أولينا زيلينسكي.. كاتبة السيناريو تنحت دور "رئيس بالإنابة"
ليلة واحدة قد تقلب الحياة رأسا على عقب؛ تبعدك عن أحبائك وتلقي بك في غيمة من المجهول، لكنها أيضا يمكن أن تعيد تشكيل شخصيك وأدوارك.
هذا على وجه التحديد ما حدث لزوجة الرئيس الأوكراني، أولينا زيلينسكي، ليلة 23 فبراير/شباط، حين دخلت إلى سريرها في وقت متأخر، لكنها كانت ليلة الهدوء الأخيرة، ولحظاتها الأخيرة بجانب زوجها، ولحظة التغيير الحقيقية في أدوارها.
أولينا، كاتبة السيناريو البالغة من العمر 44 عاما، فشلت في كتابة سيناريو الحرب لعائلتها، واكتفت بتدوين ملاحظة لتجهيز حقيبة تحسبا للحظة الخروج من كييف، لكنها لم تلتفت إليها، ونامت آخر لياليها بجوار الرئيس، مقتنعة بتوقع الأخير بأن الروس "لن يهاجموا" بلاده.
وداع صعب
لكن الواقع كان صعبا على الكاتبة المتمرسة، إذ فتحت عينيها فجر 24 فبراير/شباط على أصوات الانفجارات في كل كييف، ولم يعد المجمع الرئاسي المحصن في العاصمة قادرا على الجمع بينها وبين زوجها.
وكأي عائلة أوكرانية، تسببت الحرب في تقسيم أسرة السيدة الأولى، إذ بقي زيلينسكي في مجمعه في وسط كييف لقيادة البلاد، بينما اختبأت زوجته مع طفليهما.
وكان وداع الطرفين غير عاطفي بالمرة، والحديث لأولينا، إذ لم تدخل العائلة حتى غرفة خاصة للتحدث بعد الاستيقاظ على أصوات الانفجارات، وتعانقوا في الردهة، وتبادلوا بضع كلمات على عجل، فقط من أجل طمأنة الأطفال.
وعلى إثر هذا الوضع، توقفت مشاريع السيدة الأولى لتحسين التعليم والرعاية الصحية في البلاد، وكذلك توقفت عن ممارسة مهنتها ككاتبة سيناريو، ولم تعد تعرف مسبقا أين ستنام كل ليلة في رحلتها بعيدا عن الزوج والعاصمة.
صوت كييف
ولكن بعد 10 أسابيع من الحرب، خرجت أولينا زيلينسكي، التي تحمل شهادة جامعية في الهندسة المعمارية، من المخبأ، واكتشفت نفسها في أدوار جديدة؛ كقائدة من نوع مختلف في زمن الحرب، وفق مجلة "تايم" الأمريكية الشهيرة.
وبينما ركز زوجها الرئيس الأوكراني على تأمين الأسلحة وأشكال الدعم الأخرى من الغرب، كرست السيدة الأولى نفسها لمساعدة البلاد على التعامل مع الصدمات الجماعية والشخصية.
وفي مايو/أيار، أطلقت أولينا مبادرة حكومية لإتاحة الدعم النفسي لكل الأوكرانيين. وبدأت في تدريب مستشاري الصدمات، وإنشاء خطوط ساخنة للصحة العقلية والاستعانة بخبراء أجانب للحصول على الدعم السريري.
كان ذلك نابعا من حقيقة أن الخسائر النفسية للحرب هائلة، إذ تقدر وزارة الصحة الأوكرانية أن 15 مليون شخص، أي ما يقرب من ثلث السكان، من المحتمل أن يحتاجوا إلى رعاية صحية نفسية.
فيما نزح حوالي 8 ملايين شخص بسبب الحرب، غالبيتهم العظمى منهم من النساء والأطفال، وتضاعف عدد العسكريين ثلاث مرات تقريبًا منذ بداية الحرب، إلى أكثر من 700 ألف، ومن المرجح أن يعاني الكثير منهم من صدمة نفسية أثناء الخدمة.
عودة إلى زيلينسكي
وفي يونيو/حزيران، عادت أولينا زيلينسكي إلى المجمع الرئاسي في كييف، لتقود مبادراتها الخاصة بجانب زوجها، وفيما كان زيلينسكي يتلقى الإحاطات من جنرالاته، كانت السيدة الأولى تكافح من أجل دفع الأوكرانيين لطلب المساعدة النفسية.
وكانت أولينا تخشى بشكل أساسي إرث التعاطي مع الأزمات النفسية كوصمة مجتمعية، ورفض التعاطي مع الأزمات النفسية، وتفضيل تحملها بشكل منفرد عن طلب المساعدة، وفق التايم.
وفي نفس وقت عودتها إلى المجمع الرئاسي، بدأ دور جديد في التشكل، إذ لعبت دور صوت الدولة الأوكرانية، تقف أمام عدسات الكاميرات وترد على الصحفيين، وتنشر صورها في أغلفة مجلات عريقة من "التايم" و"فوغ".
كان هذا الدور مصمما خصيصا لأولينا بهدف حشد التعاطف في العام مع موقف كييف، ويبدو أن السيدة الأولى نجحت في هذا الدور، خاصة في الدول الغربية.
"رئيس بالإنابة"
ومع حلول شهر سبتمبر/أيلول الماضي، بدأت أدوار السيدة الأولى التي باتت وجها معروفا عالميا، تتوسع، إلى حد باتت معه "رئيسا بالإنابة" في ظل عدم قدرة زوجها على التحرك خارج كييف.
هذا الدور برز بشكل أساسي حين مثلت أولينا أوكرانيا في عزاء الملكة إليزابيث في لندن، وعقدت لقاءً مع أميرة ويلز، كيت ميدلتون عبرت فيه تعازي بلادها.
كما طارت بعدها إلى نيويورك لحضور أعمال الدورة الـ77 للأمم المتحدة، وعقدت سلسلة من اللقاءات مع ممثلي دول مختلفة، وبحثت علاقات التعاون بين بلدها وهذه الدول.
وعلى سبيل المثال، عقدت أولينا اجتماعا موسعا بنيويورك مع السيدة الأولى في لاتفيا أندرا ليفيت، والسيدة الأولى لبولندا أغاتا كورنهاوزر دودا، والسيدة الأولى لليتوانيا ديانا نوسدياني، وسيدة إستونيا الأولى، سيرجي كاريس، وزوجة رئيس المجلس الأوروبي، أميلي ديربودرنجين.
وفي نيويورك أيضا، عقدت السيدة الأوكرانية الأولى، اجتماعات مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ورئيسة وزراء بريطانيا، ليز تراس، والسيدة الأولى لفرنسا بريجيت ماكرون، والمديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ناتاليا كانيم.
ومن الولايات المتحدة إلى إسطنبول، إذ التقت أولينا زيلينسكي، السيدة الأولى التركية أمينة أردوغان بقصر وحد الدين، أمس الأحد، وفق الرئاسة التركية.
لكن هذا الدور المتزايد لأولينا كممثلة للرئيس الأوكراني في الخارج، كان له تمهيد في يوليو/تموز الماضي، حين زارت واشنطن، والتقت الرئيس جو بايدن، ووزير الخارجية، أنتوني بلينكن، وألقت خطابا نادرا لسيدة أولى أجنبية أمام الكونجرس.