في توقيت إقليمي شديد الحساسية، تأتي تغريدة الدكتور أنور قرقاش، المستشار الدبلوماسي لرئيس دولة الإمارات، لتضع النقاط على الحروف.
تغريدة لا من باب الرد الانفعالي، بل من موقع الدولة الواثقة بمسارها، والمدركة لطبيعة التحولات والاصطفافات، والعارفة بأن الحملات لا تُقاس بضجيجها، بل بقدرتها على تغيير الواقع.
ما أشار إليه الدكتور قرقاش ليس جديدًا على من يقرأ المشهد بوعي؛ فالحملات التي تستهدف الإمارات، سواء من مصادر متوقعة أو من أطراف خيّبت الظن، تعكس في جوهرها أزمات داخلية تعجز عن المواجهة، فتلجأ إلى الهروب إلى الأمام، وإسقاط إخفاقاتها على الخارج. لذلك بدت تلك الحملات، رغم حدّتها، معدومة النتائج، لأنها لم تنطلق من قراءة واقعية، ولا من فهم لطبيعة الدور الإماراتي.
أولًا: احترام إرادة الشعوب لا وصاية عليها
حين تؤكد الإمارات أن رغبة السودانيين في السلام والحكم المدني هي مطالبهم الأصيلة، فهي تعيد النقاش إلى مساره الأخلاقي والسياسي الصحيح. فالدولة التي بنت سياستها الخارجية على احترام السيادة وعدم فرض الوصاية، لا يمكن أن تُتهم بمصادرة إرادة الشعوب.
السلام في السودان، كما الحكم المدني، ليسا مشروعًا خارجيًا، بل حلم شعب أنهكته الصراعات، وأي محاولة لتصوير الدعم الإنساني والسياسي على أنه تدخل، إنما هي قراءة مشوّهة للواقع.
ثانيًا: حق تقرير المصير.. قراءة مشروعة لا مؤامرة
وفي ملف الجنوب، يبرز المبدأ نفسه: حق تقرير المصير ليس شعارًا إماراتيًا، بل حق كفله القانون الدولي، وإرادة عبّر عنها أهل الإقليم أنفسهم. إن تحميل الإمارات مسؤولية خيارات الشعوب هو تجاهل متعمد لحقيقة أن الأزمات لا تُحل بإنكار جذورها، بل بالاعتراف بها وإدارتها بحكمة.
ثالثًا: لا زعامة مصطنعة ولا نفوذ على حساب الآخرين
واحدة من أكثر النقاط وضوحًا في خطاب الدكتور قرقاش هي نفي السعي إلى الزعامة أو النفوذ. فالإمارات، بخلاف تجارب إقليمية مأزومة، لا تؤمن بمفهوم «النفوذ مقابل الفوضى»، بل تعمل مع شركائها على نموذج الاستقرار والتنمية.
دورها الإقليمي لم يُبنَ على تصدير الأزمات، بل على بناء الجسور، ودعم الاقتصاد، ومحاربة التطرف، وتجفيف منابعه الفكرية والمالية.
رابعًا: الشراكة كما تراها الإمارات
الفقرة الأخيرة من التغريدة تختصر فلسفة إماراتية كاملة: الشراكة تُبنى على الثقة والوضوح والتكافؤ.
وهذه ليست عبارة دبلوماسية، بل منهج عمل. فالإمارات لا تقبل شراكات رمادية، ولا تحالفات قائمة على الابتزاز أو ازدواجية الخطاب. من يشاركها، يشاركها بندّية واحترام متبادل، ومن يختلف معها، فباب الحوار مفتوح، دون حملات تشويه أو تصعيد إعلامي رخيص.
خلاصة القول
ما تواجهه الإمارات اليوم ليس اختبارًا لشرعية مواقفها، بل اختبار لوعي المنطقة. فالدول تُقاس بأفعالها لا بالشعارات، وبسجلها في الأزمات لا بخطابها في المنابر.
ومن يقرأ تاريخ الإمارات في دعم الاستقرار، والعمل الإنساني، وبناء الشراكات المتوازنة، يدرك أن الضجيج العابر لن يغيّر مسار دولة اختارت أن تكون جزءًا من الحل، لا وقودًا للصراع.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة