الإمارات وإيطاليا.. مبادرات ثقافية توثّق الشراكة الاستراتيجية

تعاون ثقافي وعلمي متنام بين الإمارات وإيطاليا، يُرتقب أن يتزايد بعد زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، إلى إيطاليا.
وصل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى العاصمة الإيطالية روما، مساء الأحد، في "زيارة دولة"، أرفع أنواع الزيارات الرسمية.
حفاوة بالغة
وعقب وصوله، حضر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، مأدبة العشاء التي أقامها سيرجيو ماتاريلا، رئيس الجمهورية الإيطالية تكريماً له والوفد المرافق.
ورحب الرئيس سيرجيو ماتاريلا بزيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى إيطاليا، مؤكداً عمق العلاقات التي تجمع البلدين وتطلعهما إلى مزيد العمل المشترك لتعزيز تعاونهما لما يعود بالخير على شعبيهما.
من جانبه، أكد رئيس دولة الإمارات أن العلاقات الاستراتيجية بين الإمارات وإيطاليا تمضي نحو مزيد من التطور والنماء، لافتاً إلى أن زيارته إلى إيطاليا "تعبّر عن تطلعنا إلى العمل معاً لتحقيق نقلة كبيرة في مسار الشراكة الاستراتيجية المتميزة بين بلدينا.. والتوجه نحو مرحلة نوعية جديدة من التعاون والنمو الاقتصادي المشترك".
وأعرب عن ثقته في أن مخرجات هذه الزيارة سيكون لها بالغ الأثر في دفع العلاقات الثنائية إلى الأمام على جميع المستويات، متمنيا لإيطاليا وشعبها مزيداً من التقدم والنماء.
كما تبادل رئيس دولة الإمارات والرئيس الإيطالي خلال اللقاء، الأوسمة، حيث منح الشيخ محمد بن زايد آل نهيان الرئيس سيرجيو ماتاريلا "وسام زايد" الذي يعد أعلى وسام مدني تقدمه دولة الإمارات إلى قادة الدول ورؤسائها، فيما منح الرئيس الإيطالي رئيس دولة الإمارات "وسام الاستحقاق للجمهورية الإيطالية"، وهو الوسام الأعلى الذي تمنحه إيطاليا إلى القادة والملوك والرؤساء، بجانب تبادل مجموعة من الهدايا التي ترمز إلى تاريخ البلدين وتراثهما.
ويبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الزيارة، مع سيرجيو ماتاريلا رئيس الجمهورية الإيطالية، وجورجا ميلوني رئيسة الوزراء، مختلف جوانب التعاون خاصة في مجالات الاقتصاد والاستثمار والطاقة المتجددة والتكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي، إضافة إلى المجالات الثقافية، وذلك في إطار الشراكة الإستراتيجية التي تجمع دولة الإمارات وإيطاليا.
ويرتقب أن تسهم نتائج الزيارة في تعزيز العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، ولا سيما في قطاع الثقافة والعلوم والفضاء والذكاء الاصطناعي.
نقلة نوعية
وكان التعاون بين البلدين قد شهد نقلة نوعية، بعد اتفاق البلدين الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى شراكة استراتيجية، خلال القمة التي جمعت الشيخ محمد بن زايد آل نهيان وجورجا ميلوني رئيسة وزراء إيطاليا، في أبوظبي، في مارس/آذار 2023.
وتوثق تلك الشراكة العديد من المبادرات الثقافية التي تبرز أهمية التعاون بين البلدين وحرصهما المشترك على المضي بها إلى آفاق أرحب.
المعهد الثقافي العربي
ضمن أحدث تلك المبادرات، افتتح الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في 30 أغسطس/آب الماضي، المعهد الثقافي العربي في جامعة القلب المقدس الكاثوليكية بمدينة ميلانو الإيطالية، في خطوة مهمة تشكل تحولا في تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين.
ويعد المعهد الثقافي العربي في جامعة القلب المقدس الكاثوليكية في مدينة ميلانو الإيطالية، الأول من نوعه على مستوى العالم.
ويشكل المعهد نقطة التقاء بين الثقافتين العربية والغربية، وهو يستهدف الأجيال الجديدة من الشباب الإيطاليين المحبين للغة العربية والباحثين والدارسين للثقافة العربية وأدباء المهجر، كما يتيح الفرصة لتعلم فنون الخط العربي والثقافة العربية في إيطاليا وحضور اسم دولة الإمارات في كل مكان.
ويسعى المعهد إلى تسهيل الشراكات بين الناشرين العرب والإيطاليين لترجمة الأعمال العربية إلى اللغة الإيطالية وغيرها من اللغات الأوروبية.
تعاون يعبر أيضا عن التزام البلدين بتعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية.
ترميم مكتبة "جيانينو ستوباني"
أيضاً من المبادرات الثقافية الإماراتية الرائدة، مساهمة الإمارات في ترميم مكتبة جيانينو ستوباني في بولونيا بإيطاليا بعد أن دمرها حريق كبير في مايو/أيار 2022.
وتمت إعادة افتتاح المكتبة بعد الانتهاء من أعمال ترميمها بمساهمة ودعم "مكتب الشارقة عاصمة عالمية للكتاب" الذي تبرع بمبلغ 50 ألف يورو لصالح صندوق ترميم المكتبة المتخصصة بكتب الأطفال، والتي تعد من أبرز 10 مكتبات مستقلة في إيطاليا.
مدرسة ومركز
أيضاً، وفي خطوة مهمة على طريق تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، افتتح الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش الإماراتي، في ديسمبر/كانون الأول 2023، المدرسة الإيطالية الدولية بأبوظبي، التي تعد أول مدرسة إيطالية في دولة الإمارات.
وأكد وزير التسامح أن التعليم الإماراتي خطى خطوات واسعة نحو العالمية، واستطاع اجتذاب العديد من المناهج التعليمي العالمية ذات التاريخ الطويل مثل المدرسة البريطانية والأمريكية وغيرها، وأخيرا يفسح المجال أما المدرسة الإيطالية للمشاركة في ركب التعليم الإماراتي.
وأكد أن المجتمع الإماراتي المنفتح على الجميع، بما يتمتع به هذا المجتمع من تلاحم وتسامح وتعايش إنساني يسع الجميع، ويسمح لكافة الثقافات بأن تدلي بدلوها في مختلف المجالات.
وأشار إلى أن الرؤية الحكيمة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان تضع التعليم الإماراتي ضمن أهم الأولويات الوطنية باعتباره المؤسس لأجيال المستقبل، ولذا فإن التعليم الإماراتي ينطلق إلى العالمية مستفيدا من جميع الخبرات الدولية في هذا المجال.
ويعيش في الإمارات أكثر من 200 جنسية في تناغم يعكس قيم الأخوة الإنسانية.
ويعد إنشاء المدرسة الإيطالية في أبوظبي رمزا واضحا للصداقة الوثيقة مع جمهورية إيطاليا، وخطوة على طريق تعزيز التعاون الثقافي بين البلدين، حيث ستوفر فرصة للجالية الإيطالية بالدولة، وكذلك فرصة للمواطنين والمقيمين في دولة الإمارات كي يتعرفوا على نظام التعليم الإيطالي.
يأتي إنشاء المدرسة بعد تدشين أول مركز ثقافي إيطالي في المنطقة في أبوظبي في عام 2019.
يوم علمي إيطالي إماراتي
وعلى صعيد التعاون الأكاديمي بين البلدين، نظمت جامعة ساليرنو الإيطالية في سبتمبر/أيلول الماضي، "اليوم العلمي الإيطالي - الإماراتي"، داخل المجمع التاريخي في فيكولو فالدينا، وضمن فعاليات الأيام الدولية لمدرسة ساليرنو الطبية، حيث يجسد هذا اليوم التقدير الإيطالي لجهود دولة الإمارات في دعم التعاون في البحث العلمي والتزامها الراسخ بتطوير بيئة علمية وبحثية متقدمة تدعم التنمية المستدامة والابتكار.
وناقش المشاركون في الفعالية سبل تعزيز الشراكات بين المؤسسات العلمية في كلا البلدين، مؤكدين أهمية التعاون الدولي في مواجهة التحديات العالمية، خاصة في مجالات الطب والتكنولوجيا الحيوية، بما يسهم في رفاهية الإنسان وتقدم المجتمعات.
معارض ومؤتمرات
وإضافة للمبادرات الثقافية المتبادلة، يتزايد التعاون الثقافي والفني بين البلدين عبر المشاركة المتبادلة في معارض الكتب والمعارض الفنية.
وضمن أحدث مستجدات هذا التعاون، شاركت الإمارات بجناح في المعرض الدولي للفنون في "بينالي البندقية" في إيطاليا في أبريل/نيسان الماضي.
وقال الشيخ سالم بن خالد القاسمي، وزير الثقافة الإماراتي، في تصريحات له عقب افتتاحه الجناح: "يعد تواجدنا في بينالي البندقية للفنون 2024 جزءاً مهماً من المشاركات الثقافية الدولية لدولة الإمارات العربية المتحدة، وهي فرصة لإبراز الأعمال الفنية لدولة الإمارات على الصعيد العالمي، وتقديمها للجمهور المتذوق للفن من خلال هذا الحدث المهم".
أيضا شاركت هيئة الشارقة للكتاب خلال الشهر نفسه في النسخة الـ61 من "معرض بولونيا لكتاب الطفل".
كما سبق أن شاركت إيطاليا في معرض أبوظبي للكتاب، واختيرت ضيف شرف المعرض في دورته عام 2016.
قطاع الفضاء
أيضا يشهد التعاون بين البلدين في قطاع الفضاء تعاونا متناميا، توج بتوقيع اتفاقية مهمة في 4 فبراير/شباط الجاري.
وشهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، التوقيع على اتفاقية تعاون بين مركز محمد بن راشد للفضاء وشركة الفضاء الإيطالية "تاليس ألينيا" بصفتها الشريك الاستراتيجي في مشروع محطة الفضاء القمرية، من خلال تطوير "وحدة معادلة الضغط" ضمن المحطة القمرية، وذلك في قصر الوطن بأبوظبي.
وتحقق دولة الإمارات عبر مشاركتها في محطة الفضاء القمرية عبر تطوير وحدة معادلة الضغط، قفزة نوعية جديدة ضمن الاستراتيجية الهادفة إلى ترسيخ الحضور الإماراتي الفاعل والمؤثر عالمياً في جميع مجالات علوم الفضاء وتقنياته.
وستحصل الإمارات على مقعد دائم، وإسهامات علمية في أكبر برنامج لاستكشاف القمر والفضاء، وستكون بين أوائل الدول التي ترسل رائد فضاء إلى القمر، كما سيكون للدولة الأولوية في الحصول على البيانات العلمية والهندسية المقدمة التي ستحصل عليها المحطة، ما يعزز مسيرتها المعرفية.
وتشكل محطة الفضاء القمرية أحد أهم العناصر في برنامج "أرتميس" التابع لوكالة "ناسا" الأمريكية، خاصة وأنها ستكون أول محطة فضاء تدور حول القمر.
علاقات تاريخية
تعاون متنام يسهم في تعزيز العلاقات التاريخية بين البلدين التي بدأت في العام 1971.
وشهدت العلاقات الثقافية بين دولة الإمارات وجمهورية إيطاليا تطوراً ملحوظاً في الفترة الماضية خاصة من خلال الزيارات المتبادلة الرفيعة المستوى والفعاليات المقامة بين البلدين. حيث قام الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الإماراتي، بزيارة مدينة ماتيرا الإيطالية، والتي تعتبر عاصمة الثقافة الأوروبية في 2019، للمشاركة في احتفالية العد التنازلي على إقامة معرض إكسبو 2020 في دبي.
أيضا قام الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة بزيارة مدينة تورينو وذلك ضمن فعاليات أيام الشارقة الثقافية التي انطلقت في تورينو بالتزامن مع حلول الشارقة ضيف شرف في معرض تورينو الدولي للكتاب، حيث تم منحه أول دكتوراه فخرية مشتركة من جامعتي تورينو وبوليتكنيكو دي الإيطاليتين في مجال التنمية الحضرية والإقليمية عام 2019 تقديراً لدوره الفاعل في التنمية الحضرية لإمارة الشارقة في مختلف مدنها ومناطقها.
كما تم خلال الزيارة تدشين النسخة الإيطالية من كتاب الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، "حديث الذاكرة " والذي أقيم في بالازو ماداما بمدينة تورينو الإيطالية.
زيارات متبادلة ومشاريع مشتركة ومبادرات ثقافية رائدة تدعم قيم التسامح وتسهم في تعزيز الحوار والتفاعل والتعايش بين الشعوب والحضارات والثقافات ونبذ التعصب والكراهية، وتبرز تعاون البلدين في العمل من أجل السلام والاستقرار والتنمية في منطقة الشرق الأوسط والعالم.