تراجع الزخم الروسي.. هل تستغل أوكرانيا الفرصة؟
ربما لا تستطيع روسيا الحفاظ على وتيرة هجومها الحالية مما يعني أن أوكرانيا عليها أن تبدأ في التخطيط للاستفادة مع تراجع موسكو الوشيك.
وفي نهاية عام 2023، كان لدى روسيا فرصة لتحويل الحرب في أوكرانيا التي استهلكت قوتها البرية في الهجوم المضاد، مدفوعة بكميات كبيرة من الذخائر وصواريخ الدفاع الجوي الاعتراضية، في الوقت الذي كانت كييف تكافح فيه لإعادة إمداد خطوطها.
ليس هذا فحسب، بل إن الانقسام الحزبي في الكونغرس الأمريكي عطل حزمة مساعدات بقيمة 61 مليار دولار لأوكرانيا التي كانت تواجه نقصا في الجنود مع تعثر مشروع قانون مثير للجدل للتعبئة في البرلمان الذي لم يمرره إلا في أبريل/نيسان الماضي ليدخل حيز التنفيذ في مايو/أيار الماضي.
ورغم ذلك، فشلت روسيا في الاستفادة من تلك الأوضاع على مدار الأشهر الستة الماضية، ولم تحرز أي تقدم سوى السيطرة على قطع صغيرة فقط من الأرض والتي بلغت منذ يناير/كانون الثاني 2024 حوالي 360 ميلًا مربعًا وفقا لما ذكرته مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية.
وتواصل روسيا هجومها عبر جبهات برية متعددة إضافة إلى القصف الجوي على البنية التحتية الأوكرانية، لكن حتى أكبر المنظمات العسكرية وأكثرها قدرة لا يمكنها الاستمرار في الهجمات إلى الأبد، مما يعني أن خسارة عدد كبير من قواتها قد يدفع موسكو في النهاية لوقف الهجوم.
نقطة الذروة
وتعرف المؤسسات العسكرية هذه اللحظة بـ«نقطة الذروة» أي الوقت الذي تنفد فيه القوة المهاجمة من الأشخاص والمعدات والقدرات التي تحتاجها لتكون فعالة وهي نقطة يصعب التنبؤ بتوقيتها فيما يبدو أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يريد استمرار الهجوم لأطول فترة ممكنة.
وتهاجم روسيا منذ أكثر من نصف عام، وربما لا تستطيع الحفاظ على وتيرة هجومها الحالية إلا لمدة شهر أو شهرين آخرين، وبعده قد يتمكن الجيش من تنفيذ بعض الهجمات البرية والجوية، لكن بمعدل أقل كثيراً.
وهذا يعني أن أوكرانيا لابد وأن تبدأ في التخطيط للاستفادة من تراجع روسيا الوشيك وهو أمر لن يكون سهلا في ظل معاناة شعبها والعديد من العوامل الخارجة عن سيطرتها؛ مثل توقيت وصول موسكو للذروة واستمرار الدعم الغربي لها.
إلا أن أوكرانيا قادرة على دراسة ساحة المعركة بحثاً عن علامات ضعف روسيا وبإمكانها العمل مع حلف شمال الأطلسي (الناتو) من أجل التدريب والاستعداد لهجمات جديدة، ويمكنها ابتكار نظرية جديدة للنصر تجعل الموقف العسكري الروسي غير قابل للدفاع عنه حقاً وعندئذ ستتمكن كييف من التفاوض بشروط ملائمة لتأمين فوز دائم.
وإذا كانت موسكو قد فشلت في تحقيق مكاسب فإن الأشهر الستة الماضية كانت الأدنى بالنسبة لأوكرانيا التي خسرت أعدادًا كبيرة من القوات.
ورغم أن الولايات المتحدة أقرت أخيرًا حزمة مساعدات جديدة في أبريل/نيسان، إلا أن تدفقات الأسلحة والذخائر الغربية لم تعد بعد إلى المستويات التي كانت عليها طوال عام 2023.
وتواجه أوكرانيا عجزًا كبيرا في أنظمة الدفاع الجوي، فضلا عن تدهور ميزانيتها، كما أن محطات الطاقة والمولدات في البلاد لا تملك سوى نصف القدرة التي تحتاجها للتعامل مع متطلبات المواطنين هذا الشتاء، وهذه التحديات ليست سوى نقطة البداية.
وسيضطر المسؤولون الأوكرانيون للتعامل مع عقبات إضافية خارجة عن سيطرتهم وأولها الجيش الروسي الذي يظل خطيرا بشكل غير غير عادي.
وحاليا قد تكون روسيا قادرة على تعويض أوجه القصور التي تعاني منها من خلال الحصول على الأسلحة من شركائها الإيرانيين والكوريين الشماليين وفقا لـ"فورين أفيرز" التي قالت إن موسكو يمكنها شراء التكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج المدني والعسكري، كما أن الروس أثبتوا قدرتهم على التعلم والتكيف على المستويين التكتيكي والاستراتيجي.
من جهة أخرى، فإن شركاء أوكرانيا في الولايات المتحدة وأوروبا متقلبون. ورغم أن أغلب دول القارة العجوز رفعت ميزانيتها الدفاعية في ظل مخاوفها من اتساع نطاق الحرب ومن عودة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب للبيت الأبيض إلا أن هذا النمو لن يفي بالمتطلبات الحالية للجيش الأوكراني.
ولا تزال نتيجة سباق البيت الأبيض غير مؤكدة رغم ارتفاع أسهم الديمقراطيين عقب انسحاب الرئيس جو بايدن ودعمه لنائبته كامالا هاريس.
ووفقا لاستطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث في يوليو/تموز فإن أقل من 15% من الديمقراطيين يعتقدون أن واشنطن تقدم الكثير من المساعدة لأوكرانيا، لكن ما يقرب من نصف الجمهوريين يعتقدون ذلك.
وإذا فاز ترامب في السباق الرئاسي وفاز الجمهوريون بمجلسي الشيوخ والنواب، فقد تجد روسيا نفسها في وضع جيد جدا العام المقبل بعدما أعلن ترامب ونائبه جي دي فانس، أنهما يفضلان خفض المساعدات الأمريكية والسعي إلى إنهاء الحرب عن طريق التفاوض.
وحتى لو انتصر الديمقراطيون، فقد تشهد أوكرانيا انخفاضًا في الدعم الأمريكي بسبب ما يحدث حول العالم مثل حرب غزة التي حولت الأنظار بعيدا عن كييف وجعلت صناع القرار في واشنطن وغيرها ينفقون المزيد من الوقت والموارد لدعم إسرائيل كما استقطبت الحرب الاهتمام الإعلامي مما أثر سلبيا على الدعم الشعبي.
وسيؤدي اتساع نطاق الحرب في الشرق الأوسط إلى استنزاف استهلاك نفس أنواع أسلحة المدفعية والدفاع الجوي التي تحتاجها أوكرانيا.
ولا تستطيع أوكرانيا السيطرة على الجغرافيا السياسية العالمية أو السياسة الداخلية لشركائها، لكن الكثير مما يشكل عام 2025 يقع ضمن نطاق سلطتها مثل التدريب، خاصة وأن قواتها البرية في الجنوب لم تتلق التدريب الكافي قبل الهجوم المضاد في 2023 ولشن هجمات ناجحة العام القادم سيتعين على كييف علاج هذا القصور من خلال دعم واشنطن والناتو.
وتتمتع أوكرانيا بالقدرة على إدارة حملاتها الاستهدافية التشغيلية والاستراتيجية، وطورت صواريخ محلية وأنظمة بدون طيار بعيدة المدى مثل المسيرات وصواريخ كروز، ولديها القدرة على إطلاق الصواريخ الباليستية من أنظمة الصواريخ التكتيكية للجيش الأمريكي وصواريخ ستورم شادو الأوروبية وبعض الأسلحة المتبقية من الحقبة السوفييتية.
3 أهداف
وتستهدف الضربات الأوكرانية حاليا ثلاثة أهداف رئيسية هي: صناعة النفط الروسية؛ والأصول العسكرية القياسية، مثل المطارات والمقرات واحتياطيات القوات والدفاعات الجوية ومراكز الخدمات اللوجستية؛ وأخيرا شبه جزيرة القرم وأسطول البحر الأسود الروسي.
وخلال الأشهر المقبلة، ستضطر كييف إلى تحديد أولويات الأهداف وعدد الأسلحة التي ينبغي لها الاحتفاظ بها في الاحتياطي وهي قرارات تتخذها أوكرانيا وحدها مثل القرارات المتعلقة بتوقيت وموقع العمليات الهجومية المستقبلية.
ويتعين على أوكرانيا الحفاظ على سرية هذه القرارات وهو أمر لن يكون سهلا في ظل التكنولوجيا الروسية الحالية
ولا تفتقر كييف إلى الأهداف المحتملة فقد تبدأ في دونباس لإحباط هدف روسيا الاستيلاء على شرق أوكرانيا بالكامل وقد تختار خاركيف، لضمان بقاء ثاني أكبر مدنها خارج نطاق المدفعية الروسية وتشمل الاحتمالات الأخرى أجزاء من جنوب أوكرانيا بسبب أهميتها الاقتصادية، أو حتى شبه جزيرة القرم.
وقد تختار كييف القتال على عدة محاور لخلق حالة من عدم اليقين بشأن موقع الهجوم الرئيسي لكن كل منطقة محتملة ستكون صعبة، نظرا لعدد القوات التي تمتلكها موسكو الآن في أوكرانيا والشبكات الكثيفة من الدفاعات التي بنتها في الشرق والجنوب.
أخيرا فإن كييف لديها ما يلزم لتحقيق النجاح ومع تراجع الزخم الروسي خلال الأشهر المقبلة ستستعد أوكرانيا وتعيد تشكيل نفسها وتراقب الفرص وستكون في وضع أفضل في 2025.
aXA6IDE4LjE4OC43Ni4yMDkg جزيرة ام اند امز