الإمارات بقمة سويسرا.. دبلوماسية متوازنة تعزز جهود حل أزمة أوكرانيا
تتوج المشاركة الإماراتية في قمة سويسرا بشأن السلام في أوكرانيا حراكها السياسي والدبلوماسي والإنساني المتواصل لحل الأزمة الأوكرانية.
مشاركة تأتي بعد أيام من مشاركة دولة الإمارات في مؤتمر تعافي أوكرانيا، الذي عُقد يومي 11 و12 يونيو/ حزيران الجاري في برلين بألمانيا، وأعربت خلاله عن التزاماتها تجاه الشعب الأوكراني وتحقيق التعافي وإعادة الإعمار.
جهود متتالية تبرز حرص المجتمع الدولي على إشراك الإمارات بما لها من ثقل ومكانة وعلاقات قوية مع طرفي الأزمة وبما تحظى به من ثقة دولية في كل جهد دولي لحل الأزمة، وتبرز في الوقت نفسه حرص الإمارات على الدفع قدما بحل سلمي للصراع.
أيضا تأتي مشاركة الإمارات في قمة سويسرا بعد شهرين من إنجاز دولة الإمارات وأوكرانيا مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بينهما 29 أبريل/ نيسان الماضي، تمهيدا لتوقيع الاتفاق النهائي في وقت لاحق، وذلك في إطار التزام دولة الإمارات بتحقيق شراكات قوية مع أوكرانيا من خلال إتمام اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة، كأحدث إنجاز تاريخي في العلاقات الثنائية.
كذلك تأتي تلك المشاركة بعد أسبوعين فقط من نجاح وساطة إماراتية في إتمام عملية تبادل أسرى حرب جديدة بين روسيا وأوكرانيا للإفراج عن 150 أسيراً، فيما تعد الوساطة الرابعة الناجحة من نوعها خلال العام الجاري.
نجاح الإمارات في عقد صفقات متتالية لتبادل الأسرى بين طرفي الأزمة، جاء نتيجة العلاقات القوية التي تربطها بطرفيها، وثقة الدولتين بها وبجهودها الداعمة للحوار والسلام، وتقديرهما لموقفها المتوازن من تلك الأزمة.
إضاءة
وفي ضوء تلك الدبلوماسية المتوازنة يمكن فهم موقف دولة الإمارات بشأن مشاركتها في قمة سويسرا بشأن السلام في أوكرانيا يومي 15 و16 يونيو/ حزيران الجاري من جانب، وعدم توقيعها رغم ذلك على البيان الختامي الصادر عن القمة.
أمور عدة يجب أخذها في الحسبان لفهم موقف دولة الإمارات خلال قمة سويسرا ورؤيتها في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية بشكل عام، وهي:
- مشاركة الإمارات في قمة سويسرا يأتي ضمن دبلوماسيتها الداعمة لكل جهد دولي لحل الأزمة وتعزيز التعاون الدولي في هذا الصدد.
- مشاركة الإمارات في القمة تأتي ضمن دبلوماسيتها الداعية لحل الأزمة الأوكرانية عبر الحل السياسي السلمي والحوار والتفاوض.
-موقف دولة الإمارات ينسجم مع مبادئ الخمسين التي ترسم المسار الاقتصادي والسياسي والتنموي لدولة الإمارات للخمسين سنة المقبلة.
وينص المبدأ العاشر على أن "الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية".
- امتناع دولة الإمارات عن التوقيع يصب في صالح تحقيق الحياد الإيجابي والموقف المتوازن التي تلتزم بها منذ اندلاع الأزمة قبل أكثر من عامين، والتي أتاح لها لعب دور إيجابي على طريق حل الأزمة عبر وساطات ناجحة متتالية.
- الحفاظ على هذا الموقف المتوازن يتيح لدولة الإمارات بما تملكه من علاقات قوية وصداقة مشتركة مع كل من روسيا وأوكرانيا دعم جهود فتح قنوات حوار ووساطة لحل الأزمة دبلوماسيا.
- الحياد الإيجابي خلال الأزمة، لا يعني بحال من الأحوال الموافقة على انتهاك حق أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو المساس بأمنها واستقلالها وسلامة أراضيها، بل إن هذا الحياد الإيجابي تسعى دولة الإمارات توظيفه لصالح الحفاظ على أوكرانيا واستقلالها، بل ودعم التعاون الاقتصادي معها، الأمر الذي توج بإنجاز مفاوضات اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بينهما قبل شهرين.
ستسهم الاتفاقية في دعم تعافي أوكرانيا وإعادة بناء صناعاتها الرئيسية في ضوء سعيها إلى إعادة إحياء اقتصادها، كما ستساعد في تعزيز سلاسل التوريد إلى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في ما يخص الصادرات الرئيسية لأوكرانيا، مثل الحبوب والآلات والمعادن.
- موقف الإمارات المتوازن دبلوماسيا يعزز جهودها الإنسانية الرائدة التي تأخذ على عاتقها في المقام الأول مراعاة مصلحة وأمن المدنيين المتضررين من الأزمة.
-الموقف الإماراتي من عدم التوقيع لم يكن الوحيد فهناك نحو 13 دولة لم توقع على البيان أيضا.
ومن الدول التي امتنعت عن التوقيع على البيان، إضافة إلى الإمارات، كل من: المملكة العربية السعودية وجنوب أفريقيا وأرمينيا والبحرين والبرازيل والهند وإندونيسيا وليبيا والمكسيك وتايلاند.
- امتناع الإمارات عن التوقيع لا يعني رفض الأهداف الرئيسية للبيان الختامي للقمة، ولكن لكل دولة رؤيتها وطريقتها ودورها في تحقيق تلك الأهداف.
ودعا البيان الختامي لقمة سويسرا إلى "إشراك جميع أطراف" النزاع في التفاوض لحل الأزمة، مشيرا إلى أن "التوصل إلى السلام يتطلب مشاركة جميع الأطراف وحوارا بينها"، حيث لم تتم دعوة موسكو.
كما دعا البيان الختامي كذلك إلى الإفراج عن جميع أسرى الحرب، وتعمل الإمارات بالفعل عبر دبلوماسيتها على تحقيق هذا الأمر، وتدعم جهود الحوار والتفاوض بين الطرفين.
حراك سياسي
ومنذ اندلاع الأزمة الأوكرانية قبل أكثر من عامين تقود دولة الإمارات جهودا سياسية ودبلوماسية لخفض التصعيد والدفع بحل عقلاني واقعي سلمي، يستند إلى قواعد القانون الدولي، التي تقضي باحترام سيادة الدول.
جهود قادها الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات بنفسه، حيث أجرى مباحثات عدة بشأن الأزمة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال زيارات متبادلة من الجانبين، كان أحدثها، زيارة الرئيس الروسي للإمارات 6 ديسمبر/ كانون الأول الماضي.
وتطرق اللقاء إلى مستجدات الأزمة الأوكرانية، وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في هذا السياق أن دولة الإمارات تدعم تسوية مختلف النزاعات في العالم عبر الحوار والأساليب الدبلوماسية بما يعزز السلام والأمن العالميين، وذلك انطلاقاً من نهجها الراسخ في دعم السلام والتعاون والاستقرار على المستويين الإقليمي والعالمي.
أيضا أجرى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مباحثات هاتفية عدة في نفس الإطار مع الرئيس الروسي كان من بينها 5 فبراير/ شباط الماضي، ومع الرئيس الأوكراني في 19 يناير/كانون الثاني الماضي.
وسبق أن أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان نهج دولة الإمارات الثابت في دعم السلام والاستقرار على الساحتين الإقليمية والدولية والحلول السياسية للنزاعات والصراعات، بما في ذلك الأزمة الأوكرانية من خلال خفض التصعيد والحوار والدبلوماسية.
وأكد استعداد دولة الإمارات القيام بأي دور لحل الأزمة الأوكرانية وتخفيف تداعياتها الإنسانية، مشددًا على أن "دولة الإمارات دائما ستكون موجودة"، لتهدئة الوضع ودعم الاستقرار في تلك الأزمة.
وساطات ناجحة
الموقف المتوازن للإمارات من الأزمة، وجهودها الصادقة المتواصلة لحلها على أكثر من صعيد، أثمرت عن نجاح وساطتها في إجراء 5 صفقات تبادل للأسرى بين البلدين، بينها 4 خلال العام الجاري وهي كما يلي:
31 مايو/ أيار 2024: استعادة روسيا 75 من جنودها الأسرى، مقابل استعادة أوكرانيا عدد أسرى مماثلا من روسيا.
8 فبراير/ شباط 2024: استعادة روسيا 100 من جنودها الأسرى، مقابل استعادة أوكرانيا عدد أسرى مماثلا من روسيا.
31 يناير/كانون الثاني 2024: عودة 195 جنديا إلى روسيا، مقابل استعادة أوكرانيا عدد أسرى مماثلا من روسيا.
3 يناير/كانون الثاني 2024: وساطة عاد بموجبها 248 جنديا إلى روسيا، مقابل استعادة أوكرانيا أكثر من 200 أسير، فيما تعد إحدى أكبر عمليات تبادل للأسرى بين روسيا وأوكرانيا منذ بداية الأزمة.
4 فبراير/شباط 2023: وساطة عاد بموجبها 63 أسير حرب "من الفئة الحساسة" إلى روسيا، مقابل استعادة أوكرانيا 116 أسيرا.
جهود إماراتية متواصلة لحل الأزمة استحقت شكرا وتقديرا متواصلين من العالم وطرفي الأزمة.
وأعرب الرئيس الروسي خلال اتصال جرى 5 فبراير/شباط الماضي مع الشيخ محمد بن زايد آل نهيان عن شكره وتقديره للشيخ محمد بن زايد آل نهيان، لنجاح جهود وساطة بلاده بشأن تبادل الأسرى بين روسيا وأوكرانيا .
جاءت تلك المباحثات بعد نحو أسبوعين، من مباحثات هاتفية جرت بين الشيخ محمد بن زايد آل نهيان والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي أعرب خلاله عن شكره وتقديره إلى رئيس دولة الإمارات لنجاح جهود الوساطة التي بذلتها بلاده مؤخراً ونتج عنها إحدى أكبر عمليات تبادل للأسرى بين روسيا وأوكرانيا منذ بداية الأزمة.
وأكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال الاتصال موقف دولة الإمارات الداعي إلى الحوار لإيجاد حلول دبلوماسية للأزمة الأوكرانية.
وشدد على حرص دولة الإمارات على دعم جميع المبادرات التي من شأنها التخفيف من التداعيات الإنسانية الناجمة عن الأزمة.
من جانبه، أعرب الرئيس الأوكراني عن شكره للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات للدعم الإنساني المتواصل الذي تقدمه بلاده إلى الشعب الأوكراني.
جهود إنسانية
وبالتوازي مع جهودها الدبلوماسية والسياسية المتواصلة لحل الأزمة الأوكرانية، تنشط أيضا الجهود الإنسانية لدولة الإمارات عبر تسيير جسر جوي إنساني لدعم اللاجئين الأوكرانيين والمتضررين من الأزمة.
وضمن أحدث تلك الجهود، أرسلت دولة الإمارات في 27 مارس /آذار الماضي طائرة تحمل على متنها 50 طنا من المواد الغذائية إلى أوكرانيا.
وخصصت الإمارات 105 ملايين دولار كمساعدات إنسانية لأوكرانيا، تشمل الغذاء والمستلزمات الطبية وسيارات الإسعاف والمولدات الكهربائية والحواسيب المحمولة ومستلزمات التعليم لتقديم الدعم للمدنيين في أوكرانيا ولا سيما الأطفال.
يأتي هذا في إطار حرص دولة الإمارات على بذل كافة الجهود لتوفير الاحتياجات الضرورية لكافة شعوب العالم وقت الأزمات الإنسانية، والتخفيف من حدة المعاناة وخاصة للفئات الأكثر احتياجاً من النساء والأطفال وكبار السن.