الإمارات والسعودية.. 47 عاما من الشراكات الرياضية الناجحة
التعاون بين الإمارات والسعودية في المجال الرياضي شهد فصولا ومحطات طويلة على مدار 47 عاما.. تعرف على جانب منها.
كانت السعودية هي الشاهد الأول على ميلاد الكرة الإماراتية بشكل رسمي، وذلك منذ 15 مارس/آذار عام 1972، وهو التاريخ الذي ارتبط بأول ظهور لمنتخب الإمارات لكرة القدم في البطولات الرسمية، لتصبح أرض الحرمين هي المحطة الأولى التي انطلقت منها الرياضة الإماراتية بشكل عام، وكرة القدم على وجه التحديد.
شاركت الإمارات في هذا التاريخ لأول مرة في منافسات كأس الخليج العربي لكرة القدم، وتحديدا في النسخة الثانية، وحتى يومنا هذا بعد مرور أكثر من 47 عاما تشهد العلاقات الإماراتية السعودية عاما بعد عام نموا واتساعا وعمقا في الشراكة والتعاون والتوأمة، وفي كل عام تشهد الرياضة ميلاد جسر جديد من جسور الأخوة في كل قطاع من قطاعات الرياضة، انعكاسا لوحدة الرؤية، واتساق الأهداف بين البلدين الشقيقين.
وفي 19 مارس عام 1972 كان أول لقاء رسمي بين منتخب الإمارات لكرة القدم ونظيره السعودي على استاد الملز بالرياض، وحتى يومنا هذا ليس هناك خاسر بين الطرفين، بغض النظر عن نتائج المباريات؛ لأن المنتخب الإماراتي في كرة القدم وكل الألعاب حينما يلعب على أرض المملكة يدرك تماما أنه يلعب على أرضه ووسط جماهيره، وكذلك يبقى هذا الشعور هو نفسه عند الأشقاء في المملكة، فكل استادات وميادين وساحات وصالات الإمارات ملاعبهم.
ولن ينسى تاريخ الرياضة الإماراتية أن أول فوز إماراتي في كرة القدم تحقق على أرض السعودية، وكذلك يشهد تاريخ الكرة الإماراتية على أن أول هدف إماراتي تم تسجيله في البطولات الخليجية كان على أرض المملكة، وحمل توقيع لاعب منتخبنا سهيل سالم.
العلاقات الرياضية القوية بين الإمارات والسعودية لا تقوم فقط على اللقاءات الودية والرسمية في المباريات، لكنها تتجاوز هذه الحدود بكثير، فمنذ أوائل السبعينيات بدأت الوفود الرياضية -الفرق والمنتخبات والأندية والاتحادات- تتبادل الزيارات والمعسكرات والخبرات والمنافع المشتركة.
وإلى جانب ذلك، لم يمض يوم دون أن يشهد تواصلا على كل المستويات بين مسؤولي الرياضة في البلدين الشقيقين، ولم تشهد أي مناسبة تضاربا في المصالح أو تناقضا في الاتجاه، بمعنى أن التنسيق بين هيئة الرياضة الإماراتية وشقيقتها السعودية وبين الاتحادات في الدولتين على أعلى مستوى، ويبدو ذلك جليا في انتخابات الاتحادات الإقليمية والقارية، فمرشح المملكة هو مرشح الإمارات دائما، ومرشح الإمارات هو الخيار الأول لدى الأشقاء في السعودية.
باوزا دليل الإيثار والمحبة
في منتصف سبتمبر/أيلول من عام 2019 كان المدرب الأرجنتيني إدجاردو باوزا مديرا فنيا لمنتخب الإمارات، وفي هذا التوقيت كان الأخضر السعودي يستعد للمشاركة في نهائيات كأس العالم بروسيا بعد أن ضمن التأهل، وعندما أبدى المدرب الهولندي بيرت فان مارفيك رغبته في الرحيل عن قيادة المنتخب السعودي بشكل مفاجئ لم يتردد اتحاد الإمارات لكرة القدم لحظة واحدة في التنازل عن مدربه لصالح المنتخب السعودي.
وبمشاعر الإيثار وروح الأخوة طلب مسؤولو اتحاد الكرة الإماراتي من باوزا أن يتحول لقيادة المنتخب السعودي الشقيق، وتم الانتقال في مشهد لم يحدث أبدا مثله من قبل في ساحات التنافس وملاعب كرة القدم، وكان ذلك المشهد أكبر تجسيد وأبلغ ترجمة لنوع العلاقة بين البلدين.
العلاقات الرياضية بين الإمارات والسعودية لم تكن يوما مجرد تنافس، لكنها كانت وستبقى شراكة وتعاون وتوافق وأخوة وصداقة، فلم يشعر لاعب الهلال والمنتخب السعودي لكرة القدم ياسر القحطاني بالغربة ليوم واحد في تجربته الثرية التي قضاها في نادي العين، بل على العكس أكد ياسر أن تجربة العين الاحترافية تمثل واحدة من أبرز المحطات في حياته.
وفي المقابل، كان الدوري السعودي هو الخيار الأول لنجم الكرة الإماراتية عمر عبدالرحمن عندما انتقل لنادي الهلال، ربما تكون الإصابة قد أبعدته عن الملاعب لفترة طويلة في الملاعب السعودية، لكن عمر عبدالرحمن يؤكد كل يوم أنه يكن كل الحب والتقدير والاحترام للكرة السعودية صاحبة التاريخ المشرف في البطولات الخليجية والقارية وأيضا في مونديال كرة القدم.
في عام 1982 وعلى أرض المملكة كان منتخب الإمارات قاب قوسين أو أدنى من التتويج بلقب كأس الخليج العربي، حينما حصل على لقب الوصيف في تلك البطولة، التي فاز فيها على البحرين بهدفي زهير بخيت ومبارك غانم، ثم تجاوز الكويت بهدف زهير بخيت في مباراة تاريخية؛ لأن المنتخب الأزرق كان أقوى المنتخبات الخليجية وأكثرها فوزا باللقب الخليجي، وفي هذه البطولة وعلى استاد الملك فهد التقى المنتخبان الإماراتي السعودي، وخرجت النتيجة متعادلة بهدفين لكل منهما في واحدة من أقوى وأجمل المباريات في تاريخ بطولة الخليج، حيث سجل للإمارات زهير بخيت هدفين، وللسعودية عبدالله غراب وماجد عبدالله، وفي هذه البطولة لم يفز منتخب الإمارات باللقب، لكنه لم يخسر أيضا أي مباراة، وكانت تلك البطولة على أرض المملكة مؤشرا مهما على قدرة منتخب الإمارات على التأهل لأول مرة في تاريخه لنهائيات مونديال كأس العالم بإيطاليا عام 1990.
الإمارات أرض التتويجات السعودية
رغم أن الكرة السعودية ولدت قوية في الستينيات وبدأت مسيرتها مع التألق بالثمانينيات فإن أول تتويج لها بكأس الخليج العربي كان على أرض الإمارات، حينما استضافت مدينة زايد الرياضية النسخة الثانية عشرة من بطولة كأس الخليج خلال الفترة من 3 إلى 16 نوفمبر عام 1994، فعلى هذه الأرض الطيبة تحققت السعادة لكل محبي الرياضة وكرة القدم في المملكة، وتحقق الحلم الذي طال انتظاره في المونديال الخليجي لكرة القدم.
في تلك البطولة كان الجيل الذهبي في الكرة السعودية والإماراتية حاضرا، فتوج الأخضر السعودي باللقب، وحقق المنتخب الإماراتي المركز الثاني، رغم أن الأبيض الإماراتي لم يخسر أي مباراة؛ لأن البطولة كانت تقام بنظام الدوري بين المنتخبات المشاركة، وعلى أرض زايد احتفلت الكرة السعودية بأول لقب خليجي لها بعد انتظار 22 عاما، ومعها احتفلت جماهير الكرة الإماراتية بفرحة الأشقاء بالمملكة.
وبعد عامين فقط وعلى نفس الاستاد في مدينة زايد الرياضية، كانت جماهير الكرة السعودية على موعد مع الفرحة الآسيوية الكبرى، حينما توج الأخضر في دار زايد بآخر لقب آسيوي له. كان ذلك في ليلة 21 ديسمبر من عام 1996، ولم يكن غريبا في هذه البطولة أن طرفي المباراة النهائية هما الإمارات والسعودية، ولم يكن غريبا أيضا أن الفريقين تعادلا في الوقت الأصلي للمباراة بدون أهداف، ولم يحسم هذه المواجهة إلا ركلات الترجيح في حضور 60 ألف متفرج، ليخرج الأخضر فائزا والأبيض الإماراتي بأفضل نتيجة له في تاريخ البطولة الآسيوية التي ولدت عام 1956.
تبادل الخبرات بالمجالات الرياضية
القواسم المشتركة كثيرة في قطاع الرياضة بين الدولتين، فعندما قادت الإمارات دول الخليج العربي وبذلت جهودا كبيرة في تأسيس اتحادات الملاكمة والجوجيتسو كان الهدف الأول لدى اتحاداتنا في تلك الألعاب نقل خبراتها إلى الرياضة السعودية، وبفضل التعاون والشراكة بين الطرفين تأسست اتحادات الملاكمة والجوجيتسو لتأخذ مكانتها في رياضة المملكة، وتبدأ في تأهيل وصناعة الأبطال من أجل صعود منصات التتويج في البطولات الإقليمية والقارية.
ويبقى التعاون والشراكة عنوانا بارزا في البلدين الشقيقين في رياضة الفروسية التي تعد من أقدم الرياضات الخليجية وأكثرها ارتباطا بتاريخ الدولتين، وفي المقابل استفادت رياضة المبارزة الإماراتية من تجارب الاتحاد السعودي الذي تأسس في الستينيات من القرن الماضي، وتبادلت الدولتان الخبرات في تلك اللعبة حتى أصبحت السعودية والإمارات من أقوى الدول العربية والخليجية.
من جانبه، يقول الشيخ سالم بن سلطان القاسمي، رئيس الاتحادين العربي والإماراتي للمبارزة عضو المكتب التنفيذي للجنة الأولمبية الوطنية، إن العلاقات بين الإمارات والسعودية عبارة عن توأمة ممتدة على مدار السنين، وإن الأشقاء في السعودية كانوا أكبر الداعمين للفوز برئاسة الاتحاد العربي، وإن المملكة تبقى واحدة من أهم المنصات الرياضية العربية والخليجية في تلك الرياضة، مشيرا إلى أن الشراكة قائمة بين الدولتين في كل المسارات.
وقال: "قوة الرياضة السعودية ونجاحاتها تمثل نجاحات للرياضة الإماراتية، والعكس بالعكس؛ لأن الهدف لدى مسؤولي الرياضة في الدولتين هو تعظيم أواصر التعاون والشراكة، وتوسيع نطاق الإنجازات والمكاسب المشتركة، ونحن دائما نرحب بالإخوة الأشقاء في بطولاتنا، وفي الدورات التأهيلية للمدربين والحكام التي ننظمها، ونسعد بتنظيم المملكة للبطولات، وحينما نذهب إلى هناك نعتبر أنفسنا في وطننا وبين أشقائنا، ونسعد لكل إنجاز يحققه أبناء المملكة على أي مستوى سواء كان إقليميا أو عربيا أو قاريا لأنه يبقى في النهاية رصيدا وذخرا لنا".
ويؤكد عبدالمحسن الدوسري، الأمين العام المساعد للهيئة العامة للرياضة بالإمارات، أن الاحتفال باليوم السعودي حق أصيل لشعب الإمارات؛ لأن أيام الوطن في المملكة ملك لنا جميعا، مشيرا إلى أن أبرز مثال على ذلك هو التماهي في الفرحة بكل قطاعات دولة الإمارات مع شقيقاتها في السعودية، والاحتفالات في كل الملاعب والساحات والميادين العامة بهذه المناسبة الطيبة.
وقال الدوسري: "أنتهز هذه المناسبة وباعتباري واحدا من الشهود العيان على نشأة وتطور هذه العلاقة المتينة بين رياضتنا والرياضة السعودية، وأهنئ كل الأشقاء في المملكة، وأنقل لهم تحيات كل الرياضيين في الإمارات مسؤولين ولاعبين ومدربين، وأتمنى لهم كل التوفيق في كل المحافل؛ لأننا تعلمنا من القائد والمؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان أن المملكة والإمارات حصن الأمة العربية، وأنه لا فرق بين إماراتي وسعودي، وأن الرياضة لغة للتواصل وتبادل المحبة بين الشعبين، وجسر من جسور التعاون والشراكة.
وأضاف: "بوصفي أعمل في قطاع الرياضة على مدار ما يقرب من 4 عقود أقول إن المواقف واللحظات والمحطات كثيرة التي تشهد على عمق الأخوة بيننا، وأن قصص الشراكة ومحطات التعاون لا تتسع لها الصفحات إذا أردنا سردها".