كلمة الإمارات أمام الأمم المتحدة.. نبراس لطريق "مظلم" ودواء لجرح نازف
كلمة جامعة ورصينة حملت تصريحات متوازنة، وقدمت حلولا لأزمات عدة في المنطقة والعالم، دون أن "تغفل" عن عرض قضيتها بشكل عادل أمام الأمم المتحدة.
تلك الكلمة التي ألقتها ريم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، فجر اليوم الأحد، نيابة عن دولة الإمارات خلال الدورة الـ77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، حملت جوانب عدة، تطرقت فيها إلى "هموم" المنطقة، دون أن تتقاعس عن وضع حلول لها، وعرض المشاركة في حلحلتها.
وما إن انتهت تلك الكلمة التي سطرت نجاحًا إضافيًا لدولة الإمارات في أروقة الأمم المتحدة، حتى قوبلت بتصفيق حاد من أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي كان بمثابة شهادة ثقة على دور البلد الخليجي المتنامي والموثوق بين جيرانه في المنطقة على وجه خاص، وعلى الطاولة الدولية بشكل عام.
هموم المنطقة
فبلغة جسد واثقة وبكلمات منتقاة بعناية شديدة، كانت دولة الإمارات حاضرة بهموم وقضايا المنطقة التي وضعتها في مقدمة اهتماماتها بعد أن أصبحت عضوا غير دائم في مجلس الأمن، في وقت سابق من العام الحالي.
تلك الهموم لم تأل الإمارات جهدًا في عرضها أو إيلائها الاهتمام، منذ أن انضمت إلى عضوية مجلس الأمن غير الدائمة، بل إنها سعت إلى تقريب وجهات النظر وكفالة صوت موحد في المجلس حتى تُقابل قراراته بأوسع دعم ممكن.
وما كلمة الهاشمي التي ألقتها اليوم أمام الأمم المتحدة عن ذلك بعيد؛ بل إنها عكست ماهية دولة الإمارات وشعبها المتسامح والمنفتح والشامل الذي يؤمن بأن المنطقة أقوى باتحادها.
فمن القضية الفلسطينية مرورًا بالإرهاب إلى التأكيد على الحق المشروع في استعادة الجزر الإماراتية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ، كانت تلك محاور عدة تضمنتها كلمة الإمارات أمام الأمم المتحدة.
تلك القضايا التي عرضتها الهاشمي في كلمتها، أكدت أن دولة الإمارات ماضية بعزم وبخطى ثابتة في الوقوف إلى جانب أشقائها وأصدقائها في المنطقة، لعرض قضاياهم بشكل عادل، بل والسعي معهم إلى حلول، لإنهاء الأزمات التي تعاني منها المنطقة.
الجزر الثلاث
فريم الهاشمي، وزيرة دولة لشؤون التعاون الدولي، والتي عرضت قضية الجزر الثلاث أمام الأمم المتحدة ، لم تستخدم في عرضها كلمات غير دبلوماسية أو تنم عن عدوان تجاه الدولة "المحتلة" لجزء من أراضيها، بل إنها طالبت المجتمع الدولي لمساندتها في حقها المشروع في إنهاء احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث. ولم تكتف بذلك، بل إنها أكدت أنها مستمرة في المطالبة بحقها المشروع في تلك الجزر الثلاث.
وبرؤية مستقبلية، عرضت دولة الإمارات التهديدات التي تضرب النظام الدولي الحالي، واضعة يدها على الجرح الذي بات ينزف دون أن يندمل بعد، مشيرة إلى ضرورة إعادة الثقة بهذا النظام الدولي وبشرعية مؤسساته، عبر تعزيز كفاءته وقدرته على معالجة الأزمات الراهنة، وتجاوز التحديات الوجودية للقرن الحادي والعشرين.
ومضت الهاشمي في عرض بعض الحلول لمعالجة الأزمة الحالية، فشددت على ضرورة "بذل قصارى الجهود لتجاوز حالة الخمول التي باتت السمة الأبرز للنهج الدولي الراهن في التعامل مع الأزمات، والانتقال نحو إيجاد حلول دائمة وشاملة وعادلة للنزاعات المسلحة المتصاعدة حول العالم".
حلول ناجعة
ولم تكتف بضرورة اتّباع وسائل مُبتكرة للتعزيز من فعالية النظام الدولي، بل إنها تطرقت إلى حلول أكثر نجاعة، عبر تحويل الدول والمناطق التي تَعُجُّ بها الأزمات إلى جهات لها دور بنّاء في معالجة تحديات العصر، في رؤية تنم عن فهم للقضايا الآنية وتقدم معالجة لمخاوف مستقبلية.
دولة الإمارات عبر الكلمة التي ألقتها الهاشمي لم تكتف بوضع حلول لمعالجة ثغرات النظام الدولي، بل إنها دعت إلى تفعيل المنظمات الإقليمية، للاستجابة للتحديات الراهنة ورفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، ما يعد طرحًا غاية في الأهمية، وخاصة وأن دول المنطقة تعاني من تدخلات خارجية، أطالت أمد أزماتها وأرجأت حلولا كانت في المتناول.
وبكلمة واثقة، جددت دولة الإمارات موقفها الثابت والداعي لإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود الرابع من يونيو/ حزيران لعام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وفقاً للمرجعيات الدولية المتفق عليها، مرحبة ببيان رئيس وزراء دولة إسرائيل يائير لابيد من على منبر الأمم المتحدة بشأن دعم رؤية حل الدولتين.
تلك الرؤية الإماراتية إن وجدت طريقها للتنفيذ، ستعالج واحدًا من أهم وأقدم التحديات في المنطقة، ما يجعل من خيار حل الدولتين الخيار الصائب لكلا البلدين (فلسطين وإسرائيل)، ولمستقبل المنطقة.
حشد دولي
ذلك الخيار والذي بدا متوافقا بعض الشيء مع كلمتي رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد والرئيس الفلسطيني محمود عباس أمام الأمم المتحدة، سيستدعي حشدًا دوليًا لتنفيذه، وهو ما لن تألو الإمارات جهدًا في تنفيذه وطرحه أمام المحافل الدولية، باعتبارها عضوًا غير دائم في مجلس الأمن.
ووضعت دولة الإمارات يدها على الجرح الذي يستنزف خيرات المنطقة ويضرب بأمانها عرض الحائط، ممثلا في آفة الإرهاب، التي تتنامى يومًا تلو الآخر، ما يقتضي سرعة التصرف للحيلولة دون أن تصبح مناطق النزاعات ملاذاً آمناً للإرهابيين.
ولم تكتف الإمارات بوضع يدها على ذلك الجرح النازف والمؤرق لدول المنطقة، بل إنها وضعت حلولا لتلك الآفة؛ مطالبة بالسعي لتحديث الاستراتيجيات باستمرار، وضرورة اعتماد قواعد وأنظمة دولية تمنع الإرهابيين، من الحصول على الأسلحة المتطورة والتكنولوجيا المتقدمة.
جرح نازف
ولم يكن الإرهاب وحده هو الجرح النازف، بل إن خطاب الكراهية كان من بين "المؤرقات" التي تقض مضاجع المنطقة والعالم بأكمله؛ فعرضت الإمارات رؤيتها في هذه النقطة، مطالبة الحكومات بضرورة المبادرة بالخطوات "التي تمثل خير نموذجٍ لشعوبنا في ترسيخ قيم التسامح والتعايش السلمي، في وجه المحاولات المتصاعدة لنشر خطاب الكراهية حول العالم".
وإلى محطة جديدة كشفت عن رؤية مستقبلية هامة للإمارات مستندة فيها على واقع بات يضرب دولا عدة؛ ممثلة في تداعيات التغير المناخي والتي ضربت عددًا من شعوب العالم اليوم بفيضانات مدمرة وبموجات حر وجفاف، جعلت الأزمات الإنسانية والتهديدات الأمنية تتعاظم.
استقطاب الإرهابيين
فالتغيرات المناخية ليست عبارة عن فيضانات وموجات جفاف تؤدي إلى خسائر مادية وعينية فقط، بل إنها باتت أحد العوامل التي يستغلها الإرهابيون حول العالم لتجنيد الشباب، مما يؤكد نجاعة الرؤية الإماراتية، في ضرورة بناء الشراكات وتعزيز العمل المشترك.
فتبني أجندة الطاقة المتجددة وتوفير التمويل الكافي للعمل المناخي، ودعم الدول النامية لبناء قدرة مجتمعاتها على الصّمود، لن يحفظ أمن تلك البلدان فحسب، بل إنه سيقي العالم موجات متجددة من الإرهاب.
ولم "تغفل" كلمة الإمارات عن دعم شقيقتها مصر والتي تستضيف في نوفمبر/تشرين الثاني المقبل مؤتمر المناخ، بل إنها شددت على ضرورة استغلال القمة المناخية في شرم الشيخ المصرية، لاسْتِنبَاط حلول عملية ومنطقية ومدروسة لأزمة المناخ.
aXA6IDE4LjExNi44Ni4xMzIg جزيرة ام اند امز