أوكرانيا والتجنيد.. التليغرام والألوان وسائل للفرار من «رحلة الموت»
بينما تكثف القوات الروسية من هجماتها على خطوط المواجهة يحاول الجيش الأوكراني يائساً تجديد قواته التي مزقتها الحرب، فشرع في حملة تعبئة واسعة النطاق مدعومة بقوانين جديدة.
وبينما استجاب العديد من الرجال الأوكرانيين لدعوة الخدمة العسكرية، حاول البعض الآخر التهرب من التجنيد الإجباري، في فصل ليس بجديد على كييف، فقبل حملة التعبئة الأخيرة، فر آلاف الرجال من البلاد لتجنب الخدمة، وكان بعضهم يسبح عبر نهر يفصل أوكرانيا عن رومانيا.
والآن، بينما يجوب الضباط مدن البلاد لتجنيد الرجال في سن الخدمة العسكرية، الذين تتراوح أعمارهم حالياً بين 25 و60 عاماً، اختبأ العديد من الأشخاص، خوفاً من أن يكون التجنيد الإجباري بمثابة تذكرة ذهاب فقط إلى خط الجبهة.
الفرار من رحلة الموت
وليس من الواضح عدد الرجال المختبئين، لكن في المدن الكبرى مثل كييف ولفيف، تضم مجموعات وسائل التواصل الاجتماعي التي تنبه الأعضاء إلى تحركات ضباط التجنيد عشرات الآلاف.
وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز»، فإن المقابلات التي أجريت مع عشرات الرجال الذين قالوا إنهم يقيمون في منازلهم لتجنب التجنيد الإجباري، كشفت عن مجموعة من الأسباب وراء هذا السلوك، بينها الخوف من الموت في صراع يتسم بحرب الخنادق الدموية والتفجيرات المدمرة.
وقال كثيرون أيضاً إنهم يعارضون التجنيد الإجباري بسبب ما وصفوه بأساليب التجنيد القاسية ونقص التدريب الكافي.
وقال ميكيتا، مصمم ويب يبلغ من العمر 28 عاماً من لفيف، في غرب أوكرانيا: «أخشى أنني لن أحصل على ما يكفي من التدريب ومن ثم سيتم نقلي إلى مكان أقرب إلى الجبهة وبعد ذلك سأموت بلا معنى».
ويدعم هذه المخاوف بعض المحللين العسكريين، الذين يقولون إن القوات الأوكرانية غالبا ما تفتقر إلى التدريب الكافي، مما يجعل من الصعب على كييف الحفاظ على خطوطها، حيث يتم إرسال تلك العناصر بسرعة إلى المعركة لتعويض الخسائر القتالية.
وقال العقيد فولوديمير نوفوسيادلي، المسؤول عن التجنيد الإجباري في كييف، إن التدريب استمر لمدة شهر على الأقل، وإن الجيش حاول التعامل مع المجندين بعدالة وتعاطف، لكنه أضاف أنه «يجب على كل مواطن أن يفهم ضرورة القيام بواجباته في الدفاع عن وطنه».
قانون جديد للتجنيد
وانضم العديد من الرجال الأوكرانيين إلى الجيش بسبب الشعور بالواجب المدني، ومنذ صدور قانون التعبئة الجديد في أبريل/نيسان، قالت وزارة الدفاع الأوكرانية إن 1.6 مليون رجل قاموا بتحديث أو تسجيل تفاصيلهم على موقع حكومي، وهي الخطوة الأولى قبل الاستدعاء المحتمل.
ومنذ بداية الحرب، كان التجنيد غير منظم إلى حد ما وشابه الفساد، فاستخدمت الحكومة أساليب مثل توزيع إشعارات المسودات بشكل عشوائي في المباني السكنية وفي شوارع المدينة، فيما تجاهل تلك الإشعارات يعد أمرا غير قانوني.
ويتطلب القانون الجديد من جميع الرجال في سن التجنيد التسجيل لدى الحكومة، بما في ذلك تقديم عنوان، وسيتم اختيار المجندين من تلك المجموعة، فيما سيصبح عدم التسجيل بحلول 16 يوليو/تموز المقبل، جريمة جنائية.
وقال تيموفي بريك، عالم الاجتماع في كلية كييف للاقتصاد، إن الاستطلاعات «تشير إلى أن الرغبة في الدفاع عن الأمة بين الأوكرانيين ظلت ثابتة» طول الحرب، حيث أشار نحو ثلث الأشخاص إلى استعدادهم للخدمة.
انقسام مجتمعي
ومع ذلك، فقد أدت حملة التعبئة في أوكرانيا إلى إحداث انقسامات مؤلمة في المجتمع. وقال فيتالي بوندارينكو، ضابط تجنيد يبلغ من العمر 29 عاماً في لفيف، إن «الرجال كانوا يهربون كلما توقفت سيارته (..) إنهم يروننا ويهربون».
ويشعر العديد من الجنود الأوكرانيين بالاستياء من أولئك الذين يحاولون تجنب التجنيد، قائلين إن أفعالهم تضعف المجهود الحربي لبلادهم. وقال ميكيتا آخر، 25 عاماً، تم تجنيده مؤخراً ولم يذكر سوى اسمه الأول وفقاً للقواعد العسكرية: «نظراً لكثافة القتال الحالي، لا يستطيع الجيش القتال دون تجديد منتظم للأفراد».
«وخلال أول عامين من الحرب، امتنع الجيش الأوكراني عن تعبئة واسعة النطاق، واعتمد بدلاً من ذلك على عشرات الآلاف من المتطوعين الذين انضموا إلى صفوفه بعد العملية العسكرية الروسية في فبراير/شباط 2022 .
لكن بحلول نهاية الصيف الماضي، أصبحت الحاجة إلى المزيد من الجنود واضحة، بعد فشل الهجوم المضاد الذي شنته أوكرانيا وتكثيف القوات الروسية هجماتها.
وقال فلاديسلاف، صحفي، قال إنه في سبتمبر/أيلول الماضي، تم تعليق مسودة إشعار على باب شقته، إلا أنه تجاهلها، آملًا ألا تكون ملزمة قانونًا لأنها لم تُسلَّم إليه، لكن خوفه من التجنيد زاد. وقال إنه وقع في حالة اكتئاب. وفي مقابلة أجريت معه مؤخرا في حديقة خارج شقته، ارتجف عندما كان جندي يمر بجانبه.
التليغرام والألوان
الشعور نفسه تحدث عنه أولكسندر، وهو محلل بيانات يبلغ من العمر 32 عاماً من كييف، قائلا إنه «بدأ يشعر بالخوف في الصيف الماضي» بعد رؤية الضباط يوقفون رجلاً خارج محطة مترو الأنفاق بالقرب من منزله. وأضاف: «لقد أمسكوا به من كتفيه واقتادوه إلى سيارة، واصطفوا على طول سلالم خروج المحطة لمنع أي شخص من الهروب».
ويقول بعض الرجال الذين يتهربون من التجنيد إنهم يسافرون الآن فقط بسيارات الأجرة لتجنب سحبهم من الشوارع ونقلهم قسراً إلى مراكز التجنيد، كما حدث في عدة حالات.
وقال أولكسندر إنه بدأ في تقييم الطرق الأكثر أمانًا للذهاب إلى العمل، وقام بمراقبة المجموعات على تطبيق المراسلة «تليغرام»، حيث يتتبع الأشخاص تحركات الضباط. وفي كييف تستخدم مجموعة تضم أكثر من 200 ألف عضو ألوانا مثل اللون الأخضر للإشارة إلى وجود ضباط التجنيد والتحذير من خطر إيقافهم بسبب الطقس المشمس والغائم والعاصف.
أولكسندر يضيف: «لكن بعد أسبوعين، أصبحت جميع الطرق التي يمكنني أن أسلكها غير آمنة». ويتذكر عدم قدرته على النوم، قائلا: «تراكم الخوف مع مرور الوقت».
فلاديسلاف وميكيتا وأولكسندر شباب أوكرانيون يقولون إنهم تبرعوا للقوات المسلحة الأوكرانية ولم يعارضوا تماما الانضمام إلى الجيش، إلا أن اعتراضهم الرئيسي هو عملية التعبئة في أوكرانيا، التي يشعرون أنها لا تولي سوى القليل من الاهتمام لقدرات الناس ومهاراتهم البدنية، وترسلهم إلى الموت المحتمل.
وقال جاك واتلينج، الخبير العسكري في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، وهو مركز أبحاث دفاعي في لندن، إن معظم الجنود الأوكرانيين كانوا محظوظين إذا حصلوا على خمسة أسابيع من التدريب. وأضاف أنه على النقيض من ذلك قامت بريطانيا بتدريب جنود المشاة لمدة 22 أسبوعا تقريبا خلال الحرب العالمية الثانية.