الرافض والطامح والراقص على السلم.. ورقة الناتو في حرب أوكرانيا
بعد أن كانت رغبة أوكرانيا وسعيها للانضمام لحلف شمال الأطلسي "الناتو" سبب الحرب التي شنتها روسيا عليها في 24 فبراير/شباط الماضي، حسب أغلب المحللين، ومرور قرابة العام على تلك الحرب، من جديد تبدي كييف تمسكا بالانضمام للحلف.
ورقة انضمام أوكرانيا للناتو تتراوح بين ثلاثة أطراف، أوكرانيا الراغبة ورئيسها الطامح إلى الانضمام، وروسيا الرافضة التي تعتبر الأمر تهديدا لأمنها، أما الناتو نفسه فهو كالراقص على السلم حيث يدعم الحلف أوكرانيا عسكريا بسخاء دون طرح فكرة انضمامها بشكل قوي.
وفي السياق، قال أندري يرماك مدير مكتب الرئيس الأوكراني في كييف، اليوم الأحد، إن الرئيس فولوديمير زيلينسكي وصف خلال لقاء مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق بوريس جونسون، عضوية بلاده في الناتو بأنها "أفضل ضمان للأمن" بالنسبة لأوكرانيا، مشيرا إلى أن من المهم دفع هدف عضوية الناتو قدما بشكل فعال.
وأضاف يرماك أن زيلينسكي وجونسون، تحدثا أيضا عن قمة السلام التي اقترحتها أوكرانيا، والتي لم يتحدد لها موعد حتى الآن.
من جانبه، أكد جونسون في مقطع فيديو بثه زيلينسكي على "تليغرام" أنه جاء إلى كييف من أجل مساعدة أوكرانيا في أوقات صعبة.
وسبق لقاء زيلينسكي قيام جونسون بزيارة ضاحيتي بوتشا وبوروديانكا في العاصمة كييف.
سبب الحرب
كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وصف سعي أوكرانيا إلى الانضمام إلى الناتو بأنه سبب الحرب التي شنتها موسكو، واشترط بوتين تخلي كييف بشكل دائم عن مساعيها الرامية إلى الحصول على عضوية الحلف الغربي لحل الصراع.
ووصف بوتين تطلعات أوكرانيا للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي بأنها بمثابة تهديد، وذلك في معرض تبريره للعملية في 24 فبراير/ شباط العام الماضي.
وبينما شددت الولايات المتحدة على أن القرار بشأن الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي يعود لأوكرانيا، لم تبد القوى الأوروبية أي حماسة بسبب القلق من منح ضمانات الأمن المتبادل لدولة تشهد نزاعا مع روسيا منذ عام 2014.
وترى روسيا أن التواجد المحتمل للناتو في أوكرانيا سيمثل تهديدا بالنسبة لأمنها.
كما رفضت موسكو مطالبات زيلينسكي والمتمثلة في الحصول على ضمانات أمنية والانسحاب الكامل للقوات الروسية من أراضي أوكرانيا، ووصفتها بأنها مطالب "غير واقعية".
هل بدأت الحرب من جديد؟
الأربعاء الماضي، أعلنت وزارة الدفاع الروسية إجراء تغييرات واسعة النطاق داخل الجيش خلال الفترة من 2023 وحتى عام 2026.
وكشف وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو خلال زيارته لمقر مجموعة قوات "فوستوك" خلال عملها في منطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، عن أبرز التغييرات التي ستجري في الجيش خلال السنوات الثلاث المقبلة.
اللافت أن التغييرات التي شملت زيادة عدد القوات لمليون ونصف مليون جندي، وإنشاء منطقتين عسكريتين جديتين، وتشكيل فرق عسكرية جديدة في مختلف أفرع الجيش، اعتبرها خبراء لمواجهة تمدد حلف شمال الأطلسي على حدود روسيا، وبخاصة باتجاه فنلندا والسويد، ومحاولة لإصلاح الخلل الذي كشفته العملية العسكرية في أوكرانيا.
الخبير العسكري الروسي، سيرغي شاشكوف، يرى أن تلك التغييرات تهدف بصفة خاصة مواجهة تمدد حلف شمال الأطلسي على الحدود الروسية، خاصة مع سعي فنلندا والسويد للناتو.
وقال شاشكوف في تصريحات صحفية، بناءً على ما يستعد له حلف الناتو في أوكرانيا وفي محيط بيلاروسيا، كان لا بد لروسيا أن تأخذ بعين الاعتبار إمكانية الصدام مع حلف الناتو لاحقًا.
ألكسندر أرتاماتوف المحلل العسكري الروسي، بدوره قال إن عدد القوات يثبت بلا ريب أن حسابات موسكو مع انطلاق العملية العسكرية في فبراير/ شباط الماضي كانت غير صائبة إلى حد ما.
وأضاف في تصريحات لـ "سكاي نيوز" عربية، أن الوضع أصبح عكس التوقعات بالأخص خلال الأشهر الخمسة الماضية، والانتكاسات التي حدثت للجيش خلال العملية العسكرية في أوكرانيا، جعلت الموقف الروسي داخل البلاد غير مقبول، وطالت قيادات الجيش انتقادات واسعة، مما جعل الكرملين يبحث في تغيير نظرته وحساباته.
وماذا بعد؟
كييف ما تزال على موقفها ورغبتها بالانضمام لحلف شمال الأطلسي وقال وزير دفاعها أوليكسي ريزنيكوف، إن أوكرانيا أصبحت عضوا فعليا في حلف الناتو، نظرا لأن الدول الغربية، التي كانت قلقة في وقت ما من أن تنظر روسيا إلى المساعدات العسكرية التي تقدمها لأوكرانيا على أنها تصعيد، قد غيّرت "طريقة تفكيرها".
وفي مقابلة مع بي بي سي، قال ريزنيكوف إنه متأكد من أن أوكرانيا ستحصل على أسلحة كانت تنتظرها منذ فترة طويلة، بما في ذلك دبابات وطائرات مقاتلة، بينما تستعد أوكرانيا وروسيا على ما يبدو لهجمات جديدة في فصل الربيع.
وقال ريزنيكوف: "هذا القلق بشأن المستوى التالي من التصعيد، بالنسبة لي، هو أمر طبيعي".
وأضاف: "أوكرانيا كدولة، والقوات المسلحة لأوكرانيا، أصبحت عضوا في الناتو. بحكم الواقع، وليس بحكم القانون، لأن لدينا أسلحة، وفهما لكيفية استخدامها".
لكن من جانب الناتو نفسه لا تبدو قضية انضمام أوكرانيا مطروحة بقوة حاليا، في مقابل مساعدات عسكرية أوروبية وغربية عموما لا محدودة لأوكرانيا في مواجهة روسيا.
وأكد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج، أهمية دعم أوكرانيا من خلال تقديم المزيد من الأسلحة.
وقال ستولتنبرج -في خطابه أمام المؤتمر السنوي لاتحاد الشركات النرويجي في العاصمة أوسلو، في الخمس من يناير/كانون الثاني الجاري وفقًا لما أورده الموقع الرسمي لحلف شمال الأطلسي- "إن الأسلحة في الواقع هي الطريق إلى السلام".
وشدد على أن "حلفاء الناتو سيستمرون في دعم أوكرانيا وتزويدها بالمزيد من الأسلحة، لأنه لا يمكن أن يكون هناك سلام دائم إذا ساد الاستبداد على الحرية".