هجوم كورسك.. منعطف نحو «نهاية» الحرب في أوكرانيا؟
لم تكن الأيام الأربعة الماضية أشبه بيوميات عامين ونصف العام من عُمر الحرب الأوكرانية على صعيد قتال الجبهات.
في الساعات الأولى من صباح السادس من أغسطس/آب الجاري، عبرت وحدات من الجيش الأوكراني الحدود الروسية عبر منطقة كورسك، في خطوة مفاجئة أنهت تحريما دام عامين ونصف العام بشأن العمليات العسكرية.
ففي هذا الحيز الزمني القصير، تغيرت الحرب بين موسكو وكييف بشكل كبير. إذ تحول توغل القوات الأوكرانية في منطقة كورسك الروسية بسرعة إلى أكبر مكسب إقليمي لأي من الجانبين منذ الهجمات المضادة الأوكرانية في خاركيف وخيرسون في خريف عام 2022.
وحتى كتابة هذه السطور، لا يزال من غير الواضح ما إذا كانت القوات الروسية قد أوقفت التقدم الأوكراني.
بيْد أن العملية بحسب تحليل طالعته "العين الإخبارية" في مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تُظهِر قدرة أوكرانيا على تحقيق المفاجأة واستغلال الاختراقات المفاجئة.
وتقول المجلة: "في السابق، كان هناك الكثير من النقاش في واشنطن وبرلين وبين وسائل الإعلام التي تتكهن بشكل جنوني حول الخطوط الحمراء المفترضة للكرملين والتي من شأنها أن تؤدي إلى اندلاع الحرب العالمية الثالثة والكارثة النووية".
كان أحد هذه الخطوط "هو نقل الحرب إلى روسيا باستخدام الأسلحة الغربية. وقد حدث الأخير الآن".
في المقابل، أدى الاعتقاد بالتصعيد غير المنضبط إلى دفع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن وبعض شركائها إلى تقييد بعض أنواع الأسلحة إلى أوكرانيا ومداها المسموح به بشدة، حيث لم يُسمح لكييف باستخدام الصواريخ الغربية لضرب المنشآت العسكرية على الجانب الروسي من الحدود.
هل تقود إلى نهاية الحرب؟
وقد يكون جزء من تأثير وهدف عملية كورسك هو إثبات مغالطة حجة الخط الأحمر مرة أخرى. بحسب المصدر.
وبالنسبة للمجلس الأطلسي فإن الهجوم الصيفي الذي شنته أوكرانيا يشكل لحظة فاصلة في الحرب الحالية وحدثا تاريخيا بارزاً في حد ذاته.
وللمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية، تتعرض روسيا لغزو جيش أجنبي.
وتشير التقارير الأولية إلى أن هذه العملية تم إعدادها وسط قدر كبير من السرية على مدى أشهر.
ومع تطور الهجوم وبقاء كييف صامتة في الغالب بشأن الأحداث وطبيعتها، لا يزال من السابق لأوانه تحديد الأهداف الاستراتيجية التي تأمل أوكرانيا في تحقيقها.
لكن أحد التكهنات التي اكتسبت قدرا كبيرا من الاهتمام هو أن العملية قد تؤدي إلى نهاية أسرع للحرب.
وتشير "فورين بوليسي" إلى أن العملية توضح للرئيس الروسي فلاديمير بوتن أن أوكرانيا تحتفظ بإمكانات كبيرة لإلحاق الأذى ببلاده.
وإذا تمكنت القوات الأوكرانية من الصمود والحفاظ على السيطرة على الأراضي الروسية ــ والتي يبدو أنها تتمسك بها من خلال جلب المزيد من المعدات وبناء خطوط دفاعية جديدة ــ فقد يعزز ذلك من نفوذ أوكرانيا في أي مفاوضات محتملة لإنهاء الحرب.
وفي هذا الصدد، ترى المجلة الأمريكية أن "الغارة الخاطفة التي شنتها أوكرانيا على روسيا تعمل على تقويض الفكرة السائدة بأن موسكو تملك كل الأوراق لإملاء شروط وقف إطلاق النار".
ويبدو أن كييف تشير إلى أن النفوذ في المفاوضات هو أحد أهداف الهجوم. فقد قال مستشار لم يُكشف عن اسمه للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي لصحيفة "واشنطن بوست": "هذا من شأنه أن يمنحهم النفوذ الذي يحتاجون إليه للمفاوضات مع روسيا ــ وهذا هو الهدف".
ويتوافق هذا مع التلميحات الأخيرة التي أطلقها زيلينسكي بأن كييف مستعدة للتفاوض.
ففي مقابلة مع "بي بي سي نيوز" في يوليو/تموز الماضي، قال: "ليس علينا أن نستعيد كل الأراضي" بالوسائل العسكرية. مضيفا "أعتقد أن هذا يمكن تحقيقه أيضا بمساعدة الدبلوماسية".
إرهاق الحرب
وفي حال بدا أن كييف تعد الأرض للمفاوضات المحتملة من خلال السعي إلى تعزيز موقفها والإعلان علنا عن استعدادها، فإن هذا أيضا استجابة لعدة عوامل.
أحد هذه العوامل، هو تزايد إرهاق الحرب بين السكان الأوكرانيين. فعلى الرغم من أن غالبية الأوكرانيين يفضلون القتال حتى يتم استعادة جميع الأراضي التي سيطرت عليها روسيا منذ عام 2014، إلا أن عدد الذين يقولون إن كييف يمكن أن تتاجر ببعض تلك الأراضي مقابل السلام آخذ في الارتفاع. وفق "فورين بوليسي".
ثانيًا، كانت هناك انتقادات متزايدة، وخاصة في أوروبا الغربية والجنوب العالمي، للطريقة التي استبعدت بها أوكرانيا مرارًا وتكرارًا المحادثات مع موسكو.
وبصرف النظر عن القضايا الموضوعية الرئيسية، ومع قيام الكرملين على ما يبدو بتوجيه قنوات خلفية للانفتاح على المحادثات، فقد خاطرت كييف بأن يُنظر إليها على أنها متعنتة في منع نهاية مبكرة للحرب.
وأخيرًا، فإن الموقف الاستراتيجي لأوكرانيا محفوف بالمخاطر، حتى لو كان يمنع روسيا ويحافظ على تدفق الأسلحة الغربية.
إذ لا يمكن استبعاد فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني وتوقف المساعدات الأمريكية بشكل مفاجئ، وحتى إدارة كامالا هاريس قد تواجه صعوبة في ترتيب الأمور.
aXA6IDMuMTQ3LjUxLjc1IA==
جزيرة ام اند امز