لا شك أن تحركات الدبلوماسية الإماراتية لتهدئة الأوضاع ونزع فتيل التوترات إقليمياً لا تنفصل عن دور دولة الإمارات وسمعتها العالمية التي انعكست في التصويت بالثقة وانتخابها لنيل العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي.
انتخاب جاء للمرة الثانية من جانب أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، يوم الحادي عشر من يونيو/حزيران 2021، لنيل العضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي ـ لمدة عامين ـ للفترة 2022-2023؛ في مناسبة أكد خلالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، في تصريحات له بثت -آنذاك- أن انتخاب دولة الإمارات، لعضوية مجلس الأمن الدولي، يجسد ثقة العالم بالسياسة الإماراتية، وكفاءة منظومتها الدبلوماسية وفاعليتها، مشيرًا إلى أن دولة الإمارات ستواصل مسؤوليتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية.
وفي المجمل، فإن عضوية دولة الإمارات غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للمرة الثانية لمدة عامين، كانت بمثابة فرصة ثمينة لتعزيز دور الدولة ومكانتها وتحقيق رسالتها من أجل ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية.
وهنا يبدو تحرك دولة الإمارات على الصعيد الإقليمي مواكباً لدورها الدولي، حيث طبقت ما ذكره عند التصويت بالثقة لها، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية، بقوله: «التزمت دولة الإمارات بالعمل متعدد الأطراف، والقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة منذ تأسيسها، وستستمر الدولة في التمسك بهذه المبادئ خلال عضويتها في مجلس الأمن. وإنني على ثقة من أن تاريخنا ودورنا كشريك ووسيط موثوق به، سيمكننا من تقديم مساهمة فاعلة خلال السنتين اللتين سنعمل فيهما في مجلس الأمن».
هذه الرسالة تنطوي على دلالتين مهمتين؛ أولاهما: تمسك دولة الإمارات برؤيتها الخاصة بأن ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، الركيزة الأهم في العلاقات الدولية، وثانيهما: استشعار دولة الإمارات لأهمية دورها في توظيف قدراتها وإمكاناتها الكبيرة لمصلحة تنفيذ التزاماتها ومسؤولياتها كعضو فاعل في منظمة الأمم المتحدة.
ويتفق المراقبون والمتخصصون على أن الدبلوماسية الإماراتية قد استطاعت أن تحقق أهداف دولة الإمارات في الخارج، وضمنت لها حضوراً مؤثراً من خلال المشاركة في مجلس الأمن الدولي، أو استضافة القمم والاجتماعات الدولية الكبرى، لا سيما "COP28" وما تحقق فيها من إنجازات نوعية تاريخية، أو المشاركة في الاجتماعات والقمم الدولية والاقليمية المتنوعة.
كما نجحت في توظيف ثقل ومكانة دولة الإمارات كقوة صاعدة تنموياً واقتصادياً وتكنولوجياً من أجل لعب دور حيوي في ترسيخ أسس الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، حيث أظهرت الدبلوماسية الإماراتية قدرة كبيرة في التعامل مع أزمات المنطقة، والعمل على احتواء تداعياتها السلبية على الأمن والاستقرار الإقليمي والدولي، وهو ما رسخ مكانة دولة الإمارات ضمن حسابات العواصم الدولية الكبرى، حيث تحرص القوى الكبرى على التعرف على رؤى دولة الإمارات ومواقفها المتوازنة تجاه مختلف القضايا، والاستفادة منها في معرفة وتقييم تطورات الأوضاع في المنطقة.
كما نجحت دولة الإمارات، من خلال دبلوماسيتها النشيطة، وعلاقاتها القوية مع جميع دول العالم، من دون استثناء، إلى جانب اعتمادها مبدأ تسوية النزاعات بالطرق السلمية، كأحد المبادئ والثوابت في سياستها الخارجية، في إثبات نفسها كإحدى أبرز القوى الفاعلة ذات التأثير على الصعيدين الإقليمي والدولي، وإحدى الدول ذات الدور الحيوي في إقرار السلم والأمن العالميين، ويبدو هذا جلياً في الدور الذي تضطلع به في إدارة الأزمات التي تموج بها منطقة الشرق الأوسط في المرحلة الراهنة.
لقد اختتمت دولة الإمارات عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي لعامي 2022 - 2023 كقصة نجاح جسدت جهودها للتعاون والتضامن، وعكست التزامها بقيم السلام والتنمية المستدامة، لكنّ دورها كعضو بارز في المجتمع الدولي له ثقله ومكانته متواصل ومستمر، بفضل سياستها الخارجية القائمة على دعم التعاون والسلام والحوار، وتعزيز التضامن والعمل الجماعي في مواجهة جميع التحديات العالمية المشتركة ومد يد العون والدعم للدول والمجتمعات الفقيرة، وبناء الشراكات التنموية الإيجابية مع مختلف الدول والتجمعات الإقليمية والعالمية.
وقد حققت الدبلوماسية الإماراتية إنجازات نوعية خلال فترة عضويتها غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي وقدمت دروساً دبلوماسية مهمة في بناء التوافق و"فن الممكن" وصولاً إلى المستهدفات الحقيقية، ومثلت المجموعة العربية بشكل قوي ومؤثر، وظفت فيه قدرات الدولة وعلاقاتها وقنوات تواصلها مع دول العالم كافة؛ رغم حالة الاستقطاب والصراعات الدولية غير المسبوقة التي خيمت على أجواء العمل داخل الأمم المتحدة، ومؤسساتها كافة خلال تلك الفترة ولا تزال.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة