أوديسا.. مفتاح حرب أوكرانيا
صورة مصغرة من الصراع الروسي الأوكراني تختزله أوديسا؛ المدينة الرابضة على ساحل البحر الأسود بتقاطيع ممزقة بين موسكو وكييف.
يعتبرها البعض -بعد كييف- مفتاح الحرب التي تخوضها روسيا على أوكرانيا منذ أكثر من أسبوع، فيما يرى آخرون أنها تتفوق على العاصمة التي يشكل صمودها أو سقوطها فارقا رمزيا، باعتبارها شريانا اقتصاديا استراتيجيا.
وما بين الطرحين، تحبس المدينة أنفاسها خلال الساعات القليلة المقبلة بإعلان وزارة الدفاع الأوكرانية، مساء الخميس، أن القيادة العسكرية الروسية أجرت تعبئة مؤقتة في منطقتي دونيتسك ولوهانسك.
وأوضحت الوزارة أن موسكو شكلت وحدتين 1 و2 من فيلق الجيش لمهاجمة المدن والبلدات في الأراضي التي تسيطر عليها أوكرانيا.
وأشارت إلى أنه يتم نقل جزء من الأوكرانيين عبر أراضي منطقة روستوف ومنطقة كراسنودار وشبه جزيرة القرم؛ لإجراء عملية هجومية بحرية للاستيلاء على أوديسا؛ المدينة التي تضم مليون نسمة وتعتبر ثالث أكبر مدن أوكرانيا بعد كييف وخاركوف.
أوديسا الاستراتيجية
تشتهر أوديسا بكونها مدينة صناعية وزراعية، وتضم مرفأين هما: أوديسا ويوجني، والأخير يعتبر أيضا مرفأ نفطيا مهما على الصعيد العالمي، وتضم أيضا منفذا آخر لا يقل أهمية في الإقليم نفسه إلى الجنوب الغربي، بالإضافة إلى أنها تمثل مركزا رئيسيا للنقل التكاملي مع خطوط السكك الحديدية. حيث يتمّ توصيل النفط من أوديسا إلى الاتحاد الروسي والدول الأوروبية عبر شبكة خطوط أنابيب استراتيجية.
أوديسا تختزل أيضا التوليفة المختلطة في معظم مدن أوكرانيا؛ الدولة السوفيتية السابقة، حيث يتكلم أهلها الأوكرانية والروسية، كما تضم موالين لكييف وآخرين لموسكو، وفي هذا المزيج، يبدو التعايش سلميا عبر تقسيم يشمل الأحياء.
فبينما ينظم البعض من أبناء المدينة للمقاومة الشعبية استعدادا لمواجهة الروس، يعلن آخرون تأييدهم لموسكو، وفي جزء آخر من المدينة، تقوم مجموعة من المواطنين، كل مساء، بدوريات في الشوارع، وينظمون نقاط تفتيش للسيارات للتأكد من أن الغرباء لا يحملون أسلحة.
وفي حي آخر، تقوم النساء بمسح العلامات الفلورية التي من شأنها أن تكون إشارات للطائرات بدون طيار الروسية، بينما انكب شبان في فناء حي آخر على صنع زجاجات حارقة للدفاع عن أنفسهم ضد الجيش الروسي.
أوديسا الدافئة
تعتبر أوديسا أدفأ مدن أوكرانيا في فصل الشتاء لوجودها على البحر، وفيها تتجلى ملامح التطور ملحوظة عبر البناءات الشاهقة الجديدة والسيارات الحديثة، كما تضم عددا من الكنائس و4 مساجد للمسلمين، وتستضيف العديد من الأجانب من مختلف دول العالم من طلاب وتجار، ما يمنحها جميع معايير الجمال القابع على ساحل البحر الأسود، تعززه مبانيها التاريخية وشوارعها القديمة الجميلة.
ووفق دراسة أجراها المعهد الجمهوري الدولي عام 2015، فإن 68 بالمئة من سكان أوديسا من أصل أوكراني و25 بالمئة من أصل روسي، كما تضم عددا كبيرا من اليهود، وتقارب أوديسا حجم بلجيكا أو مولدوفا، وتشكل حوالي 5.5% من أراضي أوكرانيا.
مدينة جميلة يخشى مراقبون أن تشوهها الحرب الجارية، وسط معطيات تشير بتحرك سفن حربية روسية من شبه جزيرة القرم باتجاهها بالتزامن مع انتشار قطع بحرية تابعة لموسكو على ساحل المدينة.
والاستيلاء على أوديسا يحمل معه شبح خنق الاقتصاد الأوكراني، وبحسب صحيفة "التايمز" البريطانية، فإن خسارة أوديسا ستكون مثل خسارة المملكة المتحدة لدوفر، من حيث التأثير.
وأشارت الصحيفة إلى أن تركيز روسيا في الجنوب تمحور على ميناء خيرسون الاستراتيجي الأصغر، وهي مدينة يعيش فيها 300 ألف نسمة وتقع على ضفاف نهر دنيبر بالقرب من المصب في البحر الأسود.
وبعد وقوعها تحت سيطرة روسيا، قد يكون من الممكن إعادة فتح قناة مهمة واستعادة إمدادات المياه إلى شبه جزيرة القرم.
وتشير تقارير إعلامية إلى أن ماريوبول، وهي مدينة جنوبية أخرى ينظر إليها على أنها مهمة لربط شبه جزيرة القرم بمناطق الانفصاليين الموالين لروسيا في الغرب، واقعة تحت حصار القوات الروسية وتتعرض لقصف مستمر.
لكن مع السيطرة على خيرسون هناك مؤشرات على أن المعركة قد تتجه أكثر غربا، حيث تشير آخر التحديثات إلى أن وحدة الإنزال التابعة للأسطول الروسي بالبحر الأسود، والتي تتكون من أربع سفن إنزال ضخمة يرافقها ثلاثة من زوارق الصواريخ، تبحر "باتجاه أوديسا".