سؤال يواجه البشر منذ نشأة الخليقة: من أنا؟ ومن نحن؟ وهو سؤال يشغل حيزا غير قليل في الفلسفة والفكر والثقافة وعلم السياسة.
سؤال يواجه البشر منذ نشأة الخليقة: من أنا؟ ومن نحن؟ وهو سؤال يشغل حيزاً غير قليل في الفلسفة والفكر والثقافة وعلم السياسة وإدارة الحكم، سواء على المستوى الداخلي أو الدولي.
إن الحوار حول «الهوية الوطنية» لا ينبغي أن يقتصر على محافل فكرية أو مهرجانات فولكلورية، بل يجب أن يتعزز من خلال مراكز الأبحاث والجامعات والثقافة ومؤسسات المجتمع والإعلام.
ينتعش هذا السؤال، ويحتدم الجدال والسجال، وأحياناً الصراع، فيه وحوله، في ظروف العولمة والتفاعلات البينية بين الأمم والمجتمعات، وتغير أنماط الحياة ومنظومات القيم، واهتزاز الروابط والأنسجة الاجتماعية، والصراعات الأيديولوجية والسياسية، وانقسامات الدول والكيانات، وغير ذلك من الظروف والعوامل.
وجوهر هذا السؤال، هو الهوية، بأبعادها الثقافية والوطنية والإنسانية والقيمية ونمط الحياة والخصوصية. وما شابه ذلك من معايير وسلوكيات وأنساق قيم.
ومنذ عشر سنوات طرحت الإمارات رسمياً هذا السؤال الكبير، وأطلقت «عام الهوية الوطنية»، وما زال سؤال الهوية يشغلنا بصفتنا نُخباً سياسية وثقافية واجتماعية وتربوية. ويحثنا على بلورة معالم هذه الهوية، وفهم مكوناتها، ومعرفة مدركاتنا التي نملكها عن الذات الإماراتية، وخصائصها الجوهرية الثابت منها والمتغير، من سلوك وقيم وعناصر مشتركة.
ماذا يعني أن تكون إماراتياً؟ وهل تواجه الهوية الوطنية مخاطر وتهديدات معينة؟ وهل تعاني من انكماش أو تجاهل أم أنها تتطور وتتعزز بأبعاد إنسانية وبعناصر مستجدة إيجابية، وتتأثر نتيجة تفاعلها مع هويات أخرى، عابرة أو مقيمة في البيئة المكانية؟
ومن الأسئلة المسكوت عنها ما يتعلق بمعرفتنا بما يدركه أصحاب الهويات الأخرى عن الذات الوطنية، وهويتها الثقافية، وكثير من أصحاب هذه الهويات، مصدره المعرفي تجارب شخصية بحتة، تظل عرضة للشك والنقد والتمحيص.
إن الهوية الوطنية هي وعي الإنسان بذاته وانتمائه إلى وطن وقومية ودين ولغة، وتجسيده لمجموعة من السمات الثقافية التي لها علاقة بالتاريخ والمكان والتفاعلات المتبادلة في الداخل ومع الخارج.
ولا تتكون الهوية بمجرد النشأة، بل من خلال صيرورة تراكمية تفاعلية، وتعلم وتربية وعمل وإبداع وتأثر، وكلما اكتسبت الثقة بالنفس، كانت أكثر قوة وفاعلية، وأكثر استعداداً للانفتاح على هويات أخرى، تتفاعل معها وتتواصل.
والهوية الوطنية ليست معطى ساكناً وثابتاً وسرمدياً، حتى إن كان بعض عناصرها قابلاً للثبات مثل الدين واللغة، إنما هي تتطور وتتحول في بعض عناصرها، وقابلة للإضافة والتغير.
التغيرات في الهوية الوطنية لا تأتي فجأة، بل عبر صيرورة تدرجية وتراكمية طويلة الأمد، وبفعل تحولات جذرية في حياة الناس، وطرز حياتهم، وأحوالهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، فضلاً عن الفعل الثقافي الذي يتجسد في الهوية، ويمدها بعناصر التطور، ويشكل نسيجها الفكري، ورؤيتها العامة للأشياء والكون، ومفاهيمها وعاداتها ومعاييرها، ومرويات وأساليب المعيشة.
جدل الهويات لا يعني بالضرورة الصراع بينها، بقدر ما يعني التعلم المتبادل، والاحتدام والاختلاف، وفي النهاية احترام التنوع والاختلاف، ومن هنا فإن جهود تعزيز مفهوم «التسامح» بمعناه الفلسفي الحديث، والأخلاقي والقانوني، في مجتمع الإمارات تصب في اتجاه ترسيخ هذه القيمة الحضارية والإنسانية في صلب الهوية الوطنية، ولتكون عاملاً بارزاً من عوامل التجديد في بنية الهوية الوطنية للأجيال القادمة.
إن معظم انفجارات العنف والنزاعات المذهبية والعرقية، ومشاريع التقسيم إلى كيانات، والتدخلات الخارجية، تمت وتتم تحت رايات الهويات المتنافرة.
التنوع هو في إطار الوحدة الوطنية، والمشترك الوطني والإنساني لا غنى عنه للهوية الوطنية الجامعة، في ظل مبدأ المواطنة المتكافئة وسيادة القانون.
إن الحوار حول «الهوية الوطنية» لا ينبغي أن يقتصر على محافل فكرية أو مهرجانات فولكلورية، بل يجب أن يتعزز من خلال مراكز الأبحاث والجامعات، والثقافة ومؤسسات المجتمع والإعلام.
أسئلة الهوية الوطنية تحتاج إلى جهود أكبر.
نقلاً عن "الخليج"
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة