جهود الإمارات لمكافحة تغير المناخ.. تجربة تلهم العالم
الجهود الكبيرة التي تبذلها دولة الإمارات العربية المتحدة في مكافحة تغير المناخ تعد نموذجا ملهما لمختلف دول العالم، لحماية مستقبل البشرية من الخطر الأبرز الذي يواجه العالم حاليا.
ودخلت دولة الإمارات العربية المتحدة ضمن الـ20 دولة الأوائل عالمياً في 8 مؤشرات خاصة بالتغير المناخي والبيئة لعام 2020.
وفي إطار أحدث تلك الجهود، يشارك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في قمة القادة الافتراضية حول المناخ التي يستضيفها الرئيس الأمريكي جو بايدن يومي 22 و23 إبريل/نيسان الجاري، والتي مهدت لها الإمارات بحوار إقليمي حول المناخ بمشاركة 10 من الاقتصادات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، صدر عنه بيانان.
واستبقت الإمارات الحوار وأعقبته بإنجازات رائدة، على الصعيدين المحلي والدولي، للدفع قدما بتطبيق أهداف اتفاق باريس، أول اتفاقية دولية خاصة بمكافحة تغيرات المناخ على مستوى العالم.
وتهدف الاتفاقية لتفادي ارتفاع درجة الحرارة بصورة خطرة، استعدادا للدورة الـ26 لمؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP 26" في جلاسكو خلال نوفمبر/تشرين الثاني المقبل.
ويتجه العالم نحو ارتفاع في درجة الحرارة بنحو 2.7 درجة مئوية بحلول عام 2100.
ويستهدف اتفاق باريس، الذي تم توقيعه في 12 ديسمبر/كانون الأول 2015، الحد بشكلٍ كبير من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية، والحد من زيادة درجة الحرارة العالمية في هذا القرن إلى درجتين مئويتين، مع السعي إلى الحد من الزيادة إلى 1.5 درجة.
قمة المناخ
ويشارك الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في قمة القادة الافتراضية حول المناخ التي يستضيفها الرئيس الأمريكي جو بايدن يومي 22 و23 أبريل/ نيسان الجاري.
ويستعرض الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال كلمته أمام القمة رؤية دولة الإمارات وطموحاتها بشأن العمل من أجل المناخ.
تأتي مشاركة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم في القمة إلى جانب 40 من قادة الدول التي تقوم بدور فاعل ومؤثر في جهود التصدي لتداعيات تغير المناخ، والتي يمكن أن تحول التحديات إلى فرص للجيل القادم.
وستكون قمة القادة للمناخ محطة رئيسية قبل انعقاد مؤتمر الدول الأطراف "COP 26"، وتهدف إلى زيادة الفرص لتحقيق نتائج عملية ملموسة في العمل المناخي العالمي خلال المؤتمر.
ويهدف الحدث إلى الدفع صوب إجراءات أكثر قوة لمنع ارتفاع متوسط درجات الحرارة بأكثر من 1.5 درجة مئوية، تنفيذا لاتفاق باريس للمناخ.
حوار.. وبيانان
الحدثان (قمة المناخ، ومؤتمر COP 26)، استبقت الإمارات بالتمهيد لهما ودعم أهدافهما، من خلال استضافتها في وقت سابق من الشهر الجاري، الحوار الإقليمي حول المناخ بمشاركة 10 من الاقتصادات الرئيسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إلى جانب المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون التغير المناخي، جون كيري، ورئيس الدورة الـ26 لمؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ "COP 26"، ألوك شارما.
وأسفر الحوار الذي عقد يوم 4 أبريل/ نيسان الجاري عن بيانين مشتركين، الأول بين دول المنطقة والثاني بين الإمارات والولايات المتحدة، وذلك بهدف رفع سقف طموحات العمل المناخي قبل انعقاد مؤتمر COP 26.
وأصدر المشاركون في الحوار بياناً مشتركاً أكدوا خلاله التزامهم بضمان إنجاح اتفاق باريس، وبناء المزيد من الزخم تحضيراً للقمة التي دعا إليها الرئيس الأمريكي جو بايدن لقادة المناخ، وكذلك مؤتمر COP 26.
ونصّ البيان على "أننا سنعمل معاً لضمان نجاح اتفاق باريس وسنتعاون مع شركائنا العالميين لتعزيز الطموحات المناخية".
وجاء في البيان: "نحن ملتزمون بالحد من الانبعاثات بحلول عام 2030 والعمل بشكل جماعي لمساعدة المنطقة على التكيّف مع الآثار الخطيرة للتغير المناخي، والتعاون على الاستثمار في الطاقة الجديدة".
وساهم الحدث في تعزيز المكانة المتقدمة لدولة الإمارات في العمل من أجل المناخ، ووفر أرضية للدول المشاركة لصياغة رؤية مشتركة للعمل المناخي قبل انعقاد مؤتمر الدول الأطراف "كوب 26".
وفي بيان آخر، أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية التزامهما المشترك بمواجهة تداعيات التغير المناخي، وأكدتا أهمية وضرورة الارتقاء بالطموحات المناخية العالمية.
وأعلن البلدان في بيان مشترك، عزمهما التعاون للاستثمار في تمويل إزالة الكربون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وغيرها، وتلتزم الدولتان بمساعدة الفئات الأكثر تأثراً بتغير المناخ على التكيف مع تداعياته.
وتتلاقى الجهود الإماراتية الرائدة في هذا الصدد مع توجهات الإدارة الأمريكية، للعمل بجدية لمواجهة أزمة المناخ التي تشكل تهديدا وجوديا، في خطوة مهمة لحماية بيئة العالم ومواجهة تحدي التغير المناخي.
براكة.. إنجاز جديد
وبعد يومين فقط من عقد الحوار الإقليمي، أعلنت الإمارات بدء التشغيل التجاري لـمحطة "براكة" أولى محطات الطاقة النووية السلمية في العالم العربي.
وسيساهم هذا الإنجاز التاريخي في تعزيز جهود الإمارات لزيادة حصة الطاقة النظيفة من إجمالي مزيج الطاقة المحلي، بما يتواكب مع استراتيجية الإمارات للطاقة 2050، كما سيعزز جهود حماية البيئة والعمل من أجل المناخ، ويساهم في تحقيق التزامات الدولة بموجب مساهماتها المحددة وطنياً بشأن المناخ.
وتواصل دولة الإمارات جهودها الريادية في مواكبة التوجهات العالمية لمواجهة تحدي تغير المناخ، من خلال مبادرات عديدة في قطاع الطاقة.
وتلفت الإمارات أنظار العالم بمجموعة فريدة من المشاريع العملاقة كمحطات الطاقة النووية السلمية مثل محطات براكة ومحطات الطاقة الشمسية مثل مشروع محطة الظفرة للطاقة الشمسية ومحطة "نور أبوظبي" للطاقة الشمسية ومجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في إمارة دبي.
يأتي ذلك إضافة إلى محطات التحلية ومشاريع معالجة النفايات وتحويلها إلى طاقة، فضلاً عن مبادراتها لخفض الانبعاثات الكربونية الناجم عن الأنشطة الاقتصادية بمختلف أنواعها.
وأسهمت تلك المشاريع الرائدة في تحويل الإمارات إلى أحد أهم اللاعبين الإقليميين والدوليين في هذا الملف الحيوي، وهو ما ترجمته الإمارات في تصدير تجربتها إلى العديد من الدول والمناطق حول العالم، إضافة لاستضافتها لمقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إرينا".
وتعتبر الإمارات من الدول الرائدة في تطوير حلول ومصادر الطاقة المتجددة وغيرها من تقنيات الحد من آثار التغير المناخي، فعلى المستوى المحلي، تقترب قدرة الطاقة النظيفة في دولة الإمارات، من الوصول إلى 14 جيجاوات بحلول عام 2030، بما في ذلك الطاقة الشمسية والنووية، علماً بأنها كانت 100 ميجاوات في عام 2015، و2.4 جيجاوات في عام 2020.
أول قمر إماراتي بيئي
وقبيل أيام من التشغيل التجاري لمحطة براكة، حققت الإمارات إنجازا علميا آخر، بوصول القمر الاصطناعي "دي إم سات-1"، القمر البيئي النانومتري الأول من نوعه الذي أطلقه مركز محمد بن راشد للفضاء بالتعاون مع بلدية دبي، إلى مداره حول الأرض يوم 22 مارس/ آذار الماضي.
ويعكس "دي إم سات-1" التزام دولة الإمارات ببنود اتفاقية باريس للمناخ، والتي تنص على توفير معلومات وبيانات حول انبعاثات الغازات الدفيئة، فضلاً عن بناء القدرات الوطنية في مجال دراسة وتحليل ظاهرة الاحتباس الحراري.
ويأتي إطلاق "دي إم سات-1" في سياق استراتيجية دبي للطاقة النظيفة 2050، واستراتيجية الإمارات للطاقة 2050، وسيكون له دور محوري في دعم تنفيذ النظام الوطني لإدارة انبعاثات الغازات الدفيئة ضمن الخطة الوطنية للتغير المناخي لدولة الإمارات 2017-2050.
أول قانون
على الصعيد التشريعي، تم الانتهاء من إعداد المسودة الأولى لقانون التغير المناخي الذي سيكون القانون الوطني الأول من نوعه على مستوى المنطقة.
وسيسهم في دعم جهود التنمية المستدامة والاقتصاد الأخضر، ودعم الابتكار والبحث والتطوير في مجال العمل من أجل المناخ، وسط توقعات أن يعزز القانون مكانة الإمارات في مؤشرات التنافسية العالمية.
نموذج ملهم
الجهود الإماراتية الرائدة لمواجهة تغير المناخ، وضحت جليا في السياسة العامة للبيئة التي أعلنت عنها الإمارات على الصعيد الوطني، وكذلك في التقرير الثاني للمساهمات المحددة وطنيا لدولة الإمارات، والذي تم الإعلان عنه وتسليمه إلى أمانة اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وفي إطار جهودها الرائدة لمواجهة تغير المناخ، أعلنت الإمارات نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، رفع سقف مساهماتها الوطنية في زيادة معدلات خفض الانبعاثات في كافة القطاعات الاقتصادية وصولاً إلى تحقيق انخفاض بنسبة 23.5% عام 2030، وهو ما يعادل خفضاً مطلقاً للانبعاثات بنحو 70 مليون طن.
ومن شأن تلك الخطوة الإماراتية تحفيز الجهود العالمية في هذا الصدد، عبر الإعلان عن رفع سقف مساهماتها الوطنية للعمل من أجل المناخ.
وتسعى دولة الإمارات لتقديم نموذج عالمي فعال للتعامل مع التغير المناخي ومواجهة التحديات التي يفرضها على دول العالم كافة، لحماية مستقبل البشرية من التحدي الأهم الذي يواجهها حاليا، وضمان مستقبل أفضل للأجيال الحالية والمقبلة.
وتمتلك دولة الإمارات مسيرة حافلة في العمل من أجل البيئة والمناخ منذ تأسيسها على يد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، وانطلقت تلك الجهود بعد 6 أشهر فقط من تأسيس الإمارات من خلال مشاركة وفد رفيع المستوى في المؤتمر الأول للأمم المتحدة المعني بحماية البيئة والعمل من أجل استدامة الموارد الطبيعية، ثم صدور أول قانون وطني في المنطقة يستهدف حماية البيئة في العام 1975.
وتتواصل تلك الجهود الرائدة في ظل القيادة الحكيمة للشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، حيث تعد الإمارات الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تدعم وتوقع طواعية على اتفاق باريس للمناخ.
ومنذ توقيعها الاتفاق، سجلت على مدار الأعوام المنقضية إنجازات عدة في خفض مسببات التغير المناخي وتعزيز قدرات التكيف مع تداعياته بموجب توجيهات القيادة الرشيدة ونظرتها المستقبلية المتقدمة.
ونظراً لأهمية موضوع التغير المناخي محلياً وعالمياً، أدرجت الإمارات التصدي لهذه الظاهرة كأحد أهدافها الرئيسية، لتحقيق التنمية المستدامة.
كما اعتمدت الإمارات باقة واسعة من التشريعات والاستراتيجيات الداعمة للعمل من أجل البيئة والمناخ، ومنها التحول نحو منظومة الاقتصاد الأخضر.
وفي عام 2016، قامت الإمارات بتوسيع دور وزارة البيئة والمياه لتدير جميع الجوانب المتعلقة بشؤون التغير المناخي الدولية والمحلية، وأعادت تسمية الوزارة لتصبح وزارة التغير المناخي والبيئة، وتعمل هذه الوزارة على قدم وساق لتعزيز جهود الإمارات في معالجة مشكلة التغير المناخي، وحماية النظم البيئية الفريدة.
جهود دولية بارزة
على صعيد جهودها الدولية لمواجهة تغير المناخ، استثمرت دولة الإمارات في 70 دولة حول العالم في مشاريع بلغت قيمتها الإجمالية أكثر من 16.8 مليار دولار أمريكي، كما قدمت الدولة ما يزيد على 400 مليون دولار من المساعدات والتمويلات والقروض الميسرة لمشاريع الطاقة النظيفة حول العالم.
وتأتي مواجهة التغير المناخي، كإحدى أبرز أولويات السياسة العامة للبيئة في دولة الإمارات التي اعتمدها مجلس الوزراء الإماراتي نهاية نوفمبر الماضي، كما يأتي التغير المناخي في مقدمة الأولويات الثمانية التي تركز عليها السياسة، كونه التحدي الأهم والأكثر تهديداً لمستقبل البشرية ككل، ولما لتداعياته من تأثيرات سلبية تطال كافة القطاعات والمجالات.
على الصعيد المستقبلي، تعمل وزارة التغير المناخي والبيئة الإماراتية، ضمن استراتيجيتها المستقبلية استعداداً للخمسين سنة المقبلة على توجهين رئيسيين، يركز الأول على تعزيز أمن واستدامة وسلامة الغذاء، فيما يركز الثاني على مواصلة وتعزيز مسيرة الدولة في العمل من أجل المناخ والبيئة والحفاظ على مواردها الطبيعية وتنوعها البيولوجي وضمان استدامتهما.
كما يجسد الغطاء النباتي والزراعي لموقع إكسبو 2020 دبي، الذي ينطلق أكتوبر/تشرين الأول المقبل، التزام الإمارات بتعزيز استدامة البيئة والحد من التغير المناخي.
وتم غرس أكثر من 18 ألف شجرة رئيسية تتنوع ما بين النخيل والغاف في موقع الحدث الدولي، إضافة إلى غرس ما يزيد على 300 ألف شتلة نباتية تراعي خصوصية البيئة المحلية من حيث استهلاك المياه وتحمل درجات الحرارة.
إشادات دولية
تلك التجربة الملهمة والجهود البارزة، كانت محل إشادة دولية دائمة، أحدثها قبل أيام، عندما أشاد جون كيري، المبعوث الرئاسي الأمريكي لشؤون تغير المناخ، خلال اجتماعات الربيع لمجموعة البنك الدولي، والتي انعقدت عبر تقنية الاتصال المرئي، بالجهود التي بذلتها دولة الإمارات في تنظيم الحوار الإقليمي للتغير المناخي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في أبوظبي مؤخراً، لافتاً إلى أن الحوار أتاح منصة مثالية للبحث في القضايا الملحة بهدف خفض الانبعاثات وتعزيز الجهود العالمية للعمل من أجل المناخ.
أيضا كشفت البيانات التي يرصدها المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء عن تصنيف الإمارات بين الـ20 الكبار في 8 من أبرز مؤشرات التنافسية العالمية في مجال التغير المناخي والبيئة خلال عام 2020.
وأظهرت البيانات حصول الإمارات على المركز الأول في مؤشر القوانين البيئية ضمن تقرير الكتاب السنوي للتنافسية العالمية 2020 الصادر عن المعهد الدولي للتنمية الإدارية، والمركز الأول عالمياً في مؤشر الرضا عن جهود المحافظة على البيئة ضمن تقرير مؤشر الازدهار الصادر عن معهد "ليجاتم".