تقدّم الجدارية الإحصائية لدولة الإمارات، التي اطّلع عليها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم خلال الاجتماعات السنوية لحكومة الإمارات 2025، شهادة حيّة على مسيرة ممتدة عبر 54 عامًا من البناء المتواصل.
وقد أصبحت أصبحت الأرقام لغة دقيقة تلخّص قصة التنمية والتحول في الدولة منذ نشأتها.
وتُعدّ محطة عام 1975، التي شهدت إجراء أول تعداد سكاني في تاريخ الإمارات، نقطة الانطلاق الأساسية في بناء منظومة إحصائية وطنية مكّنت الدولة من تأسيس قاعدة بيانات واضحة يعتمد عليها التخطيط الحكومي، ورسم السياسات، وتوجيه الأولويات في سنوات التأسيس.
ومع التوسع المؤسسي في الثمانينيات، أخذ العمل الإحصائي بعدًا أعمق، إذ بدأت الإمارات في تطوير أدوات جمع البيانات وتنسيقها بين الجهات الحكومية، ليصبح الإحصاء عنصرًا ملازمًا لجهود التخطيط التنموي. أما في التسعينيات، فقد تحول الإحصاء إلى ركيزة لاتخاذ القرار، حيث أصبحت البيانات جزءًا جوهريًا من صياغة الاستراتيجيات الوطنية، ومؤشرًا يُستند إليه في تقييم الأداء وتحديد مسارات التطوير.
ومع مطلع الألفية الجديدة، انطلقت الدولة نحو مرحلة جديدة من التطوير الإحصائي عبر توحيد المنهجيات بين الجهات الاتحادية والمحلية، بما يتوافق مع المعايير العالمية، وهو ما أسهم في تعزيز جودة البيانات وزيادة موثوقيتها، ودعم حضور الإمارات في مؤشرات التنافسية الدولية. وقد سمح هذا التطور بتشكيل منظومة إحصائية أكثر انسجامًا تخدم رؤية الدولة وتواكب سرعتها في النمو والتحول.
ومع تسارع التحول الرقمي بعد عام 2020، بدأت الإمارات في بناء نموذج جديد يقوم على الإحصاء الذكي، الذي يعتمد على البيانات الضخمة، والتقنيات المتقدمة، والذكاء الاصطناعي. وأصبحت البيانات اليوم جزءًا رئيسيًا من عملية صنع القرار، ومن أدوات تطوير السياسات في مختلف القطاعات.
وقد انعكس هذا التحول في التقارير التي يعرضها المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، وفي مقدمتها «أرقام الإمارات الموحدة 2025» الذي يوثّق أحدث التطورات والمعطيات الهيكلية في الدولة.
ويعكس شعار «50 عامًا من أرقام الإمارات» روح الإنجاز المتراكم عبر نصف قرن، إذ يوثّق المعرض المصاحب للجدارية تطور قطاع الإحصاء منذ إنشاء وزارة التخطيط وحتى تأسيس المركز الاتحادي للتنافسية والإحصاء، وما تخلل ذلك من مراحل تطوير شملت بناء قواعد بيانات وطنية، واعتماد معايير موحدة، والتحول نحو النظم الرقمية والذكية.
وتُبرز الجدارية هذا المسار الطويل بوصفه أحد أهم عوامل نجاح التجربة الإماراتية، إذ مكّن الدولة من اتخاذ قرارات مبنية على المعرفة، ودعم خططها التنموية الطموحة.
إن استعراض الشيخ محمد بن راشد للجدارية الإحصائية يؤكد حجم الإنجاز الذي تحقق عبر 54 عامًا، ويعكس قناعة راسخة بأن التنمية تقوم على قراءة دقيقة للواقع عبر الأرقام، وأن المستقبل يُبنى حين تتحول البيانات إلى رؤية، والرؤية إلى خطط، والخطط إلى نتائج ملموسة.
وهكذا أصبحت الإمارات مثالًا على دولة تجعل من الإحصاء أداة قيادية في مسيرتها، ومن الرقم شاهدًا على العمل، ودليلًا على الإنجاز، وجسرًا نحو ما هو قادم.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة