لم يكتفِ الأردن بمراسم الاستقبال المتعارف عليها دوليا، ولم ينتظر هبوط الطائرة المقلة للشيخ محمد بن زايد لبدء المراسم.
دائما ما تكون حفاوة استقبال المسؤولين الرسميين في زياراتهم الرسمية خارج بلادهم مقياسا لمكانة الضيف عند المضيف، ودليلا على أهمية الزائر عند الدولة المستقبلة، ومؤشرا على مستوى العلاقات بين دولة الضيف والدولة المستضيفة، خاصة إذا امتدت حفاوة الاستقبال من الجانب الرسمي الذي يعبر عن العلاقات والمصالح بين الدول، إلى الجانب الشعبي الذي يعكس وبصدق مدى دفء العلاقة بين الشعوب بعيدا عما تمليه قواعد البروتوكول ومراسم الاستقبال الرسمية، وبهذا المعيار فإن ما حظي به ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في دولة الإمارات، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، في زيارته الأخيرة إلى العاصمة الأردنية عمّان من استقبال شعبي ورسمي حافل، قلما يحظى به زائر إلى عمّان، إنما يجسد عمق العلاقات الأخوية التي تجمع البلدين وشعبيهما، ويعكس ما تتبوؤه الإمارات من مكانة متفردة لدى الأردن، ويعكس كذلك ما يحظى به الشعب الإماراتي من موقع في قلب الأردنيين.
من أسباب تفرد العلاقات الأردنية الإماراتية هو رؤية القيادة السياسية في البلدين التي لا تزال تؤمن بقيمة العروبة، وبأهمية العمل الوحدوي، وضرورة إعادة الاعتبار لقيم التكامل الإقليمي العربي في هذا التوقيت تحديدا الذي تعاني فيه الدولة الوطنية في المنطقة العربية، من تهديدات وجودية تكاد تعصف بها
فرسميا لم يكتف الأردن بمراسم الاستقبال المتعارف عليها دوليا، ولم ينتظر هبوط الطائرة المقلة للشيخ محمد بن زايد لبدء المراسم، فبمجرد دخول الطائرة أجواء الأردن، رافقتها طائرات حربية من سلاح الجو الملكي، مرحبة بقدوم الضيف والوفد المرافق له، وعلى أرض المطار كان الأردن حضارة بعدد كبير من مؤسساته في استقبال الوفد الإماراتي، وكان في مقدمة المستقبلين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، بالإضافة إلى أبرز المسؤولين الحكوميين كرئيس الوزراء ووزيريْ الخارجية والاستثمار، ورئيس هيئة الأركان المشتركة ومدير المخابرات ومستشار الملك للشؤون الاقتصادية وغيرهم، وأجريت مراسم استقبال رسمية على أرض المطار، وأطلقت المدفعية 21 طلقة ترحيبا بزيارته.
حرارة الاستقبال الشعبي كانت على نفس درجة حفاوة الاستقبال الرسمي، حيث ازدانت شوارع العاصمة عمان بالأعلام الأردنية والإماراتية، ورفعت اليافطات المرحبة بالشيخ محمد بن زايد في الأردن، واصطف عدد كبير من المواطنين على الطريق التي سلكها الموكب ترحيبا بضيف الأردن الكبير، وتعبيرا عن الاعتزاز الذي يكنه الشعب الأردني للإمارات قيادة وشعبا.
واتصالا بأجواء الاستقبال الرسمي والشعبي ودلالاته جاءت فحوى ومخرجات المحادثات التي جرت بين العاهل الأردني وولي عهد أبوظبي، لتؤكد هي الأخرى ما تتميز به العلاقات الإماراتية الأردنية من تفرد، سواء على مستوى العلاقات الثنائية أو على مستوى تنسيق مواقف البلدين تجاه مختلف القضايا والملفات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط، لا سيما تجاه القضية الفلسطينية التي جاءت هذه المحادثات لتؤكد ثوابت البلدين التي يحاول البعض التشكيك فيها، حيث أكدت المحادثات أن هناك توافقا ما بين أبوظبي وعمّان بشأن القضية الفلسطينية انطلاقا من أن البلدين كانا ولا يزالان يؤمنان بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، ورفع الظلم عنه، حيث جرى خلال اللقاء التأكيد على ضرورة إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، استنادا إلى حل الدولتين ومبادرة السلام العربية، وبما يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
ولعل من أسباب تفرد العلاقات الأردنية الإماراتية هو رؤية القيادة السياسية في البلدين التي لا تزال تؤمن بقيمة العروبة وبأهمية العمل الوحدوي، وضرورة إعادة الاعتبار لقيم التكامل الإقليمي العربي في هذا التوقيت تحديدا الذي تعاني فيه الدولة الوطنية في المنطقة العربية من تهديدات وجودية تكاد تعصف بها، ولا سبيل لمواجهتها إلا بتوحيد الجهود وتنسيق المبادرات، لذا اتفق ملك الأردن وولي عهد أبوظبي في محادثاتهما على ضرورة تفعيل العمل العربي المشترك في مواجهة التحديات التي تهدد منطقة الشرق الأوسط، ولعل الطرفين استدعيا أثناء محادثاتهما في قصر الحسينية آخر المحطات وربما أهمها، والتي جمعت بلديهما معا تحت مظلة عمل عربي مشترك، تمثلت في قمة مكة لدعم الأردن في يونيو الماضي، والتي جمعت قادة السعودية والإمارات والكويت والأردن، وكان هدفها الأول دعم المملكة الأردنية ماليا واقتصاديا؛ بهدف التخفيف من حدة أزمتها الاقتصادية، وساعد الدعم العربي السخي الذي قدمته الدول الثلاث للأردن، والمقدر بنحو مليارين ونصف المليار دولار، على تجاوز الأخير أزمة الاحتجاجات التي أربكت الشارع الأردني، وخففت بشكل كبير من حدة الاحتقان الذي كاد يعصف باستقرار المملكة وأمنها، وقتها نظرت الدول الثلاث التي اجتمعت مع الأردن في مكة إلى أن استقرار الأردن وتحصينه ضد الفوضى ليس شأن أردنيا خالصا، وإنما مسألة أمن قومي عربي لا بد من تدخل لحمايته، فاستقرار الأردن من استقرار جيرانه.
تعاضد الإمارات مع أشقائها لا يقتصر فقط على تقديم المساعدة لمواجهة الأزمات السياسية والاقتصادية التي تهدد أمن واستقرار الدول الصديقة، ولكنه يمتد أيضا إلى مد يد العون للشعوب في مواجهة غدر الطبيعة؛ لذا سارعت الإمارات بإقامة جسر جوي لتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للمتضررين من السيول والفيضانات التي اجتاحت الأردن خلال الأسبوع الثاني من نوفمبر الجاري.
الجميل في الأمر أنه لا الإمارات ولا الأردن نظر إلى هذه المساعدات على أنها تفضلا أو منة، وإنما على أنها أمر يحتمه واجب العروبة، خاصة أن الأردن تحمّل أعباء اقتصادية وسياسية كبيرة بسبب موجات اللجوء التي امتدت منذ العام 1948، ولا يزال يقوم بهذا الدور الإنساني حتى اليوم، خاصة مع تدفق اللاجئين من جارته سوريا إثر اندلاع الحرب هناك عام 2011، وبالتالي فإن المملكة كانت ولا تزال الحضن العربي لاستقبال اللاجئين العرب، الأمر الذي شكل عبئا كبيرا على اقتصادها لا تستطيع تحمله وحدها، كما أنه يأتي من باب رد الجميل لما قدمه الأردن للإمارات عبر التاريخ، فالمملكة كانت من أوائل الدول التي اعترفت باتحاد الإمارات فور قيامه عام 1971، كما أن العقول والأيادي الأردنية أسهمت بشكل ملحوظ في بناء الكثير من المؤسسات الإماراتية، فأول قائد للجيش الإماراتي كان أردنيا، وهو اللواء عواد الخالدي، وأول قائد لكلية زايد العسكرية كان أردنيا أيضا، فالأردنيون وفقا لتصريحات السفير الإماراتي في عمّان "لهم الفضل في تأسيس القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بدولة الإمارات".
نظرة التقدير الإماراتية للقوات المسلحة الأردنية كانت جلية في تصريحات الشيخ محمد بن زايد التي أكد فيها أن "القوات الملكية الأردنية مشهود لها بالكفاءة والخبرة والبذل والتضحية، فيما يتمتع منتسبوها بالعلم والمعرفة والتسلح بفنون الدفاع والمهارة العالية"، وتأكيده "أن القوات الأردنية شاركت مع نظيرتها الإماراتية في تنفيذ مهمات سلام دولية، وتاريخهما حافل بالتعاون البنّاء والتنسيق والتدريب المشترك بين القوتين".
والتقدير هنا كان متبادلا، وهو ما تجلى في تكريم مزدوج للشيخ محمد بن زايد، تكريم أول قلما يحصل عليه رئيس دولة زائر تمثل في توشيحه بوسام قلادة الحسين بن علي، أرفع وسام في المملكة الأردنية يهدى للملوك ورؤساء الدول والحكومات، وتكريم آخر من نوع نادر لم يحصل عليه أي رئيس دولة زائر للأردن من قبل، تكريم ينبع من قيم المؤسسة العسكرية في التضحية والعطاء، وتمثل هذا التكريم في إطلاق الأردن اسم محمد بن زايد على لواء التدخل السريع، أهم ألوية القوات المسلحة الأردنية وأكثرها مهارة وتدريبا وجاهزية، في إشارة بالغة الدلالة والرمزية، وصفها العاهل الأردني بأنها "تعبير عما نكنّه والشعب الأردني لدولة الإمارات العربية المتحدة، وللشيخ محمد بن زايد من تقدير وعرفان ومحبة".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة