الإمارات في مرحلة ما بعد النفط ترى في البيانات والمعلومات، التي هي المحرك الأساسي للذكاء الاصطناعي، نفط المستقبل ومورده الأساسي.
البيانات والمعلومات في صورتها البسيطة هي المادة الخام للثورة الصناعية الرابعة، وهي أيضاً مسألة ترتبط بكل منا، فخرائط "جوجل" في هواتف كل منا على سبيل المثال، تعتبر من مصادر البيانات بالغة الأهمية من خلال ما توفره من معلومات حول حركة المرور التي توظف في كثير من التطبيقات والخطط المرورية وغير ذلك؛ وهكذا لم تعد البيانات مسألة تخص الدول والحكومات بل بات الأفراد مشاركين أساسيين فيها كثروة اقتصادية من خلال انتشار تكنولوجيا المعلومات وتطبيقاتها الذكية، سواء في قطاع الاتصالات والإنترنت أو غيره من القطاعات التقنية.
ليس من قبيل المبالغة القول إن الإمارات إحدى أبرز الدول التي تقود الثورة الصناعية الرابعة، فهي من انتبهت مبكراً إلى القيمة النوعية المستقبلية لتطوير استخدامات التكنولوجيا والبيانات كمورد هائل منذ سنوات مضت
والإمارات في مرحلة ما بعد النفط ترى في البيانات والمعلومات، التي هي المحرك الأساسي للذكاء الاصطناعي، نفط المستقبل ومورده الأساسي، هكذا أكد معالي عمر سلطان العلماء وزير الدولة للذكاء الاصطناعي، في منتدى الأمم المتحدة للبيانات، الذي استضافته مدينة دبي مؤخراً.
من هذا المنطلق تبدو تحركات الإمارات نحو مستقبلها مرتبطة بهذا المورد الجديد، الذي يعتمد بشكل كبير على العنصر البشري والتكنولوجيا، ويختلف تماماً عن النفط كمورد طبيعي، ولذا فإن هذا الرهان التنموي الجديد قد أصبح محور الخطط الاستراتيجية والتوجهات والسياسات الاقتصادية والتنموية والاستثمارية للدولة.
هناك رؤية تنموية حاكمة للتخطيط الاستراتيجي الإماراتي في مجال الذكاء الاصطناعي، هذه الرؤية قائمة على توجيه هذا المورد الحيوي للثروة لمصلحة خدمة البشرية، وتجسيد قيم الإمارات ومبادئها التي تأسست عليها؛ لذا فإن أحد أكبر استثمارات الإمارات في الوقت الراهن في هذا المجال يستهدف تطوير نظام للذكاء الاصطناعي، يستطيع تشخيص مرض السل، حيث تسعى إلى دور رائد في الوقاية من مرض السل ونشر النظام؛ ليكون متاحاً للاستخدام لدول العالم كافة، وهو هدف يتعلق بصحة البشر وحياتهم وسعادتهم، وذلك هو جوهر قيم الإمارات ومبادئها الحياتية، التي تتمحور حولها أجندة التنمية العالمية للأمم المتحدة 2030.
الاستثمار في البيانات سيوفر قوة دفع هائلة لخطط الإمارات الساعية إلى التنافسية العالمية، وسيختصر زمن الوصول إلى القمة، ويتحول الرهان من التنافس للوصول إلى قمة العالمية، إلى التنقل بين القمم في مختلف المجالات والقطاعات التنموية والتكنولوجية.
ليس من قبيل المبالغة القول إن الإمارات إحدى أبرز الدول التي تقود الثورة الصناعية الرابعة، فهي من انتبهت مبكراً إلى القيمة النوعية المستقبلية لتطوير استخدامات التكنولوجيا والبيانات كمورد هائل منذ سنوات مضت، وإذا كان نحو 90% من البيانات المتداولة عالمياً قد استحدث في العامين الماضيين فقط- بحسب منتدى الأمم المتحدة للبيانات 2018- فإن الإمارات تمتلك قصب السبق في هذا المضمار التنافسي الواعد.
أدركت الإمارات مبكراً أيضاً أن نهاية عصر النفط باتت وشيكة، وقد سبق هذا الإدراك قناعة راسخة لدى قيادتنا الرشيدة منذ تأسيس الدولة على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان - طيب الله ثراه- بأن الإنسان هو الثروة الحقيقة للإمارات وليس النفط أو غيره من الموارد الطبيعية مهما تعاظمت قيمتها الاقتصادية؛ لذا فإن كل الموارد الحالية والمقبلة موجّهة إلى إسعاد الإنسان وتحقيق أعلى معدلات الرخاء والرفاهية للشعب الإماراتي، كما فطنت القيادة إلى ضرورة تنويع مصادر الدخل منذ نهاية تسعينيات القرن العشرين، كما اتجهت منذ سنوات مضت إلى الاستثمار في التكنولوجيا المتقدمة للمستقبل ومسرّعاتها في قطاع الروبوتات وجميع تطبيقات الثورة الصناعية الرابعة مثل الذكاء الاصطناعي والطباعة ثلاثية الأبعاد، وهذا القطاع المستقبلي الواعد يستحق الرهان عليه بالفعل؛ كونه بات مصدر دخل هائل للدول، حيث يتوقع أن يضيف الذكاء الاصطناعي بمفرده أكثر من 15 تريليون دولار للناتج العالمي الإجمالي بحلول عام 2030، وهو رقم يفوق حجم مبيعات النفط عالميا بعشرة أضعاف!
في ضوء ذلك، لم يكن سعي الإمارات للوصول إلى القمة التنافسية ووصولها للمركز الـ35 عالميا في مؤشر الابتكار العالمي، والقفزات التي تحققها في المعدل العام للمؤشر، وكذلك في مؤشر الجاهزية الشبكية، الذي يقيس مستويات التفاعل والتأثير المتبادل بين الاقتصادات وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، لم يكن ذلك سوى طموح يستحق، وترجمة جادة لرؤية الدولة التنموية.
الإمارات تقدم أساساً مبتكراً لنموذجها التنموي الريادي الذي يمثل بوصلة تسترشد بها الدول الساعية للحاق بركب التقدم، وهو أساس قائم على رهانات القرن الحادي والعشرين، وتحديداً في مجال استثمار البيانات كمورد اقتصادي هائل.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة