أوكرانيا و«الصحوة المفاجئة».. تحسين لشروط التفاوض أم نسف لمخاوف الغرب؟
في غضون خمسة أيام تغيرت الحرب بين روسيا وأوكرانيا بشكل كبير، فقد تحول توغل قوات كييف في منطقة كورسك الروسية بسرعة إلى «أكبر مكسب» لأي من الجانبين منذ الهجمات المضادة الأوكرانية في خاركيف وخيرسون، بخريف 2022.
وبينما لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القوات الروسية قادرة على وقف التقدم الأوكراني، باشرت موسكو السبت «عمليّة لمكافحة الإرهاب» في ثلاث مناطق حدوديّة مُتاخمة لأوكرانيا.
وتقول «فورين بوليسي» إن هذه العملية تظهر «قدرة أوكرانيا على تحقيق المفاجأة واستغلال الاختراقات المفاجئة»، مشيرة إلى أن أنصار كييف الغربيين على استعداد للوقوف إلى جانبهم، حيث أصدر البيت الأبيض ومقر الاتحاد الأوروبي بيانات تفيد بأن الأمر متروك لأوكرانيا لاتخاذ القرار بشأن العملية.
خطوط حمراء
وفي السابق، كان هناك الكثير من النقاش في واشنطن وبرلين وبين وسائل الإعلام التي تتكهن حول الخطوط الحمراء المفترضة للكرملين التي من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة، أحد هذه الخطوط هو نقل الحرب إلى روسيا بأسلحة غربية.
وبحسب الصحيفة الأمريكية فإن الاعتقاد في التصعيد غير المنضبط أدى إلى دفع إدارة جو بايدن وبعض شركائها إلى تقييد كل من أنواع الأسلحة المسلمة لأوكرانيا ومداها المسموح به بشدة، فلم يُسمح لكييف باستخدام الصواريخ الغربية لضرب المنشآت العسكرية على الجانب الروسي من الحدود، مشيرة إلى أن جزءا من تأثير وهدف عملية كورسك هو «إثبات مغالطة حجة الخط الأحمر مرة أخرى».
ومع استمرار الهجوم والتزام كييف الصمت في أغلب الأحيان بشأن الأحداث، لا يزال من المبكر للغاية الكشف عن الأهداف الاستراتيجية التي تأمل أوكرانيا في تحقيقها.
ومن بين التكهنات التي اكتسبت قدراً كبيراً من الزخم أن هذا قد يؤدي إلى نهاية أسرع للحرب، فالتوغل الأوكراني يوضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن «أوكرانيا تحتفظ بإمكانات كبيرة لإلحاق الأذى بروسيا»، بحسب الصحيفة الأمريكية، التي قالت إنه إذا تمكنت القوات الأوكرانية من الصمود والحفاظ على السيطرة على الأراضي الروسية، وهو ما يبدو أنها تتمسك به من خلال جلب المزيد من المعدات وبناء خطوط دفاعية جديدة، فقد يعزز ذلك من نفوذ أوكرانيا في أي مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب.
وقال مستشار للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لصحيفة واشنطن بوست: «سيمنحهم هذا النفوذ الذي يحتاجون إليه للمفاوضات مع روسيا، وهذا هو كل ما في الأمر».
يتوافق هذا مع التلميحات الأخيرة التي أدلى بها زيلينسكي بأن كييف مستعدة للتفاوض. وفي مقابلة مع «بي بي سي نيوز» في يوليو/تموز الماضي، قال: «ليس علينا استعادة جميع الأراضي بالوسائل العسكرية. أعتقد أنه يمكن تحقيق ذلك أيضًا بمساعدة الدبلوماسية، فيمكن مقايضة روسيا المحتلة بأوكرانيا المحتلة، كما اقترح رئيس الوزراء السويدي السابق كارل بيل، قائلا: «هل ستكون الفكرة أن تنسحب كلتا الدولتين إلى داخل حدودهما المعترف بها؟».
وإذا بدا أن كييف تعد الأرضية لمفاوضات محتملة من خلال السعي إلى تعزيز موقفها والإعلان علناً عن استعدادها لذلك، فإن هذا يشكل أيضاً استجابة لعوامل عدة.
الأرض مقابل الأرض
وعلى الرغم من أن أغلبية الأوكرانيين يفضلون الاستمرار في القتال حتى تحرير كل الأراضي التي سيطرت عليها روسيا منذ عام 2014، فإن عدد الذين يقولون إن أوكرانيا قد تتاجر ببعض هذه الأراضي في مقابل السلام آخذ في الارتفاع.
وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن الموقف الاستراتيجي لأوكرانيا محفوف بالمخاطر، فحتى لو نجحت في كبح جماح روسيا وحافظت على تدفق الأسلحة الغربية، فإنه لا يمكن استبعاد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني ووقف المساعدات بشكل مفاجئ، وحتى إن فازت كامالا هاريس فقد تواجه صعوبة في تجميع حزم الدعم المستقبلية إذا احتفظ الجمهوريون بأغلبيتهم في مجلس النواب الأمريكي.
وأشارت الصحيفة الأمريكية إلى أنه إذا نجحت كييف فإنه لن تغير الرواية العسكرية على الأرض فحسب، بل ربما تحاول -أيضًا- تغيير الرواية المتعلقة بالمفاوضات، من صفقة «الأرض مقابل السلام» إلى صفقة «الأرض مقابل الأرض»، ما من شأنه أن «يضع بوتين في مأزق: إن فقدان السيطرة على أجزاء من روسيا نفسها يشكل إحراجا هائلا للكرملين».
من ناحية أخرى، قد توفر الاستراتيجية الأوكرانية الجديدة فرصة للحمائم في القيادة الروسية على افتراض وجودهم وامتلاكهم لأي قدر من النفوذ على بوتين، للزعم بأن ضم الأراضي الأوكرانية لا بد أن يتم عكسه من أجل استعادة سلامة أراضي روسيا.