الإمارات وكوريا الجنوبية.. زيارات واتفاقات تعزز "الشراكة الاستراتيجية"
مباحثات متواصلة وزيارات متبادلة بين القادة والمسؤولين بالإمارات وكوريا الجنوبية تعزز وتعمق "الشراكة الاستراتيجة الخاصة" بين البلدين.
"شراكة استراتيجية خاصة" تم تتويجها بقمة عقدت في دبي، مساء الأحد، بين الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي ورئيس كوريا الجنوبية "مون جي إن"، تم في أعقابها توقيع عدة اتفاقيات لتعزيز التعاون بين البلدين في عدة مجالات.
وكانت "الشراكة الاستراتيجية الخاصة" بين البلدين قد تم تدشينها في مارس/آذار 2018، خلال زيارة الرئيس مون إلى أبوظبي، وشهدت انطلاقة جديدة مع الزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى كوريا الجنوبية يومي 26 و27 فبراير/شباط 2019.
وتخلل تلك الزيارات المتبادلة لقادة البلدين مباحثات هاتفية متواصلة بينهما، وزيارات ومباحثات متواصلة لمسؤولي البلدين التي تمتد العلاقات بينهما إلى 42 عاما.
وأسهمت تلك الزيارات والمباحثات والاتفاقيات في ترسيخ شراكة استراتيجية أعمق وأوسع وأقوى، ورسم خارطة طريق لتطويرها نحو آفاق أرحب في المستقبل.
زيارة مثمرة
وأجرى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم مباحثات في مقر إكسبو 2020 دبي مع رئيس كوريا الجنوبية "مون جي إن "، خلال زيارته التي يجريها للإمارات حاليا، وشهدت برنامجا حافلا ونتائج مثمرة في يومها الأول.
وأكد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم على عمق الشراكة الاستراتيجية بين دولة الإمارات والجمهورية الكورية في ظل ما تشهده العلاقات القوية بين البلدين من تطور ونمو مستمر، ما يعكس حرص قيادة الدولتين على تنمية هذه العلاقات وتوثيق الترابط والتواصل الفعال وأوضح أن الإمارات هي الشريك التجاري الأول عربيا لكوريا الجنوبية.
وأضاف: "نعتز بمستوى التقدم والتعاون بين البلدين في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية الكبرى المشتركة بين الجانبين ومن بينها مشروع محطة براكة للطاقة النووية والتي تعد أبرز صور التعاون الوثيق والأكبر في تاريخه والتي تقام للمرة الأولى في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا".
وأكد أن العلاقات الإماراتية-الكورية حققت قفزات نوعية في عدد من القطاعات الحيوية".
وشهد الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم والرئيس الكوري توقيع عدد من الاتفاقيات ومذكرات التعاون، من بينها مذكرة تفاهم بين وزارة الدفاع الإماراتية وإدارة برنامج استحواذ الدفاع في كوريا بشأن التعاون المتوسط وطويل الأمد في مجالات الصناعات الدفاعية وتكنولوجيا الدفاع.
كما تم توقيع ثلاث مذكرات بين مجلس التوازن الاقتصادي والجهات والشركات الكورية، وتوقيع ثلاث اتفاقيات بين شركة "أدنوك" وعدد من الجهات والشركات الكورية.
وقبيل المباحثات، شهد رئيس كوريا الجنوبية وقرينته كيم جونغ سوك احتفال بلادهما بيومها الوطني في إكسبو 2020 دبي، وكان في استقبالهما الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح والتعايش المفوض العام لإكسبو 2020 دبي.
ويعد جناح جمهورية كوريا الجنوبية أحد أكبر خمسة أجنحة في إكسبو 2020 دبي، إذ يمتد على مساحة تزيد على 4650 متراً مربعاً، ويتميز بتصميمه المعماري العصري الفريد وواجهته الديناميكية دائمة التغير تفاعلاً مع حركة الزوار.
أيضا شارك الرئيس الكوري، الأحد، في الاجتماع التي نظمته غرفة تجارة وصناعة أبوظبي بالتعاون مع رابطة التجارة الدولية الكورية"كيتا" الذي جمع المتخصصين والمعنيين في قطاعي الطاقة المتجددة والهيدروجين الأخضر بالبلدين لبحث سبل التعاون في الانتقال إلى اقتصاد الهيدروجين.
وتم على هامش الاجتماع عقد اتفاقية تعاون وتفاهم بين الاتحاد لتأمين الصادرات وشركة كوريا الجنوبية للتأمين التجاري.
زيارات متبادلة
تأتي زيارة رئيس كوريا الجنوبية للإمارات بعد يومين من مباحثات هاتفية بين الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، وجيونغ وي يونغ، وزير خارجية جمهورية كوريا الجنوبية، لتعزيز علاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية في المجالات كافة.
مباحثات جاءت بعد 3 شهور من زيارة وزير خارجية كوريا إلى الإمارات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في زيارة التقاه خلالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، حيث جرى بحث علاقات الصداقة والشراكة الاستراتيجية المتميزة بين البلدين في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والاستثمارية وغيرها.
وفي الشهر نفسه، ترأس صقر غباش رئيس المجلس الوطني الاتحادي الإماراتي وفدا برلمانيا قام بزيارة رسمية إلى كوريا الجنوبية، التقى خلالها عددا من المسؤولين من بينهم كيم بو كيوم، رئيس الوزراء الكوري، وبارك يونغ سوك رئيس الجمعية الوطنية الكورية، وذلك بهدف تعزيز العلاقات الثنائية بين الجانبين، تجسيداً لعلاقات الشراكة الاستراتيجية القائمة بين البلدين.
وكان بارك يونغ سوك، رئيس الجمعية الوطنية لجمهورية كوريا الجنوبية "البرلمان"، قد أجرى زيارة للإمارات في فبراير/شباط الماضي، التقاه خلالها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
وتناول اللقاء العلاقات الوثيقة بين البلدين وسبل تطويرها في مختلف المجالات.
على صعيد المباحثات العسكرية، التقى الفريق الركن حمد محمد ثاني الرميثي، رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية، في 14 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي بدبي الفريق أول وون إن تشول، رئيس هيئة الأركان المشتركة لكوريا الجنوبية.
وجرى خلال اللقاء، استعراض علاقات التعاون خاصة ذات الصلة بالشؤون العسكرية والدفاعية وسبل تعزيزها وتنميتها بما يخدم المصلحة المشتركة.
وفي 13 سبتمبر/أيلول الماضي، استقبل محمد بن أحمد البواردي، وزير الدولة الإماراتي لشؤون الدفاع، بارك جيه مين نائب وزير الدفاع الوطني الكوري، حيث جرى بحث العلاقات الثنائية والسبل الكفيلة بدعمها وتطويرها، خاصة في المجال العسكري والدفاعي.
وفي 23 مارس/آذار الماضي، عقدت في أبوظبي اجتماعات اللجنة العسكرية المشتركة العليا الثامنة بين البلدين.
على صعيد المباحثات الاقتصادية، أعلنت الإمارات وكوريا الجنوبية 14 أكتوبر/تشرين الأول الماضي بيان نوايا مشترك لبدء محادثات اتفاقية شراكة اقتصادية، وذلك خلال لقاء الدكتور ثاني بن أحمد الزيودي، وزير الدولة الإماراتي للتجارة الخارجية، مع وفد رسمي رفيع المستوى من كوريا الجنوبية برئاسة يو هان-كو وزير التجارة.
وستضع اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة إطارا شاملا للتعاون المستقبلي بين البلدين، وتعد الأولى من نوعها في الشرق الأوسط.
جاءت زيارة الوفد الكوري للإمارات بعد شهر من اجتماع عبر المنصات الافتراضية المرئية عقد بين الجانبين، لبحث سبل تطوير علاقات التعاون الاقتصادي والاستثماري.
42 عاما.. قفزات نوعية
وتعد العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وجمهورية كوريا الجنوبية نموذجا يحتذى في العلاقات الدولية منذ تأسيس العلاقات الدبلوماسية بينهما عام 1980.
وحققت العلاقات بين البلدين قفزات نوعية منذ تأسيسها قبل 42 عاما لتصل إلى مرحلة إقامة الشراكة الاستراتيجية في عام 2009، وتطورت إلى مستوى أعلى مع توقيع عقد مشروع "براكة" لإنشاء محطة الطاقة النووية في العام نفسه، أولى المحطات النووية السلمية في العالم العربي.
وتطورت العلاقة إلى مستوى "الشراكة الاستراتيجية الخاصة" خلال زيارة الرئيس الكوري إلى أبوظبي مارس/آذار 2018، وشهدت انطلاقة جديدة مع الزيارة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، إلى كوريا الجنوبية يومي 26 و27 فبراير/شباط 2019، والتي تم خلالها توقيع 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم وتعاون بين الدولتين.
وترتكز الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين على مجموعة من المقومات والعوامل، أهمها: الإرادة السياسية القوية لدى قيادتي الدولتين للارتقاء بمسار العلاقات في جميع المجالات، وتوافق الرؤى إزاء مجمل القضايا الإقليمية أو الدولية، والإدراك التام لطبيعة المصالح المشتركة، إلى جانب تطابق أهداف النموذج التنموي الذي تتبناه الدولتان والذي يستهدف بناء اقتصاد قائم على المعرفة والاستثمار في بناء الإنسان.
ولعب القطاع الثقافي خلال العقود الأربعة الماضية، دورا أساسيا في تعزيز الثقة والحوار المتبادل وأواصر الثقافة والمحبة بين الشعبين الصديقين، وذلك من خلال تأسيس أرضيات مشتركة وفضاءات يلتقي عبرها المبدعون من كلا البلدين للتعرف على المجتمع من الداخل وعاداته وتقاليده.
ويمتلك البلدان رؤية ثقافية مشتركة تحث على الاحتفاء بمختلف ثقافات العالم ونشر السلام والتسامح والتبادل المعرفي، وفي ظل هذا التفاهم المشترك، جاء إطلاق مبادرة الحوار الثقافي الإماراتي الكوري لعام 2020، التي تعتبر مثالاً يحتذى بها لتأسيس علاقات دولية بناء على الاحترام والتسامح والاهتمام بالتعرف على الآخر.
وخلال أزمة "كوفيد19" قدمت الإمارات وكوريا الجنوبية نموذجا متميزا للتعاون والتآزر بين دول العالم، عبر تبادل الخبرات والتجارب والإجراءات الحكومية لمواجهة الجائحة.. وقدمت الإمارات المساعدة بإجلاء المواطنين الكوريين وعائلاتهم من طهران أثناء ذروة تفشي الفيروس في المنطقة.
كما تلعب الدولتان دوراً رائداً في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، وسبق أن أعرب البلدان "عن تصميمهما على تعزيز التعاون في القضايا العالمية بوصفهما شريكين يحملان قيم السلام نفسها والتسامح والتعايش".
بلغة الأرقام
تعد دولة الإمارات الشريك التجاري الأكبر لكوريا الجنوبية في العالم العربي وبلغت قيمة التبادل التجاري الثنائي بينهما أكثر من 9.4 مليار دولار في عام 2020.
ونمت التجارة غير النفطية في الأشهر الستة الأولى من عام 2021 إلى 2.1 مليار دولار .. وفي السنوات الأخيرة ركز الاستثمار الأجنبي المباشر من كلا البلدين على الصناعات الوطنية المهمة من الناحية الاستراتيجية مثل الطاقة المتجددة والنووية والهيدروكربونات والرعاية الصحية والخدمات اللوجستية.
وتشمل المشاريع البارزة محطة براكة للطاقة النووية في أبوظبي بتكلفة 20 مليار دولار والتي أشرفت على إنشائها شركة كوريا للطاقة الكهربائية ضمن تكتل ضم أيضا هيونداي وسامسونغ وكوريا للطاقة المائية والنووية و"دوسان" للصناعات الثقيلة والبناء.
وتحتضن الإمارات أكثر من 13 ألف مقيم كوري جنوبي، ولديهم استثمارات في أكثر من 1000 شركة في مختلف المجالات والقطاعات بأسواق الدولة، فيما تستقبل الإمارات أكثر من 200 ألف زائر كوري جنوبي سنويا.