«تحالف الحرب» يتهاوى.. أوكرانيا تُغرق بولندا في فجوة التاريخ والسياسة

تحالف ظل صامدًا منذ بداية الحرب، لكن يبدو أن كرة ثلج صغيرة، هي غضب المزارعين، تزداد حجمًا وتزيح الغطاء عن مشاكل ذات بُعد تاريخي معقد.
ولطالما نُظر إلى بولندا كأقوى حليف لأوكرانيا في حربها ضد الروس منذ بداية العملية العسكرية الروسية في فبراير/شباط 2022، لكن أمورًا تحدث على الحدود بينهما حاليًا تضع هذا التحالف على المحك.. فماذا يحدث؟
من الناحية القانونية، ينبغي السماح لسيارات الإسعاف بالعبور إلى أوكرانيا دون عوائق، ولكن المزارعين البولنديين، الذين يقفون للحراسة على الحدود، ينفذون قانونهم الخاص ويطلبون من السائقين التوقف.
ثم يفتحون الأبواب، وينظرون إلى الداخل، ويفتشون السيارات بحثًا عن أي بضائع مهربة، ويشتبهون في أنها تحمل حمولة غير مسجلة. لكنهم لا يجدون شيئًا، فيلوحون للسيارات بالمرور.
وأخذ المزارعون على عاتقهم تفتيش المركبات على المعبر الحدودي المكون من أربعة مسارات في "ميديكا" البولندية.
وكان هناك العشرات من هؤلاء المزارعين، يرتدون سترات مضيئة ويحملون الأعلام البولندية، ويتحدون الرياح العاتية التي تجلب الصقيع ثم الثلوج.
قد يبدو الأمر وكأنه اعتصام وحيد في يوم شتاء كئيب، ولكن هذه الاحتجاجات الحدودية ساعدت في توليد ديناميكية سياسية مهمة في بلد كان يُنظر إليه يومًا ما على أنه الحليف الأكثر صلابة لأوكرانيا ضد الخصم المشترك: روسيا.
مزاج متقلب
وبعد ثلاث سنوات من الحرب، أصبح المزاج العام متقلبًا بسبب التضحيات الاقتصادية، ويلعب التعاطف مع المزارعين دورًا مهمًا في هذا التحول، وفقًا لمجلة "بوليتيكو" الأمريكية.
يشكو جان واردوجا، وهو مزارع من منطقة "أوراويتشا" البولندية المجاورة: "كانت القصة التي تم بيعها لنا هي أننا يجب أن نساعد أوكرانيا، وأننا يجب أن نأخذ حبوبهم حتى يكون لديهم المال للحرب... كانت هذه كذبة".
وتابع: "هذه المعركة ليست من أجل الأوكرانيين الفقراء، بل من أجل الشركات الكبرى ورؤوس الأموال الغربية".
وحول "ميديكا" وخارجها، أغلق المزارعون البولنديون المعابر الحدودية، ونظموا مسيرات صاخبة على مدى العامين الماضيين. ويصفون نضالهم بأنه نضال ليس فقط للدفاع عن سبل عيشهم، بل عن سيادة بولندا ومصالحها الوطنية.
الممرات التضامنية
وعلى المستوى الأكثر جوهرية، يتصدى المزارعون لنظام "الممرات التضامنية" للاتحاد الأوروبي، الذي سمح لأوكرانيا ذات الثقل الزراعي بتدفق صادراتها الضخمة من الحبوب والمواد الغذائية الأخرى عبر الحدود البرية إلى الاتحاد الأوروبي، لأنه لم يعد من الممكن شحنها إلى الخارج عبر البحر الأسود.
لكن حجة المزارعين تتمثل في أن بضائع أوكرانيا لا تفي بمعايير الاتحاد الأوروبي، وتؤدي إلى خفض أسعار المنتجات البولندية، وهو ما يجد صدى كبيرًا في البلد الأوروبي.
وفي ذروة العام الماضي، وجد استطلاع للرأي، أجراه مركز أبحاث الرأي العام (وهو مؤسسة رائدة في مجال استطلاعات الرأي)، أن 81% من البولنديين يؤيدون احتجاجات المزارعين.
الأكثر من ذلك، فإن احتجاجات المزارعين تُغذي المناقشات الوطنية الأوسع نطاقًا حول التاريخ والهوية، التي تعود إلى الحرب العالمية الثانية وما قبلها، وهي مواضيع تلوح في الأفق في الفترة التي تسبق الانتخابات الرئاسية المقررة في 18 مايو/أيار.
ولا يتعلق التوتر في بولندا بدعم أوكرانيا في معركتها ضد روسيا من عدمه، فلا أحد في بولندا يريد انتصار قوات فلاديمير بوتين. ولكن خطاب المزارعين، المغلف بشكاوى اقتصادية تبدو براغماتية، قد أضفى طابعًا طبيعيًا على النظرة إلى أوكرانيا باعتبارها فاسدة ومتخلفة ومتوحشة للغاية بحيث لا يمكن الوثوق بها، وفقًا لـ"بوليتيكو".
خطوط صدع تاريخية
لكن هذه الاحتجاجات أعادت خطوط الصدع التاريخية في المجتمع البولندي إلى السطح مجددًا، وضخّمتها الجماعات اليمينية، وغذّت سردية قوية.
فخلال الحرب العالمية الثانية، قتل القوميون الأوكرانيون عشرات الآلاف من المدنيين البولنديين في "فولينيا"، فيما يُعرف الآن بغرب أوكرانيا، وهي فظائع معروفة على نطاق واسع في بولندا باسم "مذابح فولين".
وفي عام 1918، خاض الشباب البولنديون، المعروفون باسم "أورلوتّا لوفسكي" (نسور لوف)، معارك مريرة على مدينة "لفيف"، التي أصبحت الآن جزءًا من أوكرانيا. وعلى الرغم من أن هذه الصراعات وقعت منذ أجيال مضت، إلا أنها لا تزال رموزًا قوية للتضحية والمعاناة في الذاكرة التاريخية البولندية.
ويقول أحد المزارعين: "لقد مات أبناؤنا من أجل لوف (لفيف)، من أجل فولين، والآن يأتون إلى هنا ويريدون فقط أن يأخذوا ويأخذوا ويأخذوا"، في إشارة إلى ما يراه "استغلالًا لبولندا" من قبل أوكرانيا.
وساعدت هذه المشاعر في تشكيل الحملة الانتخابية الرئاسية، إذ استغل السياسيون من جميع الأطياف مأساة "فولينيا"، مستفيدين من الأخيرة للتشكيك في مكانة أوكرانيا الأخلاقية، أو للمطالبة بتنازلات من كييف.
aXA6IDE4LjE5MC4xNTMuOTAg جزيرة ام اند امز