الإمارات وكوريا الجنوبية.. محفزات التقارب
حرص الإمارات على تطوير العلاقة مع كوريا الجنوبية يأتي من باب خلق فرص جديدة ومد جسور التواصل مع الأسواق الناشئة لدعم رؤية الإمارات
التوجه شرقاً ليس خياراً بل ضرورة، لذلك كانت زيارة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، إلى كوريا الجنوبية في 26 فبراير/شباط الجاري، حاملاً معه لغة الساعة وهموم المستقبل، خاصة أنه يدرك أن العلاقات الدولية لم تعد تبنى على العبارات، وإنما على الشراكات والمصالح والاستثمار والاستقرار.
لهذا يأتي حرص الإمارات على تطوير العلاقة مع كوريا الجنوبية من باب خلق فرص جديدة ومد جسور التواصل مع الأسواق الناشئة لدعم رؤية الإمارات التي تستهدف التحول إلى محطة لخلق فرص استثمارية بديلة عبر إنشاء ممرات آمنة لاستثمارات طويلة الأجل، إضافة إلى حرص الإمارات على إعادة ترسيخ تحالفات سياسة مستدامة قائمة على الفهم المشترك لطبيعة التحديات وأهمية الاستقرار ورعاية الاختلاف في المواقف السياسية.
كوريا نموذج متميز في شرق آسيا
وتمثل كوريا الجنوبية نموذجا تنمويا متميزا في شرق آسيا، يقوم على الابتكار والإبداع والمعرفة؛ ما يعد أساسا صلبا لتعزيز العلاقات مع الإمارات التي تعطي أهمية كبيرة لقضايا الابتكار ونقل التكنولوجيا وإنتاجها وتنمية الموارد البشرية التي تمثل صلب استراتيجياتها التنموية وخططها للتنويع الاقتصادي.
في المقابل، تحمل الإمارات أولوية خاصة في الوعي الاستراتيجي لكوريا الجنوبية، لا سيما أن الإمارات تمثل سوقاً كبيرة للبضائع والاستثمارات الكورية، ناهيك عن أن الإمارات عُرفت بثبات علاقاتها واستقرارها وأدوارها، إضافة إلى أن محركات السياسة الإماراتية الخارجية أصبحت ذات أبعاد اقتصادية واستثمارية أكبر، وهي التي تقود التوجه شرقاً إلى بكين ونيودلهي وإسلام آباد وغيرها.
كما تعي كوريا الجنوبية أهمية الإمارات في ظل موقعها الجغرافي الهام بين قارات العالم، كذلك في ظل تمتّعها باحتياطات كبيرة من النفط والغاز والموارد الطبيعية؛ ما يجعلها منطقة جذب للاستثمارات العالمية.
وترتبط الإمارات وكوريا الجنوبية بعلاقات فريدة شهدت تقدماً خلال فترة قصيرة نسبياً بدءاً من إقامة العلاقات الدبلوماسية في عام 1980 مروراً بإقامة الشراكة الاستراتيجية في عام 2009.
دوافع تغذي التقارب
في هذا السياق، فإن ثمة دوافع عدة تغذي تقارب الإمارات وكوريا الجنوبية، أولها حرص الإمارات على تطوير الشراكة مع كوريا الجنوبية في ظل سياسة إماراتية تقوم على تنوع الحلفاء، وثانيهما تصاعد دور جديد للإمارات على خارطة العالم.
ومن جهتها تدرك سيؤول أن الإمارات فاعل أساسي في منطقة الشرق الأوسط، ولذلك تؤمن أن مد جسور الود مع الإمارات يضمن المصالح الكورية الجنوبية في المنطقة، كما تتلاقي أبو ظبي وسيؤول في إطار بناء نظام دولي متعدد الأقطاب.
والأرجح أن ثمة توافقا سياسيا بين الإمارات وكوريا الجنوبية بشأن عدد واسع من القضايا العالمية والإقليمية سواء في الأزمة السورية أو القضية الفلسطينية، كما تبذل الدولتان جهداً لا تخطئه عين في تقديم الدعم الإنساني للدول التي تعاني من الكوارث الإنسانية، مثل سوريا واليمن ومخيم الزعتري في الأردن.
تجدر الإشارة إلى أن كوريا ثمنت دور الإمارات الإنساني والإغاثي والتنموي في دعم المحافظات والمدن اليمنية المحررة خاصة الساحل الغربي، واعتبرته نموذجا عالميا يحتذي به في السياسة الإنسانية.
في المقابل، الإمارات العربية وكوريا الجنوبية تدركان أن تعاونهما من شأنه أن يعزز مصالحهما الاستراتيجية ناهيك عن أن هناك مناطق جغرافية أخرى حول العالم تتشابك فيها المصالح الإماراتية الكورية، وتوجد درجة كبيرة من التنسيق بين الدولتين في ملفات متعددة فيها، وهي مصالح تؤثر في بعضها بعضًا، حيث إن القيادة الإماراتية والكورية تعيان أهمية تنسيق الرؤى والمواقف من أجل تحقيق قدر أكبر من التعاون بينهما.
17 مليار دولار تبادل تجاري بين البلدين
ويرتبط الدافع الثاني بتصاعد حجم المبادلات التجارية والاستثمارات بين البلدين، كشف عنها الاتفاقات الموقعة والاستثمارات الضخمة المعلنة والمبنية على قدرات الإمارات الإنتاجية، ووصل معدل التبادل التجاري إلى نحو 17 مليار دولار بنهاية عام 2018، كما بلغ حجم الاستثمارات بين البلدين 1,85 مليار دولار، منها 1,4 مليار دولار استثمارات إماراتية في كوريا الجنوبية.
في المقابل يُعد سوق دولة الإمارات العربية المتحدة منذ عام 2018 الوجهة الأكبر عالميا لشركات البناء الكورية، وكذلك أكبر مستورد للسلع الكورية في الشرق الأوسط، وبلغ عدد الشركات الكورية المسجلة في الإمارات 70 شركة، وعدد الوكالات وصل إلى 242 وكالة، كما يقوم طيران الإمارات والطيران الكوري بتنظيم ما يقرب من 21 رحلة طيران أسبوعياً إلى كوريا الجنوبية.
والحقيقة أن التعاون الاقتصادي المتصاعد ومعظم الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، لم تكن نشاطات طارئة، فقد بدأت العلاقات تتجه نحو الشراكة الشاملة في العديد من المجالات منذ عام 2011.
وتبدي كوريا الجنوبية حرصاً شديداً على تطوير ودفع مجالات التعاون الاقتصادي مع الإمارات، وكشف عن ذلك إشادة الرئيس الكوري مون جيه بالتجربة الإماراتية عشية زيارته لأبوظبي في مارس/آذار الماضي، حيث قال "إن الإمارات حققت معجزة وسط الصحراء عبر سلوكها طريق النماء والازدهار والإصلاح والابتكار"، ووصف جهود الإمارات بشأن استعداداتها للثورة الصناعية الرابعة، وإنشاء لجنة معنية بها بأنها "جهود حكيمة من شأنها توفير محرك للنمو المستقبلي".
خلف ما سبق، فإن قطاع البتروكيماويات الإماراتي يُعد أحد محفزات التقارب، حيث يلعب دوراً مهماً كمزود أساسي للنهضة الصناعية الضخمة في كوريا الجنوبية، وتأتي الإمارات في مرتبة متقدمة ضمن الدول المزودة لكوريا الجنوبية باحتياجاتها النفطية، وشكلت الصادرات النفطية الإماراتية لكوريا الجنوبية بنهاية عام 2017 نحو 6,99 مليار دولار من إجمالي 9,55 مليار دولار.
الشراكة في إنتاج الطاقة النووية
أما الدافع الرابع للتقارب فيعود إلى حرص البلدين على تعزيز شراكتهما في إنتاج الطاقة النووية السلمية ومجالات الفضاء، فنووياً تم توقيع عقد مشروع "براكة" لإنشاء محطة الطاقة النووية في عام 2009 الذي يعد من المشاريع الضخمة في مجال الطاقة النووية السلمية بالعالم والأول من نوعه في المنطقة العربية.
ويهدف المشروع إلى دعم قدرات الإمارات في مجال الطاقة النووية النظيفة من خلال تطوير 4 محطات متطابقة في آن واحد تضم كل منها مفاعلا من طراز "بي آر-1400" المتقدم، ما يؤدي إلى تنويع مصادر الطاقة بالإمارات.
وفي مجال الفضاء وتطوير الأقمار الصناعية، قامت كوريا الجنوبية بتصدير اثنين من الأقمار الصناعية للإمارات، وهما "Dubai-Sat1" و"Dubai-Sat2"، كما تتم عمليات التفتيش النهائي على القمر الصناعي "KALIFA-Sat" في كوريا منذ فبراير 2018؛ وهو أول قمر صناعي مصنوع من تكنولوجيا الإمارات.
ويعد التعاون النووي والفضائي رافعة أساسية للتقارب بين سيؤول وأبو ظبي، حيث لعب دوراً حيوياً في تنمية العلاقات الثنائية وتعزيز الشراكة الاستراتيجية.
أما الدافع الخامس، فيرتبط بتنوع وتكاثر أوجه التعاون في المجالات التقليدية، أبرزها مجالات الدفاع والثقافة والإدارة الحكومية، إضافة إلى التعاون في مجال الرعاية الصحية، حيث وقعتا أبو ظبي وسيؤول في عام 2011 مذكرة تفاهم للتعاون في مجال الرعاية الصحية هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وسعت البلدان من خلال التعاون في المجال الصحي، إلى أن تصبح الإمارات مركزاً طبياً في الشرق الأوسط.
كما تمثل السياحة الإماراتية إحدى الروافد المهمة في تطوير العلاقة بين البلدين، حيث تأتي الإمارات في صدارة الدول المصدرة للسياحة إلى كوريا الجنوبية خاصة السياحة العلاجية والترفيهية، وارتفع عدد السياح القادمين من الإمارات في عام 2017 بنسبة 20%، فيما سجل السائح الإماراتي أعلى معدل للإنفاق، حيث وصل إلى نحو 1285 درهماً يومياً، بحسب تقديرات هيئة السياحة في جزيرة جيجو في كوريا الجنوبية.
تأسيساً على ما سبق، فإن العلاقة بين الإمارات وكوريا الجنوبية تبقى مرشحة لمزيد من التقارب، ولم تكن زيارة محمد بن زايد ولي عهد أبو ظبي على أهميتها وحدها هي الكاشفة عن عمق العلاقة، ففي أكتوبر الماضي عُقد الاجتماع الأول للحوار الدبلوماسي والأمني بين البلدين بالعاصمة الكورية الجنوبية "سيؤول".
على صعيد متصل فإن ثمة أهدافا مشتركة تجمع البلدين منها حرصهما على تعزيز السلم والأمن في العالم، وتعزيز التعاون في مكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة، وكان بارزاً، هنا، توقيع أبو ظبي وسيؤول في فبراير 2016 مذكرة تفاهم للتعاون في المجال الأمني ومكافحة الإرهاب.
القصد أن ثمة دوافع تقليدية وغير تقليدية تغذي التقارب الإماراتي الكوري، فبالإضافة إلى التعاون والروابط المشتركة في المجالات الدفاعية والعسكرية، تتشارك الدولتان في العديد من الأهداف والاستراتيجيات المشتركة فيما يتعلق بالتجارة والاستثمار والمشاريع المشتركة والاقتصاد القائم على المعرفة والأنظمة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والحكومة الإلكترونية، فضلاً عن الطاقة النظيفة والمتجددة.
aXA6IDMuMTQ1LjE2MS4xOTQg جزيرة ام اند امز