الخليج وإيران وإسرائيل.. ملامح "سياسة تراس" المنتظرة بالشرق الأوسط
تدخل ليز تراس، رئيسة وزراء بريطانيا الجديدة، "داونينج ستريت"، في وقت تواجه فيه بلادها تحديات سياسية واقتصادية جمة، بالداخل والخارج، وسط تساؤلات عن سياستها الخارجية في الشرق الأوسط.
ورغم أن تحديات داخلية مثل أزمتي الطاقة وارتفاع تكلفة المعيشة تحتل قمة سلم أولويات رئيسة الوزراء الجديدة، إلا أنها سرعان ما ستكتشف مدى ارتباط قدرتها على مواجهة هذه التحديات المحلية، بالوضع الدولي.
وفي أمر غير معتاد في السياسة البريطانية، وصلت تراس إلى المنصب الأعلى في الحكومة البريطانية، عبر الوزارات الرئيسية في السياسة الخارجية، إذ قضت عاما كاملا على رأس الدبلوماسية، بعد عامين كوزيرة للتجارة الخارجية، ما منحها خبرة كبيرة في هذه الملفات.
ترجيح الاستمرارية
لكن القاعدة الأساسية الحاكمة في السياسة الخارجية بعصر تراس، هي ترجيح استمرارية رئيسة الوزارء الجديدة على نهج سلفها بوريس جونسون في الملفات الخارجية، انطلاقا من أنها كانت وزيرة خارجيته ومقربة منه، وفق مقال للكاتب البريطاني توباس جرين.
لكن الأزمات الاقتصادية الداخلية والانقسام السياسي حتى داخل حزب المحافظين الحاكم، يعقد الظروف التي من المنتظر أن تنصع فيها تراس سياستها الخارجية، بشكل كبير، وربما يؤثر على النفوذ البريطاني في العالم.
وفي هذا الإطار، يقول جرين في مقاله: "مثلما سيتم تشكيل أجندة تراس المحلية على الساحة الدولية، فإن قوتها على المسرح العالمي سوف تتشكل من خلال الواقع المحلي"، موضحا أن "المملكة المتحدة التي تعاني حالة ركود ومنقسمة داخليًا، اقتصاديًا وثقافيًا وسياسيا، سيكون لها تأثير دولي متضائل".
وبعيدا عن التحليل الكلي لسياسة تراس الخارجية المتوقعة والدور البريطاني في العالم، ينتظر أن تلعب رئيسة الوزراء الجديدة أدوارا مختلفة في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في ملف العلاقات مع الخليج، والموقف من "نووي إيران"، وفق مراقبين.
العلاقات مع الخليج
ومنذ فترة ولايتها بالخارجية البريطانية، تدعم تراس شراكة استراتيجية قوية مع دول الخليج، وقالت في ديسمبر/كانون أول الماضي، إن "العلاقات الاقتصادية والأمنية الأوثق مع شركائنا في الخليج توفر الوظائف والفرص للشعب البريطاني، وتضمن أن نكون جميعنا أكثر أمنا".
وتابعت: "من شأن المشاركة في الاستثمار مع دول الخليج في البنية التحتية، أن يساعد البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، التي تعتمد استراتيجيا على جهة واحدة، بينما نعزز النمو النظيف ونشجع ازدهار المبادرات والابتكار".
ومضت قائلة "ذلك يعود بالفائدة على جميع الأطراف. أريد أن تكون روابطنا أكثر عمقا في مجالات أساسية كالتجارة والاستثمار والتنمية والأمن الإلكتروني مع ذلك الجزء من العالم الذي له أهمية بالنسبة للمصالح البريطانية طويلة المدى".
كما وقفت تراس خلف اتفاق بين المملكة المتحدة ودول الخليج في أول شهر لها بوزارة الخارجية؛ ديسمبر/كانون أول الماضي، على تعزيز الروابط الأمنية والاقتصادية، وبالتالي التمهيد لحقبة من التعاون الأوثق، بما في ذلك في مجالات التجارة والأمن الإلكتروني، والاستثمار في البنية التحتية الصديقة للبيئة في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وفق الموقع الرسمي للحكومة البريطانية.
ويرى مراقبون، أن تراس يُنتظر أن تسير على نفس النهج خلال رئاستها للوزراء، وستعمد إلى توسيع دائرة التعاون والشراكة مع دول الخليج، في مجالات مختلفة، أبرزها الأمن والاقتصاد والاستثمار والتجارة.
وفي هذا الإطار، قال الخبير في مؤسسة كلية الدفاع التابعة لحلف "الناتو"، أومبرتو بروفازيو، لـ"العين الإخبارية"، إنه "من المرجح أن تسود الاستمرارية على التغيير خلال فترة ليز تراس في داونينج ستريت".
وتابع: "أجرت رئيسة الوزراء البريطانية الجديدة بالفعل اتصالات مهمة مع قادة دول الخليج وأقامت علاقات جيدة مع هذه الدول خلال فترة عملها وزيرة للخارجية ووزيرة للتجارة الخارجية".
ومضى قائلا: "بالنظر إلى الوضع الاقتصادي الصعب، قد تركز تراس على القضايا المحلية، ولكن من المرجح تسريع وتيرة المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة (FTA) مع مجلس التعاون الخليجي، والتي عملت عليها تراس في الفترة الماضية، لمنح لندن خيارا لتنويع تجارتها بعد خروجها من الاتحاد الأوروبي".
بريطانيا وإسرائيل
وفيما يتعلق بالسياسة تجاه إسرائيل، قال المحلل البريطاني، مورجان ولميزلي ديفيز، "ستستمر بريطانيا في دعم إسرائيل، مع التركيز على مزيد من تكامل إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط من خلال اتفاقيات السلام".
وتابع: "عملت تراس خلال ولايتها في وزارة الخارجية، مع نظرائها في إسرائيل، بالإضافة إلى شخصيات إسرائيلية مهمة أخرى لمواصلة الدعم البريطاني لإسرائيل، كما أنها تؤيد تصنيف حماس كمنظمة إرهابية".
وتتبنى تراس موقفا مخالفا للحكومات البريطانية السابقة التي فضلت عدم نقل السفارة البريطانية إلى القدس حتى لا تؤثر على عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين.
وقالت السياسية البريطانية في تصريحات صحفية مؤخرا، إنها ستعيد النظر في مسألة نقل السفارة البريطانية إلى القدس.
"نووي إيران"
أما الملف المرتبط بحد ما بالعلاقات مع إسرائيل، فهو إيران ومفاوضات الاتفاق النووي، وقد شاركت تراس، وهي وزيرة خارجية، في الجهود الغربية لاستعادة الاتفاق النووي الموقع في 2015، عبر مفاوضات دامت أشهرا في فيينا.
لكن تراس خرجت بتصريحات صحفية مؤخرا تؤكد فيها التمسك بمسار المفاوضات لكنها تلوح بـ"خيارات أخرى"؛حين قالت: "لقد كنت واضحًة في أن التقدم في خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي) لا يتحرك بالسرعة الكافية وأؤكد لكم أنه في حالة انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة، فإن جميع الخيارات مطروحة على الطاولة".
وفي هذا الإطار، كتب نايل جاردينر، مدير مركز مارغريت تاتشر للحرية في مؤسسة هيريتيج، في مقال نشر قبل أيام: "ستتحدى تراس إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بشأن جوانب السياسة الخارجية للولايات المتحدة مثل ضعف السياسة تجاه إيران".
وذكر جاردينر أن "القيادة البريطانية مهمة.. يجب على رئيس الوزراء الجديد أن يعزز بقوة المصالح البريطانية في المجال عبر الأطلسي، ويشمل ذلك البحث عن بديل للاتفاق النووي الإيراني الكارثي".
وفي وقت سابق اليوم، كلفت الملكة إليزابيث الثانية، ليز تراس بتشكيل الحكومة البريطانية الجديدة خلفا لبوريس جونسون، إذ قطعت رئيسة الوزراء الجديدة مسافة 1600 كم للتوجه إلى منتجع الملكة النائي في بالمورال في مرتفعات إسكتلندا لتسلم دعوة تشكيل الحكومة.
وخلال اجتماع استمر لنحو 30 دقيقة، طلبت الملكة من تراس، زعيمة أكبر حزب في البرلمان، تشكيل حكومة، بعد يوم من فوز السياسية البريطانية بانتخابات داخلية في الحزب المحافظ.