الإمارات وأمريكا.. شراكة استراتيجية تزداد قوة
تعاون متواصل وزيارات متبادلة ومباحثات متواصلة ومبادرات مشتركة تعكس قوة الشراكة الاستراتيجية التي تربط الإمارات وأمريكا.
شراكة استراتيجية بدأت مع تأسيس دولة الإمارات قبل نصف قرن، وتطورت وازدادت قوة وعمقا بمرور السنين، وتجني الدولتان والمنطقة والعالم ثمارها الآن من خلال التعاون بينهما في ملفات عديدة.
كان أحدث ثمار هذا التعاون إطلاق مبادرة "الابتكار الزراعي للمناخ" قبل شهر، ضمن جهود البلدين المشتركة لمكافحة التغير المناخي الذي يهدد البشرية.
تعاون يتوقع تزايده لصالح البشرية خلال الفترة القادمة، مع بدء عضوية دولة الإمارات في مجلسي الأمن الدولي وحقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة مطلع العام القادم.
وتتجاوز الشراكة الاستراتيجية بين البلدين أي تحديات وعلاقاتهما أقوى من أي معوقات،.
وضح ذلك جليا في التصريحات الأمريكية عقب إعلان مسؤول إماراتي أن بلاده جمدت في الوقت الراهن، لأسباب فنية، المناقشات بشأن صفقة شراء مقاتلات إف-35 الأمريكية، فجاء تأكيد البنتاجون على أن الشراكة مع الإمارات أكثر استراتيجية وأكثر تعقيدا من أي صفقة بيع سلاح.
أيضا كشف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الأربعاء، عن استعداد بلاده للمضي قدما في بيع طائرات "إف-35" إلى الإمارات إذا كانت لا تزال مهتمة، بحسب وكالة رويترز، وهي تصريحات تعكس تجسد حجم وقوة العلاقات بين الدولتين.
تهنئة وشكر
ظهرت قوة العلاقة جلية في تهنئة الولايات المتحدة الأمريكية قبل أيام قيادة وشعب دولة الإمارات العربية المتحدة باليوبيل الذهبي "عيد الاتحاد الـ50".
تهنئة آثر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن يشيد خلالها بالشراكة المتينة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات خلال الخمسين عامًا الماضيةـ عبر علاقة مبنية على الروابط الاقتصادية والابتكار والتواصل والالتزام بالأمن والاستقرار الإقليميين.
كما هنأ الإمارات على نجاح إكسبو 2020 دبي، معربا عن تطلعه إلى العمل مع الإمارات بشأن الأولويات العالمية المشتركة خلال فترة عضوية دولة الإمارات في مجلسي الأمن الدولي وحقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة، وتعزيز الجهود المشتركة لمكافحة تغير المناخ وانعدام الأمن الغذائي، معربا عن تقديره للدعم الإماراتي المستمر للأمريكيين.
كما ظهرت في الشكر الأمريكي للإمارات على جهودها في إجلاء رعاياها من أفغانستان قبل 4 شهور .
وفي 21 أغسطس / آب الماضي، تلقى الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الأمريكي جو بايدن، أعرب خلاله عن شكره وتقديره للدعم والتسهيلات التي قدمتها دولة الإمارات في عمليات إجلاء الدبلوماسيين والرعايا الأمريكيين من أفغانستان، إضافة إلى مواطني الدول الصديقة بجانب الأفغان الذين يحملون تأشيرات هذه الدول.
وقال الرئيس الأمريكي: "نقدر عالياً جهود دولة الإمارات الإنسانية لتسهيل العبور الآمن للمواطنين الأمريكيين وموظفي السفارات والأجانب الذين تم إجلاؤهم من كابول إلى دول ثالثة"، مضيفاً: "هذا الموقف يجسد الشراكة القوية والدائمة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة".
كما تبادل الجانبان وجهات النظر بشأن عدد من القضايا والتطورات في الملفات الإقليمية والدولية محل الاهتمام المشترك ..مؤكدين أهمية العمل معاً لمواجهة هذه التحديات.
زيارات ومباحثات
وتجسد الزيارات المتبادلة والمباحثات المستمرة بين البلدين على أكثر من صعيد حجم وقوة العلاقات بين البلدين.
فقبل 3 أسابيع، استقبل الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة الإماراتية، في قصر الشاطئ في أبوظبي 21 نوفمبر الماضي، لويد أوستين وزير الدفاع الأمريكي.
وجرى خلال اللقاء بحث العلاقات الاستراتيجية بين البلدين على مختلف المستويات، خاصة في الشؤون الدفاعية و العسكرية إضافة إلى القضايا الدولية والإقليمية محل الاهتمام المشترك.
زيارة تأتي بعد أسبوعين، من لقاء جمع الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية و التعاون الدولي الإماراتي مع نظيره الأمريكي على هامش أعمال الدورة السادسة والعشرين من مؤتمر الدول الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ "COP26" في مدينة جلاسكو بالمملكة المتحدة .
وتم خلال اللقاء بحث العلاقات الاستراتيجية والتاريخية الراسخة بين البلدين بالإضافة إلى عدد من القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
وكان الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان قد اختتم في 16 أكتوبر الماضي زيارة لأمريكا استمرت عدة أيام أجرى خلالها مباحثات مكثفة لتعزيز التعاون بين الجانبين.
وقد جسدت هذه الزيارة الشراكة الاستراتيجية المثمرة بين البلدين التي تتعزز عاما بعد عام و تشكل نموذجا رائدا في العمل المشترك بين الحلفاء من أجل تعزيز الأمن الإقليمي وتحقيق السلام والاستقرار في المنطقة وتلبية تطلعات شعوبها في التنمية.
واستهل الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان زيارته بلقاء ثلاثي مع أنتوني بلينكن وزير خارجية الولايات المتحدة الأمريكية ويائير لابيد وزير خارجية دولة إسرائيل، جرى خلاله الإعلان عن مجموعتي عمل ثلاثيتين حول "التعايش الديني" و"المياه والطاقة" بين الولايات المتحدة الأمريكية ودولة الإمارات ودولة إسرائيل.
وأشاد بلينكن بالعلاقات الاستراتيجية بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية مؤكدا أهمية التعايش السلمي في المنطقة.
و أشار إلى أن إقامة علاقات طبيعية بين الدول العربية ودولة إسرائيل سيسهم في تحقيق الاستقرار بالمنطقة وقال : " إننا نعمل معا من أجل مستقبل مشرق لشعوب منطقة الشرق الأوسط".
وفي يوليو/تموز الماضي، اختتم الدكتور أنور بن محمد قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات زيارة رسمية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن استغرقت أسبوعاً واحداً، ووصف في أعقابها العلاقات الإماراتية الأمريكية بأنها راسخة وقوية أكثر من أي وقت مضى، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة تمثل أهم شريك استراتيجي لدولة الإمارات.
تعاون يتوثق ويتزايد منذ إطلاق الحوار الاستراتيجي بين البلدين في أكتوبر/تشرين الأول 2020، الذي يستهدف تعزيز التعاون الثنائي عبر ثمانية مجالات تشمل الشراكة السياسية والتعاون الأمني (إنفاذ القانون وأمن الحدود والمخابرات ومكافحة الإرهاب)، بالإضافة إلى حقوق الإنسان والشراكة الاقتصادية والتجارية والطاقة والتبادلات الثقافية والأكاديمية والشراكة في قطاع الفضاء.
ويعد من أبرز ثمار التعاون الإماراتي الأمريكي التوصل إلى معاهدة سلام تاريخية بين الإمارات وإسرائيل بوساطة أمريكية في سبتمبر/ أيلول 2020، الأمر الذي أسهم بإطلاق مرحلة جديدة للعلاقات والتعاون بين الدول في منطقة الشرق الأوسط، تقود لترسيخ الأمن والسلام والاستقرار وتحقيق الازدهار لشعوب المنطقة.
تعاون عسكري
وفي أحدث محطات التعاون ضمن مظلة السلام، اختتم في 15 نوفمبر الماضي، تدريب جرى على مدى 5 أيام بالبحر الأحمر بمشاركة أمريكا والإمارات والبحرين وإسرائيل.
تأتي هذه التدريبات لتعبر عن تعزيز الشراكة لسلاح البحرية مع الأسطول الخامس، والتي تعتبر ركيزة مهمة في الحفاظ على الأمن وحرية الملاحة في الشرق الأوسط.
التنسيق الدفاعي بين البلدين ظهرت ملامحه في أكثر من صورة أيضا، كان من بينها التمرين العسكري المشترك بين البلدين بمنطقة الحمرا في يناير/كانون الثاني الماضي.
وجاء التمرين ضمن سلسلة التمارين المبرمجة بين البلدين لرفع القدرات القتالية والجاهزية لتنفيذ عمليات إسناد وتأمين الأهداف الحيوية وتنسيق عمليات الإسناد الجوي بالإضافة إلى التدريب على عمليات الإخلاء الجوي من المناطق المبنية بواسطة الطائرات العمودية.
وسبق أن أعلنت الإمارات والولايات المتحدة، في مايو/أيار 2019، بدء سريان اتفاقية التعاون الدفاعي الموقعة مطلع العام نفسه، والتي ستعمل على تعزيز التنسيق العسكري بين البلدين.
مكافحة الإرهاب
وعلى صعيد التعاون بين البلدين في مكافحة الإرهاب، انضمت الإمارات إلى الجهود الإقليمية والدولية الرامية للتصدي للتطرف والإرهاب، حيث شاركت في التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم "داعش" الإرهابي في عام 2014.
كما تم تأسيس مركز "صواب" عام 2015؛ وهو مبادرة تفاعلية بالشراكة مع الولايات المتحدة للتصدي للدعوات التي تطلقها الجماعات المتطرفة عبر شبكة الإنترنت، وتعزيز البدائل الإيجابية عن التطرف، في إطار تعزيز الجهود العالمية لمحاربة داعش.
أيضا على صعيد التعاون المشترك لمكافحة تمويل الإرهاب، تربط مؤسسات الخدمات المصرفية والمالية في الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية علاقة وثيقة وتعاون متواصل لتعزيز الجهود المشتركة في هذا الصدد.
وضمن أحدث جهود التعاون في هذا الصدد، جرى بوالي أدييمو نائب وزير الخزانة الأمريكي زيارة للإمارات نوفمبر الماضي أجرى خلالها مباحثات مكثفة مع مسؤولين إماراتيين.
وسلط الجانب الإماراتي خلال اللقاء الضوء على التقدم الذي أحرزته الإمارات في تعزيز منظومة مواجهة الجرائم المالية، لاسيما من خلال استعراض آخر مستجدات تنفيذ الاستراتيجية الوطنية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
وأشاد الجانب الإماراتي بالمستوى الشراكة الرفيع بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية في مكافحة جرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، لا سيما بعد انعقاد ورشة العمل الإماراتية الأمريكية البريطانية حول مواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب على مدار يومي 26 و27 أكتوبر الماضي في مقر المكتب التنفيذي لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بأبوظبي.
وتتعاون الإمارات العربية المتحدة بشكل مباشر مع الولايات المتحدة الأمريكية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب وتمويل أسلحة الدمار الشامل وغيرها من الأنشطة غير المشروعة.
وقد ضاعفت دولة الإمارات خلال الأشهر الأخيرة، من مشاركتها مع الولايات المتحدة في القضايا الرئيسية لمواجهة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال إقامة ورش عمل وفعاليات متعلقة بالعملات المشفرة والجريمة وتمويل الإرهاب والأصول الافتراضية وانتهاكات حقوق الإنسان والفساد.
التغير المناخي
أيضا تتلاقى جهود أبوظبي وواشنطن في مواجهة مختلف التحديات التي تواجه العالم، ومن أبرزها تحدي التغير المناخي.
وضمن أحدث تلك الجهود، شهد مؤتمر "COP26" نوفمبر الماضي الإعلان رسمياً عن إطلاق مبادرة "الابتكار الزراعي للمناخ"، وهي مبادرة عالمية كبرى تقودها الإمارات العربية المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية بمشاركة 30 دولة أخرى
وتهدف المبادرة، التي تصل قيمة التزاماتها الأولية إلى 4 مليارات دولار، إلى تسريع العمل على تطوير أنظمة غذائية وزراعية ذكية مناخياً على مدى الأعوام الخمس المقبلة.
وتعهدت الإمارات باستثمار إضافي قيمته مليار دولار كجزء من هذه المبادرة التي تركز على تسريع ابتكار أنظمة زراعية وغذائية تدعم العمل المناخي ..وتسعى المبادرة إلى تعزيز المساهمة الاقتصادية للقطاع الزراعي وتوفير فرص عمل أكبر في هذا القطاع الحيوي الذي يوفر اليوم أكثر من ملياري فرصة عمل ويوفر الغذاء لكافة سكان الكوكب.
استكشاف الفضاء
على صعيد استكشاف الفضاء، تملك الولايات المتحدة والإمارات برامج طموحة لاستكشاف الفضاء من أجل خدمة البشرية جمعاء.
ولم تكتف الإمارات بإرسال أحد روادها إلى الفضاء، بل قامت بإطلاق مسبار الأمل، وتتحضر لإرسال دفعة أخرى من روادها.
وفي إطار التعاون المشترك، من المقرر انتقال عدد من رواد الفضاء الإماراتيين إلى مركز جونسون للفضاء بمدينة هيوستن الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول الجاري للانضمام إلى برنامج "ناسا لرواد الفضاء 2021" كجزء من الاتفاقية الاستراتيجية المشتركة بين دولة الإمارات والولايات المتحدة الأمريكية لتدريب رواد الفضاء الإماراتيين.
تعاون اقتصادي
العلاقات المتنامية بين البلدين انعكست على الجانب الاقتصادي، بلغة الأرقام حقق التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين قفزات نمو كبيرة خلال السنوات الماضية، مرتفعاً من 5.22 مليار دولار في عام 2005 إلى 17.83 مليار دولار في عام 2020.
فيما جاءت دولة الإمارات في المرتبة الأولى على مستوى المنطقة والـ19 عالمياً في قائمة أكبر الأسواق المستقبلة لصادرات الولايات المتحدة في عام 2020، حيث بلغت قيمة الصادرات الأمريكية إلى دولة الإمارات في العام الماضي 14.75 مليار دولار. وخلال النصف الأول من عام 2021، زادت قيمة إجمالي التجارة الخارجية بين البلدين على 11 مليار دولار، ما يعطي مؤشراً بنمو حجم التبادل التجاري بين البلدين مع نهاية العام الجاري.
وتستحوذ الاستثمارات الإماراتية على الحصة الأكبر من إجمالي الاستثمارات العربية بالأسواق الأمريكية، برصيد تراكمي يصل إلى 44.7 مليار دولار حتى نهاية 2020، حيث تحتل الدولة المرتبة الأولى عربياً والـ20 عالمياً ضمن أهم البلدان المستثمرة في أمريكا.
وتشارك الولايات المتحدة الأمريكية في معرض إكسبو دبي 2020 بجناح يعد أحد أضخم الأجنحة التي يحتضنها المعرض، ويوفر منصة لعرض أحدث المنتجات والخدمات والابتكارات والصناعات الأمريكية الرائدة في مختلف الأنشطة والقطاعات، مما يعزز فرصها في تنمية تجارتها وشراكاتها مع مجتمع الأعمال الإماراتي والعالمي.