للمرة الأولى منذ أربعة أعوام، يجري ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان حواراً مع وسيلة إعلام أمريكية هي شبكة "فوكس نيوز" التلفزيونية، قبل يومين.
تناول ولي العهد السعودي في الحوار بكل صراحة وشفافية ملفات خاصة بالمملكة العربية السعودية وسياساتها الداخلية والخارجية وشملت حتى الرياضة التي باتت تستقطب مشاهير كرة القدم العالميين وأدت إلى انزعاج دول كانت تعتبر نفسها "معاقل" كرة القدم، بالإضافة إلى قضايا إقليمية تلامس أمن واستقرار الشرق الأوسط، كل ذلك من منظور ورؤية القيادة السعودية.
سمو الأمير محمد بن سلمان، تطرق في حواره المتلفز إلى ملفات وقضايا أقل ما توصف به أنها مهمة وحساسة وإن شئت خطيرة.
فهي ناحية مهمة بذاتها لأنها متعلقة بالأمن والاستقرار في المنطقة ومستقبل شعوبها، ومن ناحية أخرى خطيرة أو حساسة لأن ما أعلنه سمو الأمير محمد بخصوصها اتسم بالصراحة الشديدة والحسم وهذا ما لم نعهده عربياً.
فقد تجنب سموه المراوغة والدبلوماسية وحرص على أن يكون واضحاً ومحدداً خصوصاً في القضايا الشائكة والملفات الحساسة مثل: العلاقة مع إسرائيل، وكذلك محاولات امتلاك إيران السلاح النووي.
وبشكل عام فإن أول ما يلفت نظر المراقب في ذلك الحوار المهم، هو اختيار شبكة "فوكس نيوز" الإعلامية المعروفة داخل الولايات المتحدة بتوجهاتها اليمينية، وهو اختيار أظنه مقصوداً ومدروساً بعناية ودقة من جانب الفريق الإعلامي لولي العهد السعودي، وذلك بالحرص على مخاطبة الأمريكيين من قلب أقصى وسائل إعلامهم تطرفاً ضد السعودية ودول المنطقة العربية.
وبلا شك، أن هذا يؤشر إلى حالة الثقة الكبيرة التي تتصف بها القيادة السعودية حول ما حققته المملكة من تطور في أعوام قليلة.
لقد ظهرت تلك الثقة بوضوح على أداء ولي العهد السعودي خلال المقابلة، فقد عكست لغة الجسد تلك الثقة العالية والتوجه إلى واشنطن وإلى باقي دول العالم من موقع قوة وثبات، ما يؤكد بدوره تماسك السياسة السعودية في عهده واتزانها داخلياً وخارجياً.
وفي التفاصيل، ليس أدل على تلك الثقة من قيام سمو ولي العهد بما يشبه اللوم أو التأنيب للولايات المتحدة، بقوله إن السعودية "من أكبر خمسة مشترين للأسلحة الأمريكية، وانتقالنا لشراء الأسلحة من دول غير الولايات المتحدة ليس من مصلحتها"، وهو ما يشبه التحذير والتنبيه إلى مخاطر وسلبيات السياسات الأمريكية تجاه دول الشرق الأوسط، على مصالح أمريكا نفسها.
هذا الطابع المتوازن للحوار، تجسد بوضوح في الحديث عن ملف إيران بصفحاته المتعددة، اختص الأمير محمد بن سلمان منها العلاقة مع السعودية والبرنامج النووي الإيراني. فرداً على سؤال لقناة "فوكس نيوز" حول موقف المملكة إذا امتلكت إيران قنبلة نووية، كان سمو الأمير واضحاً ودقيقاً: "إذا حصلوا على واحدة فلا بد أن نحصل عليها بالمثل". وإن استدرك بوصفه امتلاك أي دولة السلاح النووي بأنه "أمر سيئ".
ولكن لم يلغ هذا الموقف المباشر والصريح حول قدرات إيران النووية، دون توضيح حرص الرياض على إقامة علاقات جيدة مع طهران، وكذلك تأكيد الرغبة في استمرار التقدم الحاصل فيها لصالح أمن المنطقة واستقرارها.
وهنا يتبلور التوازن في سياسات ومواقف الرياض الحالية، حيث الموازنة مطلوبة وقائمة بالفعل بين متطلبات التعاون الإيجابي وحسن الجوار بتطوير علاقات جيدة مع إيران، وعدم السماح لأي دولة بتغيير موازين القوى أو الانفراد بامتلاك قدرات نووية غير سلمية.
في هذا الموقف السعودي الرسمي، تحذير علني لإيران غير مسبوق من أي دولة خليجية أو عربية، من تداعيات مساعي طهران إلى امتلاك سلاح نووي، وتأكيد مباشر بأن خطوة كهذه ستعني اتجاه الرياض إلى نفس النهج، وبالتالي تدشين سباق تسلح نووي في الشرق الأوسط.
ولم يكن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان أقل صراحة أو دقة حين سُئل عن العلاقة مع إسرائيل، فهي المرة الأولى التي يصدر فيها إعلان رسمي سعودي بقرب إقامة علاقات مع إسرائيل، حيث ذكر نصاً: "كل يوم نصبح أقرب بشأن إقامة هذه العلاقات".
غير أن سمو ولي العهد في تناوله لهذا الملف الحساس، حرص على ربطه بملف القضية الفلسطينية، وألا يكون مسار العلاقة المتوقعة مع إسرائيل، بمعزل عن مصالح الفلسطينيين وحقوقهم، خاصة أن القضية الفلسطينية تتشابك بدورها مع مقومات الأمن والاستقرار الإقليمي، ولذا كان تأكيده على إمكانية التوصل إلى "حلول واقعية تخدم الأمن في المنطقة وتحقق المصالح الفلسطينية وأيضاً المصالح السعودية والإسرائيلية".
إن حوار ولي العهد السعودي مع شبكة "فوكس نيوز" الأمريكية، يمكن اعتباره إعلاناً رسمياً سعودياً عن تلك النقلة النوعية والكمية التي تشهدها المملكة على يدي الأمير محمد بن سلمان، في جميع الاتجاهات وعلى المستويات كافة، بدءاً بالانفتاح الاقتصادي وتطبيق الحوكمة والشفافية وتحديث آليات العمل وقواعد المساءلة، ثم اختراق مجالات وأنشطة كانت في السابق من المحظورات، كالفن وممارسة المرأة حياتها بشكل طبيعي كإنسان ومواطن، وشبكة العلاقات الخارجية التي باتت تضع "المصلحة" معياراً لها والتوازن والحياد بوصلتها في السياسة الخارجية.
حالة من السرور والانتشاء والفرح تملكتنا هنا في دولة الإمارات العربية المتحدة بما حققته الشقيقة المملكة العربية السعودية على يد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان التي تستعد لاحتفالها باليوم الوطني الـ93 يوم السبت الموافق 23 سبتمبر/أيلول من إنجازات وقفزات تنموية ضخمة وكبيرة تتواكب مع القفزات التنموية التي تحدثها دولة الإمارات التي قطعت هي الأخرى فيها أشواطاً كبيرة فأي نجاح خليجي أو عربي، بلا شك، يصب في مصلحة شعوب ودول هذه المنطقة ويفتح فرصاً واعدة وآفاقاً كبيرة ليؤكد أن مستقبل العالم "يصنع هنا".
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة