الإمارات وروسيا.. قمم وزيارات تعزز صرح العلاقات
كحبات تتتابع فتتراص لتصنع عقدا يوشح علاقات متجذرة تعززها زيارات تجسد حرصا متبادلا على تطويرها من أجل مصلحة الشعوب وأمن العالم.
هكذا هي العلاقات الإماراتية الروسية، الصرح الذي يتعزز اليوم بزيارة يجريها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات إلى روسيا.
والجمعة، أعلنت موسكو عن زيارة للشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا، واصفة العلاقات مع دولة الإمارات بـ"البناءة".
وخلال لقائه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في سانت بطرسبرغ، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نهج دولة الإمارات الثابت في دعم السلام والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية والحلول السياسية للنزاعات والصراعات بما في ذلك الأزمة الأوكرانية من خلال خفض التصعيد والحوار والدبلوماسية، منوهاً بأهمية تكثيف الجهود لتخفيف التداعيات الإنسانية للأزمة، ودعم مبادرات تبادل الأسرى للطرفين.
وفي تغريدة على تويتر، قال رئيس دولة الإمارات: "التقيت الرئيس فلاديمير بوتين في سانت بطرسبرغ.. بحثنا مسارات التعاون بين الإمارات وروسيا، والقضايا الدولية والإقليمية ذات الاهتمام المشترك، وأهمية الحلول السياسية للأزمة الأوكرانية.. نهج الإمارات بناء جسور التعاون والحوار مع الجميع لخدمة السلام والازدهار في العالم
- الإمارات وروسيا.. من الشراكة الاستراتيجية لآفاق أرحب
- محمد بن زايد وبوتين.. قمم تؤسس لمستقبل واعد بين الإمارات وروسيا
زيارة تحمل أهمية خاصة سواء على مستوى تعزيز العلاقات بين البلدين على مختلف الأصعدة، أو على مستوى دفع جهود حل الأزمة الأوكرانية، بما يساهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين.
وتعد الزيارة الثانية لرئيس دولة الإمارات إلى روسيا خلال 9 أشهر، بعد زيارة أجراها في 11 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وشهدت قمة مهمة جمعته مع بوتين.
وتعد قمة الزعيمين خلال الزيارة الحالية الـ11 التي تجمعهما منذ تولي الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئاسة روسيا عام 2012 (الفترة الرئاسية الثالثة)، بحسب إحصاء لـ"العين الإخبارية".
وأرست تلك الزيارات والقمم ركائز صلبة لمسار العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، لتتوج بتوقيع البلدين لاتفاق شراكة استراتيجية بينهما خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا مطلع يونيو/حزيران 2018.
وكان نتاج تلك الشراكة قيام بوتين بزيارة لدولة الإمارات في أكتوبر/تشرين الأول 2019، كانت الأولى له إلى الخليج عموما منذ 12 عاماً تقريباً.
سياق
وتتزامن الزيارة مع مشاركة وفد إماراتي رفيع المستوى يترأسه الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم رأس الخيمة، في منتدى "سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي 2023" بروسيا.
تشارك دولة الإمارات بالمنتدى كضيف شرف الدورة الحالية التي تقام أعمالها خلال الفترة من 14 - 17 يونيو/حزيران الجاري.
أيضا تأتي الزيارة بعد نجاح جهود دولة الإمارات في إتمام عملية تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا في فبراير/شباط الماضي، وذلك بعد شهرين من نجاح وساطتها لتبادل أسرى بين روسيا وأمريكا، الأمر الذي يعكس التقدير الدولي والروسي لدولة الإمارات والثقة في جهودها ووساطاتها لدعم الأمن والاستقرار والسلم الدوليين.
أهمية خاصة
تحمل زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى روسيا أهمية خاصة على أكثر من صعيد.
على صعيد الأزمة الأوكرانية، تبعث الزيارة الأمل في نفوس العالم بدفع جهود حل الأزمة، ولا سيما أن الزيارة تأتي بعد أيام من زيارة وفد إماراتي رسمي تترأسه مريم بنت محمد المهيري، وزيرة التغير المناخي والبيئة لأوكرانيا، في أحدث حلقة من جهود دولة الإمارات المتواصلة للدفع بحل سلمي مستدام للأزمة الروسية الأوكرانية، ودعم جهودها الإنسانية المتواصلة للتخفيف من حدة الأزمة.
أيضا تتزامن الزيارة مع ترؤس دولة الإمارات لمجلس الأمن الدولي لشهر يونيو/ حزيران الجاري، والذي يعتبر أعلى هيئة دولية معنية بصون الأمن والسلم الدوليين، للمرة الثانية بعد أن ترأسته في مارس/آذار من العام الماضي، وسط سعي إماراتي حثيث لحل الأزمة.
وتبذل دولة الإمارات جهودا متواصلة لحل الأزمة، ضمن رؤية شاملة، الإطار العام لتلك الرؤية، أكد عليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الرئيس الروسي في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قائلا إن "دولة الإمارات تسعى إلى تعزيز أسس السلام والاستقرار في العالم والعمل على خفض التوترات وإيجاد الحلول الدبلوماسية للأزمات التي يشهدها، وعلى رأسها الأزمة الأوكرانية".
أما آليات تحقيق ذلك، فترى دولة الإمارات أنه لا مناص عن الحوار والتفاوض بين أطراف الأزمة لحلحلة الوضع الراهن، مع تسخير إمكانياتها للدفع بهذا الحوار.
وهذا ما أشار إليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والذي أكد أن "سياسة دولة الإمارات داعمة للسلام والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية، وداعية إلى ضرورة استمرار المشاورات الجادة لحل الأزمة الأوكرانية، مهما كان مستوى صعوبتها وتعقيدها عبر الحوار والتفاوض والآليات الدبلوماسية للتوصل إلى تسوية سياسية بما يحقق السلم والأمن العالمي".
وخلال تلك القمة، قال الرئيس فلاديمير بوتين إن الجانب الروسي يقدر هذه الجهود التي تقوم بها دولة الإمارات والتي أكدت استعدادها لمواصلة جهود الوساطة، مشددا على أن "روسيا مهتمة باستمرارية جهود الوساطة الإماراتية".
تقدير وثقة
تكلل هذا التقدير وتلك الثقة بنجاح الوساطة في فبراير/شباط الماضي بإتمام صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا تم بموجبها عودة 63 أسير حرب "من الفئة الحساسة" إلى روسيا، مقابل استعادة أوكرانيا 116 أسيرا.
إنجاز جاء بعد نحو شهرين من إعلان إماراتي سعودي مشترك، في 8 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، عن نجاح الوساطة التي قادها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، والأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء، للإفراج وتبادل مسجونين اثنين بين الولايات المتحدة وروسيا.
نجاح يبرز تعاظم مكانة دولة الإمارات الإقليمية والدولية، وتزايد ثقة العالم وتقديره لجهودها على مختلف الأصعدة.
قمم ومباحثات
أيضا تحمل زيارة الرئيس الإماراتي لروسيا أهمية خاصة، على صعيد العلاقات الثنائية، حيث تعد المباحثات المرتقبة بين الزعيمين هي الثالثة خلال 9 أشهر، بعد المباحثات التي جمعتهما خلال زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والمباحثات الهاتفية التي أجراها الزعيمين في 7 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وبحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مع فلاديمير بوتين خلال تلك المباحثات الهاتفية علاقات الصداقة والتعاون بين البلدين وسبل تعزيزها إضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك.
أيضا تعد القمة الحالية بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس فلاديمير بوتين الـ11 التي تجمع الزعيمين منذ تولي بوتين رئاسة روسيا قبل 10 سنوات (الفترة الرئاسية الثالثة).
وعقدت 9 قمم بين الزعيمين خلال زيارات أجراها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا في أكتوبر/تشرين الأول 2012، وسبتمبر/أيلول 2013، وأكتوبر/تشرين الأول 2014، وفي أغسطس/آب وأكتوبر/تشرين الأول 2015، ومارس/آذار 2016، وأبريل/نيسان 2017 ويونيو/حزيران 2018، وأكتوبر/تشرين الأول 2022.
وشهدت كل زيارة وكل قمة عقدت خلالها إضافة لبنة جديدة لصرح العلاقات المتنامية بين البلدين، فخلال القمة التي جمعتهم بموسكو في 20 أبريل/نيسان 2017، أعلن الجانبان في ختام اللقاء عن نية البلدين دراسة إضفاء طابع الشراكة الاستراتيجية على العلاقات الروسية الإماراتية.
وفي القمة التالية التي عقدت في مطلع يونيو/حزيران 2018، وقع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس فلاديمير بوتين إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
أما القمة التاسعة فعقدت في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2019، خلال زيارة دولة قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للإمارات ضمن جولة شملت السعودية أيضا كانت هي الأولى له إلى الخليج منذ قرابة 12 عاماً.
وخلال القمة العاشرة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، بحث الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس فلاديمير بوتين مختلف جوانب العلاقات الثنائية بين البلدين، وأشارا إلى أن مستوى هذه العلاقات يشهد نمواً متسارعاً.
وأعرب الجانبان عن ارتياحهما لهذا النمو المتواصل في علاقات التعاون بين البلدين، فيما أكد الرئيس الروسي أن العلاقات الثنائية مع الإمارات تتطور بنجاح.
وبدوره، عبر الشيخ محمد بن زايد آل نهيان بلغة الأرقام عن مدى التطور الذي شهدته علاقات البلدين، مشيرا إلى أن التبادل التجاري بين البلدين تضاعف من 2.5 إلى 5 مليارات دولار.
وأشار إلى أن هذه الزيادة سجلت في ظل جائحة كورونا، لافتا إلى وجود 4 آلاف شركة روسية في دولة الإمارات.
كما بيّن أن عدد السياح الروس في دولة الإمارات قد وصل إلى نصف مليون سائح، فيما تم في عام 2022 افتتاح أول مدرسة روسية في البلاد.
ويتوقع أن تنقل القمة الـ11 عبر المباحثات التي ستتخللها العلاقات بين البلدين إلى آفاق أرحب.
زيارات متبادلة
أيضا تخلل قمم القادة زيارات متبادلة لوفود ومسؤولين رفيعي المستوى من البلدين على مدار الفترة الماضية، لتعزيز التعاون بينهم في مختلف المجالات الأمنية والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية، والإنسانية، وغيرها.
وتأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا، بالتزامن مع ترؤس الشيخ سعود بن صقر القاسمي، عضو المجلس الأعلى، حاكم رأس الخيمة، وفد دولة الإمارات إلى منتدى "سانت بطرسبرغ الاقتصادي الدولي 2023" في روسيا.
كما تأتي بعد أيام من عقد دولة الإمارات ممثلة بوزارة المالية الجولة الثانية من المحادثات حول اتفاقية تجنب الازدواج الضريبي فيما يتعلق بالضرائب على الدخل ورأس المال مع روسيا، والتي عقدت في مقر وزارة المالية بدبي 12 يونيو الجاري.
أيضا تأتي الزيارة بعد أسبوعين من لقاء الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية الإماراتي مع نظيره الروسي سيرغي لافروف، وذلك على هامش اجتماع "أصدقاء بريكس" في كيب تاون بجنوب أفريقيا 2 يونيو/حزيران الجاري.
وجرى خلال اللقاء بحث علاقات الصداقة، والشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات وروسيا، وسبل تعميقها في المجالات كافة.
وأكد الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان خلال اللقاء أن العلاقات الإماراتية الروسية تستند إلى أسس راسخة من التفاهم والاحترام المتبادل والتعاون المثمر والبنّاء.
وأشار إلى حرص البلدين الصديقين على تطوير هذه العلاقات ودفع آفاق التعاون المشترك في المجالات كافة بما يعود بالنفع على شعبيهما ويحقق مصالحهما المتبادلة.
وكان لافروف قد أجرى زيارة لدولة الإمارات 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أجرى خلالها مباحثات مع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان.
أيضا تأتي زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لروسيا، بعد أقل من شهر من زيارة صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي إلى روسيا وإجرائه مباحثات لتعزيز التعاون البرلماني.
وألقى صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي، كلمة الشعبة البرلمانية الإماراتية أمام الجلسة العامة الـ 545 لمجلس الاتحاد للجمعية الفيدرالية لروسيا الاتحادية، في 24 مايو/ آيار الماضي بحضور رئيسة وأعضاء مجلس الاتحاد، وذلك للمرة الأولى على صعيد الدبلوماسية البرلمانية لدولة الإمارات، والتي تجسد مدى عمق علاقات الشراكة والتعاون القائمة بين البلدين لا سيما على صعيد العمل البرلماني.
علاقات تاريخية
قمم وزيارات تجسد العلاقات استراتيجية المتنامية بين البلدين في مختلف المجالات التي تستند على إرث تاريخي مشترك.
وبدأت العلاقات الدبلوماسية بين روسيا (الاتحاد السوفياتي آنذاك) ودولة الإمارات عقب إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة في ديسمبر/كانون الأول 1971.
وفي يناير/كانون الثاني 1972، قام وفد من الاتحاد السوفياتي بزيارة دولة الإمارات، حيث تم الاتفاق خلال الزيارة على إنشاء بعثات دبلوماسية للدولتين على مستوى السفراء.
لكن لم يتم تنفيذ هذه الاتفاقيات حتى نوفمبر/تشرين الثاني 1985، عندما أعلنت موسكو وأبوظبي إقامة علاقات ثنائية على مستوى السفارتين، وتم افتتاح البعثة الدبلوماسية للاتحاد السوفياتي في مارس/آذار 1986.
وبعد عام، وتحديدا في أبريل/نيسان 1987، تم افتتاح سفارة دولة الإمارات في موسكو، فيما تم افتتاح القنصلية العامة للاتحاد الروسي في دبي عام 2002.
وشهد مسار العلاقات بين البلدين نقلة نوعية مع إعلان الشراكة الاستراتيجية بين البلدين في يونيو/حزيران 2018.
وتطورت أوجه التعاون الإماراتي الروسي في العديد من المجالات ذات الاهتمام المشترك في ظل رعاية واهتمام من قيادتهما.
وتحافظ دولة الإمارات وروسيا تقليدياً على حوار سياسي مستقر وموثوق، تدعمه مجالات تعاون متعددة الأوجه على أعلى المستويات.
وتتبنى الدولتان مواقف متقاربة بشأن مجموعة واسعة من القضايا على جدول الأعمال الدولي والإقليمي.
وتمثل زيارة رئيس دولة الإمارات إلى روسيا فرصة عظيمة لتعزيز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين وفتح آفاق أرحب لتطورها في المستقبل في مختلف المجالات، في ظل ما شهدته من تطور كبير خلال السنوات الأخيرة.
أيضا تعكس الزيارة حرص قادة البلدين على التشاور المستمر فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية وسبل تطويرها ودفعها إلى الأمام على المستويات كافة، وبحث التطورات الإقليمية والدولية بما يسهم في دعم الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.
aXA6IDMuMTQuMjUwLjE4NyA= جزيرة ام اند امز