على أرض الإمارات ترسخت قيم ومفاهيم الإنسانية سلماً وسلاماً وأمناً وأماناً.
على أرض الإمارات ترسخت قيم ومفاهيم الإنسانية سلماً وسلاماً وأمناً وأماناً، واتضحت معالم التعايش والتوافق والتناصح والتحابب بين أبناء الوطن وسائر الديانات السماوية والعقائد والمذاهب الوضعية حتى غدت دولة الإمارات منارة تحتذى لمن قصدها ومَنْ نهل من معين إنسانيتها التي أخصبت عطاء أخاذاً وارتقاء في معارج التقدم والبناء.
ينبغي على الهيئات العربية والدولية المعنية وسائر المفكرين والمهتمين بمجالات حقوق الإنسان في العالم، تحمل المسؤولية في إبراز معاني تطوير مضامين حقوق الإنسان، والإمارات خير مثال يحتذى في التعايش والتوافق والسلام بين الأديان، لتظل هذه المفاهيم خالدة في خدمة الإنسانية جمعاء
دولة الإمارات تتواصل مع شعوب العالم استناداً إلى الحوار لاكتساب المعرفة الجديدة لهذا العالم من حولنا، وللمعطيات التي تزدحم فيه والتي تفرض منهجاً ومنعطفاً يخص أي نهج يتم إبداعه وفقاً لرؤيتها المتجددة والمتطورة، ووفقاً لما يبدو في هذا العالم من خطوات علمية وإبداعات حضارية؛ لكي تكون جزءاً منه ومشاركةً بفاعلية عالية في تحديد هويته الإنسانية.
ومن هنا، فإن الملتقى الخامس لمنتدى تعزيز السلم في المجتمعات المسلمة الذي انعقد في أبوظبي تحت شعار "حلف الفضول" ما بين الخامس والسابع من الشهر الجاري، قد شكل انطلاقة عالمية لتعزيز السلم العالمي، ورؤية واضحة لتمتين العلاقات بين الأسرة الإنسانية الواحدة، وتوضيح مسببات الصراعات السياسية والصدامات الشائكة، وخلق الخصومات في المجتمعات الإسلامية، ولا بد من الوقوف عند أربعة أمور مهمة في ضوء حلف فضول جديد على أرض الإمارات، كدعوة عالمية للتعايش والسلام العالمي:
أولاً: وثيقة حلف الفضول غير دينية باركها وأثنى عليها الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- وهذا الحلف نشأ في مكة بحدود 590 - 595 م، ويعود تاريخ الوثيقة إلى ما قبل الإسلام، صاغها بعض الشرفاء أو الفضلاء منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، وهذه الوثيقة الجاهلية طرحت قضية الحقوق على الملأ قبل مئات السنين من صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، بما في ذلك الأدبيات الرسمية للأمم المتحدة التي تكرس ومنذ عام 1948م غربية هذا الطابع.
ويعد حلف الفضول أول جمعية للدفاع عن حقوق الإنسان ربما في العالم كله أواخر القرن السادس الميلادي في مكة المكرمة مهبط الوحي والرسالة السماوية، والهيبة التنظيمية والأخلاقية لهذا الحلف استمرت إلى ما بعد الإسلام بعشرات السنين، والإسلام كان ذا موقفٍ إيجابي من هذا الحلف، فعلى الرغم من إلغاء الرسول – صلى الله عليه وسلم- للأحلاف جميعها، بسبب طبيعتها العصبية والقبلية إلا أنه حافظ على هذا الحلف وباركه.
ثانياً: من النادر ألا نجد ذِكراً لوثيقة الماغنا كارتا الإنجليزية الصادرة عام 1521م أو وثيقة المواطن الفرنسي الصادرة عام 1798م، ثم جاء ميثاق باريس وميثاق بريان كيلوك عام 1928م، ليحرّم الحرب العدوانية، فيما لا نجد أية إشارة إلى أية وثيقة عربية أو غير عربية في تلك الأدبيات التي تشرح، وبـسلطوية، المراحل التاريخية التي مر بها تطور حقوق الإنسان، وفيما بعد حرّم ميثاق الأمم المتحدة استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية.
ثالثاً: الدين بوصفه نظام علاقة واتصال ما بين الإنسان وأخيه في الإنسانية، وأخطر ما يواجه العقل العربي هو استلاب المستقبل لعقل الإنسان بحراب العولمة العسكرية التي تصطاد العالم بشباك الأيديولوجيا غير المرئية المستترة وراء النفاق والأوهام، وزرع الأحقاد والضغائن، وهذه العولمة المتوحشة تشكل خطراً كبيراً على القيم الإسلامية والمسيحية على حد سواء؛ لأنها بالتالي عولمة غير أخلاقية، وقد أدركت المجتمعات الأوروبية باكراً ما تمثله من مخاطر على الحريات العامة والتنوع الإنساني ومستقبل البشرية.
والإمارات تمكنت من استقطاب العديد من الملتقيات العلمية والمنتديات الحوارية استناداً إلى أساسيات الحوار الذي تعده علماً وحياةً وثقافة وكرامة، فالعالم متنوع الحضارات والأديان والأفكار والمعتقدات، وهو حقيقة فكر اللقاء والانفتاح والإصلاح والسلام واحترام الإنسان، والإمارات دائماً تنظر لما حولها بأفق عالمي منفتح لا أن تحشر الواقع بأفق محدود ينتج عنه صراعات كثيرة مفتعلة وبلا حدود، فكانت دعوتها لتحكيم العقل والحوار والعيش المشترك، إنها دعوة علاقة تلاقٍ، لا علاقة تنافر، إنها دعوة سلام ووئام.
فالدين الذي خاطب الله به عباده عن طريق الرسل والأنبياء هو دين الأسرة الإنسانية الواحدة، وذلك يعكس طبيعة الرسالات السماوية التي أكدت نظرة الإسلام إلى الإنسانية، وهو واضح في القرآن الكريم في قوله تعالى: "ولقد كرمنا بني آدم.." والحديث عن بني آدم يشمل الأسرة الإنسانية، وهنا البيان الإلهي الساطع الذي طوى فوارق المذاهب والمعتقدات والطبقات، وجاء التكريم ليعبر عن أدق ضوابط السلام ومرتكزاته.
رابعاً: ومن حق العرب والمسلمين الذين ورثوا مضامين ومعالم الحضارة العربية الإسلامية ومنحوا معطياتها للإنسانية أن يكون لهم الدور الفاعل في العصر الراهن إلى جانب الشعوب والدول الأخرى التي تصوغ هذا العصر وتحدد المصائر على الساحة العالمية، وبخاصة أن حقوق الإنسان امتزاج وتفاعل وتواصل للثقافات والحضارات المختلفة فمن قال إن الإسلام لم يَضف شيئاً لحقوق الإنسان فإنه واهم وبعيد عن التاريخ؛ فأول جمعية لحقوق الإنسان هي حلف الفضول الذي سبق الإسلام، وكذلك الأمم بالنسبة للحضارات الصينية والهندية والرومانية واليونانية، وهي حضارات أضافت الكثير إلى معاني حقوق الإنسان.
ما توصل إليه المنتدون في اجتماعات الملتقى يشكل فرصة مهمة وتجربة رائدة من نوعها في التاريخ الإنساني، وستكون منارة في إضفاء مسوغات جديدة في وقت تحتاج فيه شعوب العالم إلى حلف فضول جديد يرقى إلى معاني الإنسانية السامية، وبذلك ينبغي على الهيئات العربية والدولية المعنية وسائر المفكرين والمهتمين بمجالات حقوق الإنسان في العالم تحمل المسؤولية في إبراز معاني تطوير مضامين حقوق الإنسان، والإمارات خير مثال يحتذى في التعايش والتوافق والسلام بين الأديان لتظل هذه المفاهيم خالدة في خدمة الإنسانية جمعاء.
الآراء والمعلومات الواردة في مقالات الرأي تعبر عن وجهة نظر الكاتب ولا تعكس توجّه الصحيفة