الإمارات وحرب روسيا- أوكرانيا.. دبلوماسية سلام تدفع بحل إنساني
أمور عدة يجب أخذها في الحسبان لفهم رؤية دولة الإمارات في التعامل مع الأزمة الروسية الأوكرانية، التي تستهدف التوصل لحل دبلوماسي في أسرع وقت.
وإدراك تلك الأمور يجعل من اليسير فهم قرار دولة الإمارات العربية المتحدة الامتناع عن التصويت على مشروع قرار قدمته الولايات المتحدة وألبانيا في مجلس الأمن الدولي، الجمعة، وأحبطته روسيا باستخدام حق النقض "الفيتو".
تاريخ حافل في نشر السلام
أول تلك الأمور أن لدولة الإمارات تاريخا حافلا في نشر السلام وترسيخ الاستقرار حول العالم، زودها بخبرات كبيرة، تؤهلها للتدخل والوساطة عبر حلول دبلوماسية واقعية تحل الأزمات لا تعقدها، وتحمي المدنيين لا تضحي بهم، وذلك في إطار احترام وتطبيق القوانين الدولية ومراعاة الأوضاع الإنسانية.تلك الوساطة تتطلب حيادا إيجابيا، يتيح لعب دور إيجابي يسهم في حل الأزمة عبر فتح قنوات حوار وتفاوض تسهم في تقريب وجهات النظر.
وامتناع دولة الإمارات عن التصويت سيصب في صالح تحقيق هذا الحياد الإيجابي لا سيما أن التصويت في مجلس الأمن في ضوء الفيتو الروسي هو "تحصيل حاصل"، وأن امتناع دولة الإمارات لن يعرقل القرار، المعروف سلفا أن روسيا ستستخدم حق الفيتو ضده.
صداقة مشتركة
كما أن ذلك سيتيح لدولة الإمارات بما تملكه من علاقات قوية وصداقة مشتركة مع كل من روسيا وأوكرانيا بفتح قنوات حوار ووساطة لحل الأزمة دبلوماسيا في أسرع وقت ممكن.وهذا هو ما عبرت عنه السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، خلال اجتماع مجلس الأمن، مؤكدة استعداد دولة الإمارات للعمل مع أعضاء مجلس الأمن لخفض التصعيد ووقف الأعمال العدائية.
وقالت إن "نتيجة التصويت هي مجرد تحصيل حاصل، ولكن يجب أن تبقى قنوات الحوار مفتوحة أكثر من أي وقت مضى، ويتعين علينا جميعاً السعي لتحقيق ذلك".
هذا الحياد الإيجابي، لا يعني بحال من الأحوال الموافقة على انتهاك حق أي دولة عضو في الأمم المتحدة أو المساس بأمنها واستقلالها وسلامة أراضيها، بل إن هذا الحياد الإيجابي تسعى دولة الإمارات توظيفه لصالح الحفاظ على أوكرانيا واستقلالها.
الوضع الإنساني
ثاني تلك الأمور أن دولة الإمارات منذ بدء عضويتها في مجلس الأمن الدولي يناير/ كانون الثاني الماضي، أخذت على عاتقها دعم الأمن والسلم الدوليين، خلال فترة ولايتها التي ستستمر عامين، وهو ما تعمل على تحقيقه الآن بشتى السبل.لذا دعت دولة الإمارات خلال جلسة مجلس الأمن إلى خفض التصعيد بشكل فوري وإنهاء الأعمال العدائية. وأكدت على أن التطورات الخطيرة في أوكرانيا تقوض الأمن والسلم الإقليميين والدوليين.
وأعربت وزارة الخارجية والتعاون الدولي الإماراتية في بيانها السبت، عن قلقها بشكل خاص تجاه التداعيات المترتبة على المدنيين المتواجدين في أوكرانيا، وعلى المنطقة والمجتمع الدولي بأسره.
كما أكدت ضرورة وصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، داعيةً كافة الأطراف إلى احترام القانون الإنساني الدولي، وإعطاء الأولوية لحماية المدنيين، والسماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عوائق.
موقف إماراتي متوازن دبلوماسيا قوي إنسانيا يأخذ على عاتقه في المقام الأول مراعاة مصلحة وأمن المدنيين في الجانبين الروسي والأوكراني، ويوجه دعوة للطرفين إلى احترام وتطبيق القوانين الدولية.
تقاسم الأدوار
وتعمل دولة الإمارات خلال فترة عضويتها للفترة 2022-2023 بالاشتراك مع أعضاء المجلس على ضمان أن يتولى المجلس مسؤوليته في إحلال السلام.وفي ضوء تلك الرؤية فإن لكل عضو من أعضاء مجلس الأمن الدولي الدائمين والمؤقتين دورا من الممكن القيام به لتحقيق هدفهم جميعا وهو دعم الأمن والاستقرار الدوليين.
ومن هنا تأتي أهمية الرؤية الإماراتية في الإبقاء على قنوات اتصال وحوار لإيجاد حلول سلمية تقدم حلولا سريعة، لا سيما أن تعقيد الأزمة والبحث عن حل عسكري لها لن يكون في مصلحة الطرفين والاستقرار والسلم الدوليين بشكل عام، مع الأخذ في الاعتبار حجم قوة روسيا عسكريا وسياسيا.
إذن فإجمالا فإن الرؤية الإماراتية تتفق مع رؤية أعضاء مجلس الأمن الدولي والمجتمع الدولي بشكل عام في أن النزاع الروسي الأوكراني يقوض الأمن والاستقرار الدوليين، وتدعو لخفض التصعيد في النزاع الروسي الأوكراني بشكل فوري، وتدعم حلولا دبلوماسية سريعة لحل الأزمة، وضمان حماية المدنيين من الطرفين، وعدم التأخر في توفير وإيصال المساعدات الإنسانية أو تعطيل وصولها، ولكن مع الأخذ في الاعتبار أن لكل دولة رؤيتها وطريقتها ودورها في تحقيق تلك الأهداف.
مبادئ الخمسين
كما أن موقف دولة الإمارات يتماشى مع مواثيق وقوانين الأمم المتحدة، وينسجم مع مبادئ الخمسين التي أصدرتها دولة الإمارات أكتوبر/تشرين الأول الماضي، والتي ترسم المسار الاقتصادي والسياسي والتنموي لدولة الإمارات للخمسين سنة المقبلة.وينص المبدأ العاشر على أن "الدعوة للسلم والسلام والمفاوضات والحوار لحل كافة الخلافات هو الأساس في السياسة الخارجية لدولة الإمارات، والسعي مع الشركاء الإقليميين والأصدقاء العالميين لترسيخ السلام والاستقرار الإقليمي والعالمي يعتبر محركاً أساسياً للسياسة الخارجية".
رسالة سلام
وعقد مجلس الأمن الدولي اجتماعا، في نيويورك ليلة الجمعة، للتصويت على مشروع القرار الذي قدمته الولايات المتحدة وألبانيا، والذي كان يدين العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.وكما كان متوقعًا، تم رفض النص بسبب استخدام موسكو حق النقض "الفيتو"، لكن الخطوة كانت تهدف إلى إظهار العزلة الدولية الجماعية لفلاديمير بوتين.
وخلال جلسة مجلس الأمن الدولي، امتنعت الصين عن التصويت في خطوة تعتبرها الدول الغربية انتصارا لإظهار عزلة روسيا على الصعيد الدولي.
كما امتنعت دولة الإمارات والهند أيضا عن التصويت على النص الذي صاغته الولايات المتحدة، فيما صوت الأعضاء الآخرون بمجلس الأمن وعددهم 11 لصالح مشروع القرار.
وقبل التصويت، عبرت السفيرة لانا نسيبة، المندوبة الدائمة لدولة الإمارات العربية المتحدة لدى الأمم المتحدة، عن استراتيجية دولة الإمارات تجاه الأزمة، وشددت بوضوح على ضرورة الامتثال للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة كأساس للحوار.
وطالبت مندوبة دولة الإمارات في كلمتها، بالتهدئة في أوكرانيا ووقف الأعمال العدائية وأن تظل القنوات الدبلوماسية مفتوحة.
فخلال الأزمة الروسية الأوكرانية على سبيل المثال إن كانت هناك قوى دولية تقوم بدور ضاغط لحل الأزمة، فمن الأهمية أيضا أن يكون هناك أطراف مؤهلون للقيام بدور الوساطة، وفتح قنوات حوار، لا سيما إذا كان أحد أطراف الأزمة عضوا دائما في مجلس الأمن الدولي لديه حق الفيتو لتعطيل أي قرار قد يصدر عن المجلس.