الإمارات ومصر.. مواقف تاريخية تجسِّد علاقات الأخوة والمحبة
"الإمارات ستظل على عهدها وفية لمصر وسندا قويا لها"..كلمات تاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات.
كلمات تستذكرها مصر قيادة وحكومة وشعبا بامتنان وتقدير دائمين، وتترجمها القيادة الإماراتية على أرض الواقع على مر التاريخ.
ولا يكاد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي يفوت مناسبة منذ ثورة يونيو/حزيران 2013 وحتى اليوم، إلا ويشيد فيها بالدعم الإماراتي لبلاده، وعلاقات الأخوة والمحبة التي تربطه بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان.
أحدث تلك المناسبات كانت أمس الأربعاء، خلال حضور الرئيس السيسي فعالية "قادرون باختلاف" في مصر.
أخويا وحبيبي
وعقب أداء الفنان الإماراتي حسين الجسمي فقرة غنائية ضمن فعاليات النسخة الخامسة من حفل "قادرون باختلاف"، تحدث معه الرئيس المصري قائلا: "أنا أشكرك على كلامك الجميل وأحاسيسك الجميلة.. إحنا (نحن) فعلا إخوات (إخوة).. صحيح".
وأضاف الرئيس السيسي: "أنت متعرفشي (لا تعرف) أهل الإمارات قد إيه هما حبايبنا (كم تبلغ محبتنا لهم).. والشيخ محمد بن زايد آل نهيان أخويا وحبيبي.. وجودك معانا رسالة.. متشكر جدا وكلام جميل.. دايما مع بعض في كل خير وسلام".
وتحدث الرئيس السيسي، عن مشروع تطوير رأس الحكمة، خلال كلمته في الحفل ، قائلا: "لازم أوجه الشكر لأشقائنا في الإمارات، وعلى رأسهم أخويا رئيس الدولة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان".
وأضاف: "عايز أقول لكم مش سهل أبدا إن حد (أحدًا) يحط (يضع) 35 مليار دولار في شهرين، مفيش (لا يوجد) في العالم كده (هذا).. وده (هذا) شكل من أشكال المساندة والوقوف والدعم بشكل واضح، والقرار اتاخد (تم) في ثانية ومن غير إحراج ولا أي حاجة (شيء).. أنا بسجل هنا موقف خاص بالإمارات في الموضوع ده (هذا)".
ووقعت الحكومة المصرية يوم الجمعة عقود أكبر صفقة استثمار مباشر في تاريخ مصر، بمقر الحكومة بالعاصمة الإدارية، مع الجانب الإماراتي، لتنمية منطقة رأس الحكمة بالساحل الشمالي الغربي.
وجاء التوقيع تحت عنوان مصر والإمارات "شراكة من أجل التنمية -رأس الحكمة" لتطوير شبه الجزيرة المطلة على البحر المتوسط في شمال مصر وتنفيذ مشروعات أخرى.
وذكر رئيس الوزراء مصطفى مدبولي أن الاتفاق سيجلب لمصر استثمارات بقيمة 35 مليار دولار خلال الشهرين المقبلين.
وتحصل مصر على إيرادات بنسبة 35% من المشروع بشكل كامل، وفقًا لتصريحات رئيس مجلس الوزراء المصري، الدكتور مصطفى مدبولي.
وعلق الملياردير المصري نجيب ساويرس على صفقة مشروع تطوير رأس الحكمة، قائلاً: "صفقة فريدة من نوعها وصعب أن تتكرر مرة أخرى".
وأضاف، في تصريحات تلفزيونية، أن "الصفقة جاءت في توقيت مهم للغاية، وتسهم في تدفقات دولارية كبيرة تساعد الحكومة المصرية على ضبط سعر الصرف".
وتابع ساويرس: "صفقة رأس الحكمة تشمل جانبا إنسانيا، الأشقاء في الإمارات بيحبونا، الإمارات لديها فكر منظم.. وسنشهد تطويرا مختلفا لمنطقة الساحل الشمالي".
وأكد أن صفقة تطوير مشروع رأس الحكمة جاءت في وقت تمر الحكومة المصرية بوضع غير جيد من حيث حجم الديون، الذي اقترب من 170 مليار دولار، مؤكدا أن الصفقة تسهم في ضخ سيولة دولارية في السوق، بما يساعد الحكومة على توفير الدولار للمستوردين والسيطرة على انفلات الأسعار والقضاء على السوق السوداء.
شهادة للتاريخ
موقف إماراتي تاريخي جديد يأتي من بين مواقف إماراتية عديدة مساندة لمصر وشعبها على مدار السنين يسجلها تاريخ العلاقات الأخوية بين البلدين بحروف من نور.
من أبرز تلك المواقف ما كشفه الرئيس السيسي أيضا خلال مشاركة في القمة العالمية للحكومية فبراير/ شباط 2023، في شهادة للتاريخ تكشف دور الشيخ محمد بن زايد آل نهيان في دعم مصر في أعقاب ثورة 30 يونيو/حزيران بمصر عام 2013، التي أطاحت بتنظيم الإخوان الإرهابي.
وقال الرئيس المصري، إن الدعم الذي قدمته دولة الإمارات ممثلة في الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، شكّل نقطة مضيئة لبلاده في السنوات الأخيرة، وساعدها في تجاوز الأوقات الصعبة.
وكشف عن أن الشيخ محمد بن زايد آل نهيان جاء في زيارة لمصر بعد إلقائه خطاب 3 يوليو/تموز 2013.
وتابع: "كانت الناس وقتها تقف طوابير على محطات الوقود، لا يوجد غاز، أو سولار، أو وبنزين.. جاء الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، ومعه وفد إماراتي ويعرف ما المطلوب، لم أبلغه باحتياجات مصر، هو كان يعرف، وبعدها بدأت السفن تتحول من البحر المتوسط والبحر الأحمر فيها بوتاجاز وغاز وسولار وبنزين".
وأردف الرئيس المصري: "لأكون منصفاً وأميناً الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، في هذا الوقت نظم دعم الأشقاء الذي كان يقدم لمصر، ولولاه (...).. لولا وقوف الأشقاء في دولة الإمارات والسعودية والكويت، لم تكن لمصر أن تقف مرة ثانية".
أسرع رد إنساني عالمي
على الصعيد الشعبي، منح المصريون الشيخ محمد بن زايد آل نهيان لقب صاحب أسرع رد فعل إنساني عالمي، بعد مبادرته السريعة بالتبرع بمبلغ 50 مليون جنيه مصري (3 ملايين دولار) لصالح معهد الأورام الذي تعرض لخسائر جراء الحادث الإرهابي الذي وقع أغسطس/آب 2019 بمنطقة وسط القاهرة.
وأعرب المصريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي عن جزيل شكرهم لرئيس دولة الإمارات الذين وصفوه بعاشق مصر وصاحب أسرع رد فعل إنساني، مشيرين إلى أنهم يهدونه 50 مليون دعاء، يرفعون خلالها أكف الضراعة لله أن ينعم على دولة الإمارات بالنمو والاستقرار وأن يحفظه وأهل الإمارات على وقوفهم إلى جانب مصر في مصابها الأليم.
معدن أصيل
وقد أظهرت الحروب والثورات التي شهدتها مصر على مدار تاريخها، المعدن الأصيل لدولة الإمارات وقادتها منذ المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان مرورا بالشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الراحل، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات عبر مواقف عديدة.
ولا ينسى المصريون الكلمة التاريخية للشيخ محمد بن زايد آل نهيان خلال لقائه الرئيس السيسي عقب توليه رئاسة مصر في يونيو/حزيران 2014، بأن "الإمارات ستظل على عهدها وفية لمصر وسندا قويا لها".
وفي 13 مارس/آذار 2015، أعلن الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس دولة الإمارات رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، خلال مشاركته في مؤتمر القمة الاقتصادية بشرم الشيخ، أن المساعدات الإماراتية لمصر بلغت خلال العامين الماضيين على هذا اللقاء بعد 30 يونيو/حزيران 2013، أكثر من 51 مليار درهم وشملت مجالات حيوية كالتعليم والتدريب والإسكان والنقل والمواصلات والرعاية الصحية والأمن الغذائي والطاقة وذلك وفق نموذج من الشفافية والتعاون الفريد والعمل يدا بيد بين مصر ودولة الإمارات.
وتنوع الدعم ما بين منح وقروض واستثمارات في مشروعات تنموية بل وتنظيم إدارة دعم دول شقيقة وصديقة لمصر.
وفيما يلي ترصد "العين الإخبارية" أبرز محطات الدعم عبر تاريخ العلاقات بين البلدين:
حرب 1967
من أبرز تلك محطات الدعم مواقف تعود إلى ما قبل تأسيس دولة الإمارات عام 1971، وقف خلالها المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى جانب مصر في أصعب الأوقات، وظهر ذلك جليا في أعقاب حرب يونيو/حزيران 1967، حيث سارع -وكان وقتها حاكم إمارة أبوظبي- إلى التواصل مع الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر لدعم المجهود الحربي والمساهمة في إعادة بناء القوات المسلحة المصرية.
كما بادر بمد يد العون لمصر لإزالة مخلفات العدوان الإسرائيلي، عبر إعادة بناء مدن القناة عقب الحرب.
حرب 1973.. الرئيس البطل
وبعد أقل من عامين جاءت حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، ليطل حكيم العرب على العالم بمواقف تاريخية، يخلدها تاريخ الإنسانية، أخذت أكثر من شكل، لتبرهن بشكل جلي حجم ومكانة مصر في قلب الشيخ زايد بن سلطان.
فكان قراره بوقف تصدير البترول إلى الدول المساندة لإسرائيل، معلنا أمام العالم أجمع مقولته التاريخية بأن "النفط العربي ليس بأغلى من الدم العربي".
ولم يتوقف الدعم عند هذا الحد، بل أرسل المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، سرية مشاة ميكانيكا في الجيش الثالث الميداني بقيادة نجله الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات الراحل، عندما كان ولياً لعهد أبوظبي آنذاك لمشاركة أشقائه المصريين في تحرير الأرض.
أخوة عبر عنها الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان أيضا حينما كان من أول المتبرعين بالدم لمصابي الحرب، في صورة تجسد وتوضح التضحيات التي قدمها أبناء الإمارات وقادتها دعما لمصر.
ونظرا لهذا الدور الكبير للشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في دعم مصر، كانت مقولة الرئيس المصري الراحل محمد أنور السادات بأن "الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان بطل من أبطال حرب أكتوبر عام 1973".
اتفاقية كامب ديفيد
وكما كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مساندا لمصر في الحرب، فكان داعما لها أيضا في نشر السلام.
ولا ينسى المصريون وقفة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان إلى جانب بلادهم عندما تمت مقاطعة مصر من قبل بعض الدول العربية بعد القمة العربية في بغداد عام 1978 بسبب توقيعها اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل.
حينها قال مقولته الشهيرة: "لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود من دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تستغني عن الأمة العربية".
وظل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان على تواصل مع مصر رغم مقاطعة عدد كبير من الدول العربية، ولعب دوراً بارزاً في إعادة الوئام بين الأمة العربية ومصر.
ثورة 30 يونيو 2013.. الأبناء على درب الآباء
وعلى درب الوالد المؤسس، كان أبناؤه سباقين في دعم مصر، وهو ما ظهر جليا في أعقاب ثورة 30 يونيو/حزيران بمصر عام 2013، وما عانته مصر آنذاك من ظروف اقتصادية صعبة.
وكانت دولة الإمارات بقيادتها ودبلوماسيتها وأموالها في طليعة الدول الداعمة لها لتنهض مجددا وتستعيد دورها.
وبادرت دولة الإمارات في مساعدة الجانب المصري فضلاً عن الاشتراك في استثمارات كبرى لدعم مصر.
ولطالما، أكد الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات، موقف بلاده الداعم لمصر وشعبها في تحقيق تطلعاته في الاستقرار والتنمية والبناء، مشيرا إلى أن مصر تعد ركيزة للاستقرار وصمام أمان للمنطقة بما تمثله من ثقل استراتيجي وأمني ودورها الريادي في المنطقة.
دعم أكد عليه الشيخ محمد بن زايد آل نهيان مرارا وتكرارا، قولا وفعلا، سرا وجهرا، ولا ينساه المصريون، الذي يحظى في قلوبهم بمكانة خاصة.
إنجازات مصر
لذلك، كان الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات حريصا على مشاركة مصر في كل إنجاز تحققه على طريق استعادة دورها الريادي، فشارك في افتتاح وتدشين القواعد العسكرية المصرية الجديدة، بداية من مشاركته في افتتاح قاعدة "محمد نجيب العسكرية" في يوليو/تموز 2017، مروراً بمشاركته في افتتاح قاعدة "برنيس" على البحر الأحمر في يناير/كانون الثاني 2020، وحتى حضوره افتتاح قاعدة "3 يوليو" العملاقة على ساحل البحر الأبيض المتوسط 2021، وهو ما يؤكد ويعكس قوة وخصوصية العلاقات المصرية - الإماراتية في جميع الأوقات.
49 قمة.. أرقام قياسية
ولا تكاد تمر فترة قصيرة إلا ويعقد قائدا البلدين قمما واجتماعات ومباحثات لتعزيز التعاون وبحث المستجدات وسبل مواجهة التحديات، وتبادل وجهات النظر حول كيفية دعم قضايا الأمة، حتى باتت شعوب المنطقة والعالم تترقب تلك القمم والاجتماعات وما سيسفر عنها من نتائج تسهم في الخير والازدهار والاستقرار للمنطقة.
وبلغ عدد القمم واللقاءات التي جمعت الزعيمين منذ وصول الرئيس السيسي للحكم في يونيو/حزيران 2014 نحو 49 قمة ولقاء، كان أحدثها مشاركته في الاحتفال بعيد الاتحاد الـ 52 الذي أقيم في مدينة إكسبو دبي 2 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وذلك إلى جانب مشاركته في مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP28".
جاءت تلك المشاركة بعد نحو شهر، من مشاركة الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس في أعمال "قمة القاهرة للسلام" التي افتتحها الرئيس السيسي 21 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، لبحث التصعيد الإسرائيلي في غزة.
رقم قياسي من القمم واللقاءات خلال فترة قصيرة يبرز العلاقات الأخوية المتنامية بين البلدين.
وبلقاء ديسمبر/كانون الأول، يرتفع عدد القمم واللقاءات التي جمعت الزعيمين خلال 10 سنوات إلى 49 قمة ولقاء، بحسب إحصاء لـ"العين الإخبارية"، بينها 14 لقاء وقمة جمعتهما منذ تولي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات مقاليد الحكم في 14 مايو/أيار 2022، الأمر الذي يبرز قوة العلاقات بين البلدين.
قمم ولقاءات نقلت مستوى العلاقات الثنائية خلال السنوات الأخيرة إلى مراحل متقدمة، ما أسهم في تعزيز حضورهما، كأحد أهم اللاعبين الأساسيين في المنطقة على المستويات السياسية والاقتصادية والعسكرية.