شكلت زيارة البابا فرنسيس للإمارات العربية المتحدة حدثا تاريخيا بامتياز وجعل من أبوظبي محط أنظار العالم
شكلت زيارة البابا فرنسيس للإمارات العربية المتحدة حدثا تاريخيا بامتياز، وجعل من أبوظبي محط أنظار العالم أجمع كعاصمة جديدة للسلام والتسامح ونبذ الفرقة والكراهية باسم الأديان السماوية، ولعل هذه الزيارة لا يمكن إخراجها عن سياق استراتيجية دولة الإمارات، والتي جعلت من التسامح ونبذ الغلو مرتكزا ثابتا في سياستها الداخلية والخارجية، وصلت إلى حد اعتبار عام 2019م هو عام "التسامح".
وإذا كانت جميع الدول، دون استثناء، باركت المبادرة العالمية للـ"الأخوة الإنسانية" التي جمعت رمز الكنيسة الكاثوليكية ممثلا في البابا فرنسيس وشيخ الأزهر فضيلة الإمام أحمد الطيب، والتي جاءت بناء على دعوة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، فإن كيانا سياسيا واحدا بقي على النشاز وخرجت أبواقه تحاول، يائسة، إفساد هذا الحدث التاريخي، خصوصا أن بعض التعبيرات جاءت على لسان مسؤولين ساميين في النظام القطري، مما يقطع بأن سياسة الاستهداف الممنهجة تم تبنيها من طرف أعلى هرم السلطة في قطر.
الكلمات التي اختتم بها بابا الكنيسة الكاثوليكية زيارته للإمارات لا تمثل فقط اعترافا صريحا بأحقية أبوظبي للقب "عاصمة التسامح"، بل شكلت ضربة قوية ورداً مجلجلا على سقط الكلام الذي صدر عن دولة قطر
في هذا السياق، خرج علينا مدير المكتب الإعلامي في وزارة الخارجية القطرية ليصرح، عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر، بأن "زيارة بابا الفاتيكان فرنسيس إلى الإمارات هي فرصة لكي يطّلع على أكذوبة التسامح فيها"، فيما خرجت بعض الأبواق الإخونجية لتطلق بعض الهرطقات المهزوزة وغير الموزونة، والتي تنحو في نفس سياق أولياء نعمتهم.
وإذا كانت مثل هذه الردود السلبية لا تستحق لا سياسيا ولا أخلاقيا الرد عليها، فإن واقع الحال يشير إلى أن الحضن الدافئ لدولة الإمارات العربية المتحدة اتسع منذ عقود لأكثر من 200 جنسية، تمثل أكثر من 150 قومية وتستعمل أكثر من 100 لهجة، كلهم يعيشون في جو من التسامح والتعايش والقبول المتبادل أسهم في تبوئ الإمارات أعلى المستويات، وفي جميع المجالات من الصناعة إلى الفضاء، مرورا بقطاعي السياحة والخدمات اللذين تتربع من خلالهما الإمارات عرش الدول الرائدة في هذين المجالين.
غير أن التحليل النفسي للخطاب الموجه ضد الإمارات بمناسبة هذا الحدث العالمي يخفي وراءه عقدة وجودية، تقطع بأن قطر لا يمكن أن تنافس الإمارات في هذا المجال على اعتبار تورط الدوحة "المُعلن" في تمويل التنظيمات الإرهابية، والتي جعلت من الطائفية الشرارات الأولى ومعاول الهدم الرئيسية لإنهاك الدول أمنيا واقتصاديا وسياسيا، في أفق التمكين لتنظيمات الإسلام السياسي.
وهنا يحق لنا القول إن الدولة التي رعت تنظيما إرهابيا استباح دماء المسيحيين في مشهد درامي مقزز، ليس لها الحق في تناول قضية التسامح على طاولاتها أو على لسان مسؤوليها.
إن الدولة التي أطلقت يد الإرهاب لاستباحة دماء وأعراض الأقليات في العراق وسوريا يجب أن تلزم الصمت عندما يتم تناول قضايا التسامح والعيش المشترك، كتعبيرات مقدسة رسختها الديانات السماوية وسطرتها القوانين الوضعية.
لقد أثبتت الوقائع على الأرض، ومنذ اندلاع أحداث ما اصطلح عليه بالربيع العربي، أن هناك تبادلا للأدوار بين قطر والتنظيم الإخواني الإرهابي والقاعدة وداعش، فيما يشبه مسرحية يحبك خيوطها الإسرائيلي عزمي بشارة ومفتي الدماء القرضاوي، تحت مظلة وحماية نظام الحمدين.
إنه من غير المنطقي أبداً أن دولة تحتضن من أفتى بقتل زعماء دول ورموز وطنية واستباح دماء عربية عزيزة تتحدث لغة التسامح، وتلوك ألسنتها عبارات السلام وقواميس الإنسانية، في الوقت الذي ذهب فيه الملايين ضحية خطاب التحريض والكراهية الذي أنتجته منصات إعلامية من قبيل "الجزيرة" والكتائب الإعلامية المرتبطة بها.
لقد شكل النجاح التاريخي لزيارة البابا فرنسيس للإمارات ضربة موجعة للمخططات القطرية بالمنطقة، خصوصا عندما حاولت الدوحة، بداية، أن تحول دون زيارة البابا، ثم في مرحلة ثانية التوجه نحو إفشال هذه المبادرة الإنسانية، ليوجه البابا فرنسيس رصاصة الرحمة لنظام الحمدين عندما اختار قداسته أعظم العبارات وأصدق الكلمات وأبلغ الجمل للتعبير عن شكره وامتنانه للمبادرة الإماراتية ليختم زيارته بالقول "هو بلد حديث ويستقبل شعوباً كثيرة تأتي إلى هنا، الإمارات دولة تنظر إلى المستقبل، مثلاً تربية الأطفال تتم تربيتهم وعينهم على المستقبل دائماً.. ينظرون إلى المستقبل لحل مشكلة الماء ويبحثون عن كل جديد".
إن الكلمات التي اختتم بها بابا الكنيسة الكاثوليكية زيارته للإمارات لا تمثل فقط اعترافا صريحا بأحقية أبوظبي للقب "عاصمة التسامح"، بل شكلت ضربة قوية ورداً مجلجلا على سقط الكلام الذي صدر عن دولة قطر، والتي يصدق فيها شعر جرير:
أتلتمسُ السِّباب بَنو نُمَيرٍ *** فقد وأَبِيهم لاقوا سِبابا
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة