الاستقرار الشامل وحفظ عمليات السلام هما هدفان رئيسيان تسعى إليهما دولة الإمارات.
اثنان وسبعون عاماً من الصراع العربي الإسرائيلي وتوالي الاتفاقيات منذ اتفاقية كامب ديفيد بين الرئيس المصري أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن في عام 1978، التي أفضت إلى معاهدة السلام بين البلدين في 1979، تلتها مبادرات سياسية عديدة منها في أوسلو عام 1993 بعد حرب الخليج، حيث كانت المحادثات السرية بين ياسر عرفات وشمعون بيريز لتتمخض عن اتفاق عرف بمؤتمر مدريد، وقام عليه إعلان المبادئ حول ترتيبات الحكم الذاتي الانتقالي بمصادقة أميركية روسية، وبعدها بثلاث سنوات اغتالت إسرائيل يحيى عياش فردت حماس بالقنابل ليقود ذلك نحو عقد قمة صانعي السلام في مصر لمحاربة الإرهاب وعرقلة اتفاقيتين حول الخليل، ومن ثم في عام 1998 تم التوقيع على اتفاق واي ريفر بلانتيشن "الأرض مقابل السلام" كما سماها نتيناهو.
هذه المحطات مروراً بمؤتمر أنابوليس الذي نظمته الولايات المتحدة في 2007 للتوصل إلى اتفاق سلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين وغيرها، هي محاولات لجعل التفاوض والسلام هما من يقودان المشاورات السياسية بدلاً من التعنت وأيديولوجيا الأحزاب والسلاح وذهاب الأرواح والأراضي والأموال، فجاء اليوم الاتفاق التاريخي الذي عقدته الإمارات مع الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل ليكون أولاً وقبل كل شيء قرارا سياديا يخص الإمارات ودبلوماسيتها الرصينة في التعامل السياسي، وجاء كنتيجة طبيعية لجميع الجهود التي قامت بها الدول منذ أن أطلق رئيس وزراء إسرائيل خطته المثيرة للجدل لبسط السيادة على الأراضي الفلسطينية التي جوبهن بمعارضة وغضب على مستوى المجتمع العربي والدولي، فالاتفاق يمهد الطريقَ نحو حفظ ما يقارب 30 % من الأراضي الفلسطينية، وصولًا إلى استقرار شامل للمنطقة.
الموقف الإماراتي كان جريئاً من حيث ما يمكن أن يلي هذه الخطوة من ردود فعل منحازة ومستغلة لتحدث تشويهاً في المقاصد الحقيقية، وكان واضحاً وشفافاً ومبنيا على منطق الأحداث العقلانية لا على عاطفة الأفكار العربية وسط تمسك بالقضية الفلسطينية، إذ إن الإمارات داعمة وملتزمة بحق الشعب الفلسطيني بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ومدركة بأن خطوتها لم تأت صدفة بل مبنية على قراءة متأنية للواقع الجيوسياسي.
الاستقرار الشامل وحفظ عمليات السلام هما هدفان رئيسيان تسعى إليهما دولة الإمارات، التي تدرك تماماً أن ذلك لن يحصل عبر شعارات ترفع في المحافل الدولية ووسط المنظمات، بل بخطوات فعلية حلت بها كبرى الصراعات التاريخية في المنطقة، سواء المحيطة بها أو في المحيط العربي والعالمي، ولنا شواهد كثيرة في الآونة الأخيرة بمنطقة القرن الأفريقي ومساعي السلام التي قادها هناك رجل السلام صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة بين الصومال وأريتريا.
الرؤية الإماراتية واضحة فيما يتعلق بالتعامل مع مختلف دول العالم، فلا مكان للنزعة العاطفية حينما تكون هناك مصلحة للبشرية، وكيف تتحقق هذه المصلحة إن لم تمس القطاعات الحياتية المهمة كالاقتصاد والطاقة والفضاء والأمن الغذائي والتجارة والاستثمار والأمن الدفاعي؟!.
ولعل التاريخ يقدم لنا صورة جلية في الآثار المترتبة على عمليات السلام السابقة، كحشد المساندات السياسية من الدول العظمى وتعميق العلاقات التجارية بتقديم تسهيلات في أسواق عالمية كبرى وغيرها من الشواهد التاريخية .
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة