة".
وأضافت: "الموصل صلة الوصل وعاصمة الصناعات الإبداعية قبل آلاف السنين، فقد كان السجاد والرسومات والزخارف والمشغولات النحاسية تستقطب التجار من الهند والصين وكانت أسواقها تشهد حركة ثقافية نشطة واشتهرت منذ القدم بتصاميمها المعمارية وفنونها الموسيقية، ونشرت إبداعاتها في مجال النظم والتلحين إلى مدن عربية كالقاهرة وحلب ودمشق".
وأوضحت: "المدينة القديمة في الموصل تضم بين أزقتها مئات المعالم التاريخية التي تشهد على عدد من العصور والحضارات والثقافات والديانات من أشهرها الجامع النوري ومنارته الحدباء والذي كان قبل 3 سنوات هدفا لتنظيم داعش الإرهابي الذي دمره وحوله إلى ركام، فهبت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) لإنعاش الموصل من خلال مبادرة (إحياء روح الموصل) وكانت دولة الإمارات المساهم الأول في إعادة إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء والذي ارتبط روحياً بالموصليين".
وتابعت: "تزامن إطلاق مشروع إعادة إعمار الجامع النوري مع احتفاء دولة الإمارات في 2018 بمئوية الشيخ زايد ليكون خيرَ ترجمةٍ لحرصنا على إرث المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ودعم جهود الأشقاء العراقيين في التنمية والاستقرار ودفعة عجلة الإعمار خصوصاً المعالم التراثية التاريخية التي تعرضت لتدمير على أيدي أعداء التاريخ انطلاقاً من قيمنا الثابتة في نشر قيم الإيجابية والوسطية والانفتاح ومحاربة التعصب والتطرّف الفكري والديني والثقافي".
وأضافت: "لا يقتصر إعادة إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء على إعادة بناء المواقع التراثية وحسب، بل يتعداه إلى الاستثمار في الشباب الموصلي وتمكينهم بوصفهم أطرافاً فاعلة في معادلة التغيير، إذ يوفر المشروع 1000 فرصة تدريبية ووظيفة للشباب، ويسهم في خلق فرص اقتصادية وإمكانات داعمة للسياحة الثقافية بما تعكسه من استدامة للتنمية وتطور وازدهار لمستقبل العراق".
وأشارت إلى أنه قبل أشهر انتهت المرحلة الأولى من إعادة إعمار الجامع النوري ومنارته الحدباء حسب الجدول الزمني المتفق عليه مع اللجنة التوجيهية التي تقود المشروع والتي شملت إزالة الألغام الأرضية من الموقع وتثبيت ما تبقى من الهيكل للمئذنة، وإزالة الأنقاض بالكامل من محيط الجامع والمنارة.
وأردفت: "في يوم ما ستعلو المنارة الحدباء للجامع النوري وتحلق في أفق الموصل، وسيُعاد بناء الكنائس وإقامة المناسبات الثقافية والموسيقية، والعديد من الفعاليات الأخرى التي تمثل السمو الإنساني الذي كاد أن تختطفه أيدي الظلام وأعداء التنوير، وبفضل جهود ودعم دولة الإمارات ومنظمة اليونسكو سترجع ابتسامة الموصليين وعناقهم للحياة".