يثير القصف الأمريكي الجوي ضد مواقع وأهداف عسكرية تابعة لمليشيات "الحوثي" باليمن، ومعه قرار الإدارة الأمريكية الحالية بـ"إعادة" تصنيف هذه المليشيات إرهابية بعد 3 سنوات من رفعها من القائمة الإرهابية، العديد من التساؤلات حول المغزى الحقيقي للقرارين..
وإن كانت هناك جدية حقيقية في إنهاء "التدليل" الأمريكي والدولي للحوثي.
وتبرر واشنطن القصف بالحاجة إلى حماية السفن التابعة لها وتأمين حركة الملاحة جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب. وبالتأكيد هو هدف مشروع وتبرير منطقي وكان يُنتظر من فترة. غير أن بداية تأزم الموقف العسكري كان مع دخول الولايات المتحدة الأمريكية على خط المناوشات بين إسرائيل ومليشيات الحوثي، التي بادرت إلى استهداف السفن الإسرائيلية والمتجهة إلى تل أبيب، رداً على الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة التي دخلت شهرها الرابع.
ورغم محدودية الخسائر الفعلية الناجمة عن هجمات الحوثيين البحرية في البحر الأحمر، بادرت واشنطن إلى التطوع بالدفاع عن إسرائيل والتصدي بنفسها إلى مهمة وقف هجمات الحوثيين، بحجة أن تلك الهجمات تستهدف سفناً غير إسرائيلية، وترفع أعلام دول أخرى، أمريكية أو بريطانية أو غيرهما من الدول الغربية.
لكن بالنظر إلى هذا التبرير سنجده أنه يغفل حقيقة أن تلك السفن الغربية ليست سوى حلقة رئيسية في سلاسل إمداد إسرائيل بأسلحة ومعدات تستخدم مباشرة في الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، القضية التي تحولت إلى قضية رأي عام عالمي، وأن تلك السفن محملة بسلع ومعونات تخفف من وطأة الحرب في غزة على الاقتصاد الإسرائيلي، ما يؤكد على الدور الأمريكي المتحيز بدلاً من العمل على إيجاد حلول تؤدي إلى سلام في المنطقة باعتباره الراعي الدولي للسلام العربي-الإسرائيلي.
تظن واشنطن أن تدخلها يُضيق نطاق المواجهة ويحصره في غزة، وهي لا تدري أنها بذلك تقوم بتوسيع المواجهة دولياً وليس فقط إقليمياً، وهو الأمر الذي يقلق الكثيرين في المنطقة.
ومن خلال هذا المشهد العسكري المحتقن جنوب البحر الأحمر، وتحديداً من منظور عسكري عملياتي بحت، وعلى خلفية أن واشنطن وجهت ضربات لما يقرب من 80 هدفاً عسكرياً في اليمن. هناك سؤال منطقي، وهو إذا كانت الولايات المتحدة تملك تلك القائمة الكبيرة من الأهداف والمواقع العسكرية التابعة للحوثيين، فلماذا لم تتحرك طوال السنوات السابقة لمواجهة الخطر الحوثي ولو بضربات تكتيكية منتقاة كتلك الأخيرة؟
منذ 2016 واشنطن لم تقم بعملية عسكرية واحدة ضد الحوثيين، وكانت تتابع الاعتداءات الحوثية المتكررة على الأراضي والمواقع السعودية والإماراتية، فضلاً عن السيطرة بالقوة على أجزاء من الأراضي اليمنية بما فيها العاصمة صنعاء ضد الشرعية هناك. ورغم كل ذلك لم تحرك ساكناً ضد الحوثيين إلا الآن وهو ما يثير في الأذهان تلك القاعدة المعروفة حول ازدواجية المعايير الأمريكية.
من الأمور الغريبة في هذه الحملة العسكرية أن واشنطن تبلغ الحوثيين مسبقاً بعمليات القصف قبل تنفيذها، وهو ما يسمح لهم بنقل بعض الأسلحة والمعدات المهمة، ووضع الصواريخ الباليستية بمخابئ في مناطق سكنية بمدينة صنعاء. لكن يمكن فهم هذا الإجراء الأمريكي الغريب من أنها تطابق التصريحات الأمريكية والحوثية أيضاً بعدم الرغبة في توسعة الحرب لتشمل أطرافاً آخرين في المنطقة (إيران) وهو ما يعني أن واشنطن لا تزال متمسكة بقواعد اللعبة مع إيران، ولا تزال ملتزمة بقواعد الاشتباك الإقليمية المتوافق عليها.
يبدو للمراقب أن التحرك العسكري الأمريكي في الأيام الماضية، لم يأتِ ليبعث برسائل قوية تردع مليشيات الحوثي ومن يرعاها عن تقويض الاستقرار الإقليمي، بقدر أنه جاء ليؤكد استمرار التخبط والتذبذب في مواقف واشنطن وتحركاتها الخارجية، وليؤكد صحة مواقف دول المنطقة ورشادة سياساتها التي باتت تبحث عن أهدافها الوطنية ومصالح وأمن شعوبها، دون تعارض أو إخلال بالتوازن والانفتاح في علاقاتها مع مختلف الأطراف والدول الإقليمية والعالمية.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة