هناك جماعات منتفعة من الإرهاب، والبندقية تصوّب على الهدف الذي استقر عليه السعر الأعلى.
تتشكل الصورة النمطية في ذهن الإرهابي بأنه مناضل في سبيل قضيته وكفاحه من أجل معتقداته واستعداده للموت لتحقيق فكرة سامية وبذل المال والنفس والولد في سبيلها، وعلى العكس فإن وجود جماعات منتفعة من الإرهاب ليست فكرة سامية وإنما باب للتكسّب، والبندقية تصوّب على الهدف الذي استقر عليه السعر الأعلى، لتُرمى منظومة الأفكار والقيم الأيديولوجية في أقرب مكبٍ للنفايات.
هجوم المرتزقة على دولة الإمارات ليس وليد اللحظة؛ ففي عام 1977م فقدت الإمارات أحد أهم رجالاتها وهو وزير دولتها للشؤون الخارجية الشهيد سيف غباش، تلقى الشهيد رصاصتين أخطأتا عبدالحليم خدام وزير الخارجية السوري، أثناء توديعه للأخير في مطار أبوظبي، وبيّنت التحقيقات ارتباط الجاني بمنظمة "أبو نضال"، أبو نضال شكّل علامة مميزة في تاريخ المنظمات الإرهابية وقَلب معادلة الإرهاب، ففي الوقت الذي كانت المنظمات الإرهابية تنفق أموالها على منظماتها كان صبري البنا –أبو نضال – يتكسّب من وراء منظمته التي سخرها لمن يدفع أكثر، ولا يعرف ولاءً سوى للدرهم والدينار.
التساؤل الحقيقي الذي وجب طرحه الآن: "شو جاب التركي على الإيراني؟" ولماذا الدفع بمرتزقة الآفاق ليتصدروا الإعلام وأجهزة اتخاذ القرار في قطر لسلخها من نسيجها العربي؟ في علاقة لا يُعرف فيها مَن المطيةُ ومَن الراكب؟
بعد انفصاله عن منظمة التحرير الفلسطينية وتشكيله لمنظمته الخاصة، تعاون "أبو نضال" مع جهاز الاستخبارات العراقي في سبعينيات القرن الماضي، حيث قدّم له صدام حسين 4 ملايين دولار من أرصدة منظمة التحرير الفلسطينية في العراق، وقدم له 15 مليون دولار من أسلحة ومعدات، وعندما حكمت عليه منظمة التحرير الفلسطينية بالإعدام قدم له صدام حسين مكافأة مالية ودعما سنويا يقدر بـ 10 ملايين دولار، ولك أن تتخيل أن القوة الشرائية للدولار حينها كانت تساوي خمسة أضعاف ما تساويه اليوم!
في السبعينيات عُرفت منظمته بقوتها وشراستها، ونفذت عددا كبيرا من العمليات، استهدفت 80 عملية منها النظام السوري المعادي لنظام صدام حسين آنذاك، ولم يكن سيل الدم عائقاً لبيع ذمته؛ ففي الثمانينيات غيّر ولاءه ليعمل في خدمة حزب البعث السوري عدو الأمس حتى استهلكه وقذفه في أحضان نظام العقيد معمر القذافي، حيث شارك في تنفيذ عملياته القذرة وضلع في حادثة تفجير طائرة لوكربي الشهيرة عام 1988 ومع تسليط أنظار المجتمع الدولي على نظام القذافي وربطه بالمنظمات الإرهابية، قام القذافي بطرد "أبو نضال"، ليعود في أحضان حبيبه الأول صدام حسين الذي أخفاه ليستخدمه كورقة رابحة، إلا أن بوادر الاجتياح الأمريكي كشفت عن أن هذه الورقة محروقة وأعلنت المخابرات العراقية وفاته منتحرا في عام 2002 في ملابسات وظروف غامضة.
الترزق بمعناه العام ينشأ على الخلافات والصراعات، ويشكل هؤلاء المرتزقة العملة المطلوبة لأنظمة الحكم التي تعاني اضطرابا وجدانيا، لتعويض أزمة الثقة بين هذه الأنظمة وشعوبها، ليتصدر من بعدها هؤلاء المرتزقة المشهد، لأن الولاء القائم على المال وشراء الذمم لا يعود على الشاري أو البائع إلا بالشر وإن طال الأمد، ولنا من التاريخ عبره.
"أبو نضال" و"كارلوس الثعلب" وغيرهما، ليسوا سوى شكل واحد لنماذج عدة يجتمع فيها الأضداد من أجل المال، وكما يقول المثل: "شو جاب المغربي على الشامي؟" هذا التساؤل الذي يسلط الضوء على اختلاف المغربي عن الشامي على الرغم من القواسم الاجتماعية والثقافية الكبيرة بين المغربي والشامي، ولكن التساؤل الحقيقي الذي وجب طرحه الآن: "شو جاب التركي على الإيراني؟" ولماذا الدفع بمرتزقة الآفاق ليتصدروا الإعلام وأجهزة اتخاذ القرار في قطر لسلخها من نسيجها العربي؟ في علاقة لا يُعرف فيها مَن المطيةُ ومَن الراكب؟
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة