أصبحت الإمارات نموذجا مثاليا للمجتمع المتعدد دينيا وثقافيا، وصارت مثالا يحتذى عالميا في مجال قبول الآخر والتعايش معه.
لم يعد يفصلنا سوى أيام قليلة عن الزيارة التاريخية المشتركة لكل من قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، إلى أبوظبي للمشاركة في حوار عالمي حول "الأخوة الإنسانية " على أرض إمارات التسامح وتحت سمائها.
الشعار الرسمي الذي تم اختياره بعناية لهذا اللقاء التاريخي الذي سيجمع القطبين الكبيرين على أرض الإمارات، يعكس قيم التآخي والمحبة والسلام والتعايش السلمي بين الشعوب، كما يعكس حرص الدولة المستضيفة ونهجها الثابت في تعزيز منظومة قيمية وأخلاقية ما زالت تجد عراقيل وصعوبات جمة لتثبيت أقدامها في أماكن عدة في العالم، منظومة تعتمد بالأساس على ترسيخ عولمة من نوع جديد، عولمة إنسانية وروحية في المقام الأول، لا يصنف فيها البشر وفقا لدياناتهم أو جنسياتهم أو عرقياتهم أو لونهم أو طبقتهم الاجتماعية أو حجم ما يمتلكونه من ثروة أو نفوذ، بل نمط جديد من العولمة يعتمد بالأساس على إيجاد وتعزيز هوية إنسانية مشتركة تجمع شعوب العالم ولا تفرقها بهدف توطيد السلم بين الدول وداخل المجتمعات، وهي الرسالة نفسها التي يؤمن بها ويحرص على نشرها كل من البابا وشيخ الأزهر، فقداسة البابا فرنسيس يولي المواضيع المرتبطة بالإنسان أهمية خاصة، وهي عنده مقدمة على ما سواها، ولعل في تقشفه وطريقة عيشه البسيط أكبر دليل على انحيازه للإنسان، وأبلغ طريقة للدفاع عن المهمشين والضعفاء أيا كانت دياناتهم، وأفضل تطبيق لمفهوم العولمة الإنسانية، أما فضيلة الأمام الأكبر أحمد الطيب فإن جهوده العالمية في مواجهة الفكر المتطرف ودوره في نشر ثقافة السلام بين كل الناس وتعزيز القيم الإنسانية المشتركة، باتت أحد أهم الأسلحة في المعركة التي تخوضها الإنسانية ضد التطرف والإرهاب، بالإضافة لكونه دائم الوجود في أي فعالية من شأنها إعلاء القيم الإنسانية، وعلى رأسها قبول الآخر، والتعايش السلمي والتآخي بين جميع البشر بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية ،
أصبحت الإمارات نموذجا مثاليا للمجتمع المتعدد دينيا وثقافيا، وصارت مثالا يحتذى عالميا في مجال قبول الآخر والتعايش معه، وباتت وجهة مفضلة لملايين البشر من شتى بقاع الأرض، والفضل في ذلك يعود لما اتبعته الإمارات من سياسات ناجحة لجعل التعددية الثقافية مصدرا لقوة مجتمعها
هذا عن الضيفين الكبيرين.. أما عن المضيف فقد كان منطقيا أن تكون دولة الإمارات هي من يستضيف هذا اللقاء التاريخي على أرضها التي يعيش عليها أكثر من 200 جنسية من مختلف الأديان والطوائف والثقافات والأعراق، وتنعم كلها بالحياة الكريمة والتقدير والاحترام وتعيش جميعها في انسجام كامل ووئام وسلام تامَّين وتتعامل جميعها على قدم المساواة دون أدنى قدر من التمييز، وبالتالي أصبحت الإمارات نموذجا مثاليا للمجتمع المتعدد دينيا وثقافيا، وصارت مثالا يحتذى عالميا في مجال قبول الآخر والتعايش معه، وباتت وجهة مفضلة لملايين البشر من شتى بقاع الأرض، والفضل في ذلك يعود لما اتبعته الإمارات من سياسات ناجحة لجعل التعددية الثقافية مصدرا لقوة مجتمعها لا أن تكون مصدر ضعف كما هو حال كثير من الدول المتعددة ثقافيا ودينيا، فبدلا من أن تتصارع على أرضها الثقافات، التقت على أرضها حضارات الشرق والغرب، وتعانقت تحت سمائها جميع الديانات بفضل نهج مؤسسها وحكمة قادتها، وهنا صار الجميع يتحدث عن ما للإمارات من أياد بيضاء ودور بارز في دعم قيم التسامح والمحبة والسلام، وهو دور ليس وليد اللحظة أو حديث العهد، بل سعت الإمارات لترسيخه منذ الأيام الأولى لتأسيس اتحاد الإمارات على يد الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فمنذ ذلك الوقت وهي تخطو بخطوات ثابتة ومحسوبة من أجل ترسيخ قيم التسامح، فاحتضنت دور العبادة حتى تتيح للأفراد ممارسة شعائرهم الدينية، فكانت أول دولة خليجية تبني كنيسة للمسيحيين الذين وجدوا على أرض الإمارات كل الاهتمام ومن قادتها كل الود والترحيب، وأول دولة عربية تقر قوانين تجرم الكراهية وأكثر دول المنطقة امتلاكا لمؤسسات وهيئات تسعى لنشر قيم التسامح والتعايش والتآخي الإنساني، وأكثرها استضافة لأحداث وفعاليات تنشد تعزيز هذه الفضائل، والدولة الوحيدة التي أعلنت وزارة متخصصة في التسامح وعينت وزيرا لها من خيرة أبنائها وتبنت برنامجا وطنيا رسميا للتسامح وأعلنت عام 2019 عاما مخصصا فقط لهذه الفضيلة. لذا باتت الإمارات الدولة الأولى إقليميا والثالثة عالميا في مؤشر التسامح المدرج ضمن منهجية تقرير الكتاب السنوي العالمي لعام 2016، الصادر عن معهد التنمية الإدارية بسويسرا (IMD)، متفوقة بذلك على العديد من الدول التي تعرف بأنها مثال للتسامح، مثل كندا وهولندا ونيوزيلندا وسنغافورة والسويد، كما استطاعت أن تحتل المركز الأول على المستوى الإقليمي في مؤشر إنفاذ القانون والعدالة لعام 2017 / 2018 الصادر عن مشروع العدالة الدولي (WJP).
وهنا، فإن في استضافة الإمارات لهذه الفعالية التاريخية، تجسيد لالتزامها بعولمة القيم الإنسانية المشتركة مثل التسامح والتعايش السلمي بين كل البشر، وتعزيزا لمكانتها كمنصة عالمية للحوار والتآخي والتضامن الإنساني، وترسيخا لرسالتها القائمة على أن الأديان السماوية إنما أنزلت لخير البشر وتنظيم حياتهم، وأنه لا تعارض بينها، وأنها جميعا تدعو إلى الخير والعدل والتسامح والإخاء.
وللحديث بقية في المقال المقبل إن شاء الله.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة