اللجنة العليا للأخوة الإنسانية تعقد اجتماعها الثاني في نيويورك
أعضاء اللجنة العليا استعرضوا خلال الاجتماع مشروع "بيت العائلة الإبراهيمية" المقرر إقامته في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي.
عقدت اللجنة العليا للأخوة الإنسانية بكامل هيئتها، الخميس، اجتماعها العالمي الثاني في المكتبة العامة وسط مدينة نيويورك الأمريكية، في حضور الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، وعدد من كبار المسؤولين الإماراتيين وممثلي عدد من المؤسسات المختلفة والشركاء.
وجرى خلال الاجتماع، الذي عقد بالتزامن مع بدء أعمال الجزء الرفيع المستوى للدورة الـ74 للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، استعراض أعضاء اللجنة العليا لمهمتها الرامية إلى تعزيز نشر ثقافة الاحترام المشترك والحوار بين أتباع الديانات والمذاهب والجنسيات المختلفة.
ويعد ذلك انطلاقة لخطوة طموحة تتضافر من خلالها الجهود المشتركة من أجل استكشاف السبل التي يمكن أن يمضي في إطارها أصحاب النوايا الطيبة من جميع الديانات والمعتقدات بهدف تعزيز التفاهم المشترك والسلام العالمي.
وللجنة العليا التي تشكلت حديثاً صلاحيات تقديم المشورة والتوجيه بشأن تحقيق أهداف "وثيقة الأخوة الإنسانية" من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، التي وقع عليها كل من قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، والدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، في أبوظبي، خلال زيارتهما الإمارات في فبراير/شباط.
واستعرض أعضاء اللجنة العليا خلال الاجتماع مشروع "بيت العائلة الإبراهيمية" المقرر إقامته في جزيرة السعديات بالعاصمة الإماراتية أبوظبي، وهو إحدى المبادرات الأولى التي دعت إليها وثيقة الأخوة الإنسانية.
ويضم البيت كنيسة ومسجداً وكنيساً تحت سقف صرح واحد، ليشكل للمرة الأولى مجتمعاً مشتركاً تتعزز فيه ممارسات تبادل الحوار والأفكار بين أتباع الديانات، من أجل تعزيز قيم التعايش السلمي والقبول بين العقائد والجنسيات والثقافات المختلفة.
وكُشِف خلال الاجتماع عن التصاميم الخاصة المعنية بهذه المبادرة التي يتولاها المهندس المعماري الشهير عالمياً والحاصل على العديد من الجوائز السير ديفيد أجايي أوبي.
وفي معرض تعليقه على هذه المبادرة التاريخية، قال المطران ميجيل أنخيل أيوسو جويكسوت رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان ورئيس اللجنة: "ينطوي هذا المسعى على تأثير بالغ للبشرية، ففي الوقت الذي تطغى للأسف أنباء الحقد والكراهية والشر والانقسامات على التقارير الإخبارية من جميع أنحاء العالم، لا تزال مشاعر الخير تملأ قلوبنا وتنير طريقنا لبناء الحوار وتبادل المعرفة وتحقيق التطلعات نحو بناء عالم تسوده قيم التآخي والسلام".
وأضاف: "بهذه المناسبة أود أن أتوجّه بالشكر إلى دولة الإمارات على التزامها الملموس تجاه مبادرة (الأخوة الإنسانية)".
وأكد القاضي محمد محمود عبدالسلام، عضو اللجنة العليا والأمين العام للجنة والمستشار السابق لشيخ الأزهر، أنَّ تشكيل اللجنة العليا للأخوة الإنسانية جاء في وقت مهم.
وأشار إلى أن ذلك يتطلب من جميع المحبين للسلام الوقوف صفاً واحداً من أجل دعم جهود نشر ثقافة التعايش والإخاء والتسامح في جميع أنحاء العالم، معرباً عن سعادته بهذه الطاقة الإيجابية وروح الإصرار الذي تبثه مبادئ وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل إرساء الأمن والتعايش والسلام للجميع.
وأعرب القاضي عبدالسلام عن تقديره لما أثمر عنه لقاء قداسة البابا فرنسيس، بابا الكنيسة الكاثوليكية، مع الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، في فبراير/شباط، لا سيما تعبيرهما عن قلقهما الإنساني المشترك وإصرارهما على العمل معاً من أجل توفير سبل السعادة للبشر، أياً كانت انتماءاتهم العقائدية أو جنسياتهم.
ولفت إلى تأثره الكبير بما لمسه من شيخ الأزهر وكذلك قداسة البابا فرنسيس في أول لقاء جمع بينهما من اهتمام مشترك بما يعانيه الإنسان من آلام ومآسٍ وإصرارهما على الاجتهاد فيما تبقى من عمرهما في كل ما يسعد البشر مهما اختلفت أديانهم وأجناسهم.
الحاخام م. بروس لوستيج، كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن، وعضو اللجنة، تحدَّث قائلاً: "إنَّ هذه فرصة مهمة لجميع مَن يثقون بقوة الإيمان والقيم البشرية، إذ ستساهم في مد جسور التواصل بين رجال الدين وأفراد المجتمعات، وتعزيز السلام والتآلف، خاصة أننا نعيش في عصر تسوده أشكال الفرقة".
وأوضح: "يشرفني أن أكون جزءاً من هذه النخبة الموقرة، إذ يجمعنا العمل لهدف واحد وهو إعلاء قيم الحب على الكراهية، والعدل على الظلم، والإيمان على الخوف".
وشدد على أهمية مبادرة "الأخوة الإنسانية" لعكس بعض المفاهيم السلبية القائمة على التمييز والكراهية، لأن "أي اعتداء على أي من الأديان السماوية هو اعتداء على الإنسانية برمتها".
أما السير ديفيد أجايي، المؤسس ورئيس شركة "أجايي وشركاه"، فقال: "يسعدني ويشرفني وقوع الاختيار على تصميمي لهذا الصرح المتميز الذي سيضم 3 مبانٍ منفصلة، سيخصص كل مبنى على حدة منها لعبادة ديانة سماوية في إطار مدخل منفصل من الحديقة الرئيسية للمجمع، إلى جانب مبنى رابع غير تابع لأي ديانة".
وأضاف: "سيكون متحفاً ثقافياً يجتمع فيه الأخوة في الإنسانية بمختلف انتماءاتهم، وسيوفر برامج تعليمية وفعاليات متنوعة، تهدف إلى تعزز التبادل والتعاون الثقافي والإنساني بين الأديان والأخوة الإنسانية بمختلف انتماءاتهم".
وكشف أن تنفيذ هذا المشروع التاريخي الفريد من نوعه الذي بدأت حالياً أولى خطوات تنفيذه، سيستغرق 3 سنوات ليتم افتتاحه في عام 2022.
وشدد على أن دور فن العمارة هو إضفاء طابع متميز على العالم الذي نطمح أن نعيش فيه، وبما يعكس قيم التسامح والانفتاح والتطور المستمر، فالعمارة وفن تنسيق الأماكن يمكن أن يكونا تجسيداً لمعالم المكان والمبادئ التي شيد من أجلها، وتحفيز سبل الحوار، ومساعدتنا في إعادة تقييم تصوراتنا الحالية بشأن العالم من حولنا، واستكشاف المميزات التي يمكن أن نجنيها بشكل أكثر دلالة.
وتابع: "بحكم خبرتي كمعماري، فإنني أتطلع إلى تصميم مبنى يساهم في التخلص من المفاهيم التي تغذي الخلافات المذهبية والدينية، بمعنى أن التصميم لا بد أن يتسم بالطابع الشمولي والعالمي، على نحو أكثر سمواً يعزز ثراء الحياة الإنسانية، ونتطلع إلى وضع مخطط لهذا الصرح يشتمل على عناصر جمالية ويعزز التأمل لأصحاب الديانات الثلاثة، ويحفز سبل الحوار والتفاهم".
وأشار إلى أنَّ البيت المقرر إنشاؤه في أبوظبي مفتوح للبشر من جميع الديانات من جميع أنحاء العالم، وكل طوائف المجتمع للتعلم والتواصل لتجمعهم رسالة مشتركة وهي التعايش السلمي للأجيال المقبلة.
وأجمع أعضاء اللجنة العليا على أن اختيار هذا التصميم العصري لـ"بيت العائلة الإبراهيمية" جاء وفق عملية دقيقة، أتيحت الفرصة خلالها لمشاركة معماريين معروفين حول العالم تتنوع خلفياتهم ودياناتهم.
ولفتوا إلى أن تصميم المعماري أجايي اتسم بالتميز، إذ يضم أماكن عبادة منفصلة لكل ديانة ومكاناً مشتركاً للتعاون، تقام فيه تجمعات غير رسمية، ولكونه تصميماً معاصراً، فهو سيعكس الهدف الذي تمَّ وضعه لإنشاء مكان للأجيال المقبلة يستقطب الأجيال المستقبلية.
وأكدوا أنَّ هذا المشروع الحضاري سيكون معلماً حضارياً عالمياً، يهدف إلى إعلاء قيم التنوع والتفاهم والمحبة والتسامح، ويعطي في الوقت نفسه للبشرية محطة للتأمل والأمل، والاحتكام إلى العقل والإرث الإنساني للأمم والشعوب مهما اختلفت وتعددت قناعاتها وأديانها وعقائدها.
على صعيد آخر، كشف أعضاء اللجنة العليا خطتهم المستقبلية لتشجيع منظمة الأمم المتحدة على تبني "وثيقة الأخوة الإنسانية" من أجل السلام العالمي والتعايش المشترك، التي تمَّ صياغتها والتوقيع عليها من قبل شيخ الأزهر وبابا الكنيسة الكاثوليكية خلال المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية الذي استضافته دولة الإمارات في فبراير/شباط.
وكذلك تحديد يوم دولي للاحتفال العالمي بهذه المبادرة المهمة، من أجل تفعيل نشر التعايش السلمي والتآخي الإنساني بين البشر على مختلف انتماءاتهم وتنوعهم.
من جانبه، أكد محمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي وعضو اللجنة العليا، أهمية هذه الوثيقة التي تعد من أهم وثائق العصر الحديث والتي ترمي إلى تعزيز الأخوة الإنسانية بين أتباع الأديان الثلاثة.
وحث على ضرورة دعم نشر هذه الوثيقة بما في ذلك بوسائل الإعلام من أجل تعزيز السلام العالمي والعيش المشترك، مشيراً إلى توجهات اللجنة العليا لتشجيع السلطات التشريعية حول العالم على الاهتمام ببنود هذه الوثيقة في تشريعاتها الوطنية من أجل ترسيخ مفاهيم السلام الأخوي بين أتباع الأديان الثلاثة لدى نفوس الأجيال القادمة.
ونوه المبارك بالتوجهات الحالية لتعزيز نشر هذه الوثيقة في قطاعي التربية والسياحة الترفيهية في الإمارات التي تكفل تشريعاتها الحريات الدينية والتنوع والانفتاح على أكبر نطاق، وذلك على قاعدة الاحترام المتبادل بين الأديان والثقافات والحضارات المختلفة بين أوساط سكانها.
وقال المونسنيور يؤانس لحظي جيد، السكرتير الشخصي لقداسة بابا الكنيسة الكاثوليكية عضو اللجنة العليا، إن هذه الوثيقة تُرجمت حتى الآن لنحو 12 لغة مختلفة حول العالم، وكشف إدراج بنودها في مناهج عدد من المدارس وجامعة الأزهر في القاهرة.
وأضاف: "قداسة البابا مهتم للغاية في دراسة سبل اتخاذ أفضل الإجراءات الكفيلة في نشر وتطبيق هذه الوثيقة على أرض الواقع، بما في ذلك إدماجها في المناهج التعليمية العامة من أجل إرساء مبادئها في نفوس وعقول الشباب والأجيال القادمة".
ولفت إلى أبرز المبادئ الرئيسية المتضمنة في هذه الوثيقة المهمة، والمتمثلة في مفاهيم المساواة في الحقوق والواجبات بين البشرية جمعاء، ونبذ جميع أشكال العنف خاصة ضد الأديان والأقليات والجنسيات.
وتضم اللجنة العليا للأخوة الإنسانية في عضويتها كلا من الكاردينال ميجيل أنخيل أيوسو جويكسوت، رئيس المجلس البابوي للحوار بين الأديان بالكرسي الرسولي، والدكتور محمد حسين المحرصاوي، رئيس جامعة الأزهر، والحاخام م. بروس لوستيج، كبير الحاخامات في المجمع العبري بواشنطن، والمونسنيور يؤانس لحظي جيد، السكرتير الشخصي لقداسة البابا.
بالإضافة إلى القاضي محمد محمود عبدالسلام، المستشار السابق للدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، ومحمد خليفة المبارك، رئيس دائرة الثقافة والسياحة في أبوظبي، والدكتور سلطان فيصل الرميثي، الأمين العام لمجلس حكماء المسلمين، وياسر حارب، الكاتب ومقدم البرامج في دولة الإمارات.