ترامب يحرك المياه الراكدة؟.. إسطنبول تستعد لمباحثات روسية أوكرانية

في حال عقدها غدا الخميس، ستكون المحادثات المباشرة بين أوكرانيا وروسيا خطوةً حقيقيةً إلى الأمام وإنجازًا كبيرًا لإدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
قبل 3 أشهر فقط، كانت الحكومة الأوكرانية ترفض فكرة المحادثات مع روسيا باعتبارها غير قانونية، وتطالب بانسحاب موسكو من جميع المناطق التي تسيطر عليها كشرطٍ مسبق للمفاوضات.
ورغم رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقد لقاء وجها لوجه مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، فإن الأمر لا يعد انتكاسةً، فمن النادر إحراز تقدم حقيقي في محادثات السلام خلال اجتماعات القادة أنفسهم وذلك وفقا لما ذكره موقع "ريسبونسيبل ستايت كرافت".
وعادةً، قبل لقاء القادة، لا بد من إجراء مفاوضات مطولة ومفصلة بين المسؤولين لوضع أسس الاتفاق، لذا فالأمل الآن أن يُسهم اجتماع إسطنبول الذي اقترحته موسكو للمسؤولين في دفع هذه العملية قدمًا.
وكانت أوكرانيا والدول الأوروبية قد صرحت بأن رفض موسكو لوقف إطلاق النار لمدة 30 يومًا يُظهر أن "بوتين غير مهتم بالسلام".
وتعد قدرة روسيا على التقدم حتى وإن كان بطيئًا هي المصدر الرئيسي لنفوذ موسكو في المفاوضات، ولن تتخلى عنه ما لم يتم التوصل إلى اتفاق جوهري وللسبب نفسه، ولن توافق الدول الغربية أبدًا على مطلب روسيا بوقف كامل ودائم للإمدادات العسكرية لأوكرانيا كشرط مسبق لوقف إطلاق النار.
وبالتالي، يجب أن يتقبل الجميع أنه بينما تستمر المحادثات، سيستمر القتال الذي ينبغي أن يكون حافزًا للجهود المبذولة للتحرك بأسرع ما يمكن نحو تسوية شاملة.
ويجب أن تكون التسوية الشاملة هي هدف المحادثات، لأنه في غيابها سيكون أي وقف لإطلاق النار طويل الأمد شبيها لما حدث في دونباس بين عامي 2014 و2022 من حالة عدم الاستقرار الشديد التي تتخللها باستمرار اشتباكات وتبادل لإطلاق النار، وهو ما يجعل هناك خطر العودة للحرب الشاملة مستمرا.
وسيجعل هذا الوضع التنمية الاقتصادية لأوكرانيا وتقدمها نحو الاتحاد الأوروبي شبه مستحيل، لأنه سيمنع الاستثمارات الغربية، ولأنه يعني بقاءها مجتمعًا شديد العسكرة مُعبأً بشكل دائم للحرب.
كما أن ذلك الوضع سيجعل من الصعب على الولايات المتحدة تقليص وجودها العسكري في أوروبا لتركيز مواردها في أماكن أخرى.
وربما نجح تهديد ترامب بالانسحاب من عملية السلام في جمع الطرفين على طاولة المفاوضات، لكنهما فعلا ذلك فقط لتجنب لومه.
وفي القضايا الرئيسية، لا تزال مواقف روسيا وأوكرانيا متباعدة للغاية، وستكون شبه معجزة أن تنجح جولة واحدة من المحادثات المباشرة في إسطنبول في التقريب بينهما لذا فإن استمرار مشاركة الولايات المتحدة في عملية السلام يعد أمرًا أساسيًا.
ولكي يكون تدخل واشنطن فعالًا، يتعين عليها وضع شروط ملموسة ومفصلة للاتفاق، وممارسة الضغط والحوافز على كلا الجانبين لقبولها.
وبالفعل قدمت الولايات المتحدة حافزا لأوكرانيا وهو صفقة المعادن والوعد المقدم لها بأن المشاركة الاقتصادية الأمريكية طويلة الأمد ستضمن أيضًا مصلحة واشنطن في الحفاظ على الأمن الأوكراني.
وبالنسبة لروسيا، تمتلك إدارة ترامب حافزًا محتملًا هو بناء علاقة أمريكية روسية جديدة، وإنهاء ضغوط واشنطن على ما يعتبره الروس مصالحهم الحيوية.
وكانت محادثات روسيا وأوكرانيا في إسطنبول في مارس/آذار 2022، قد وضعت بعض عناصر الاتفاق والتي لا تزال سارية حتى الآن.
وتشمل الشروط التي تُلبّي المصالح الحيوية لكلا الجانبين، والتي يمكن لواشنطن مساعدتهما على الاتفاق عليها، عناصر مثل أن يمتد خط وقف إطلاق النار حيث يمتد خط المعركة في النهاية، وألا يُطلب من أيٍّ من الجانبين الانسحاب أكثر من ذلك.
وهناك أيضا أن يتعهد كلا الجانبين بعدم محاولة تغيير خط وقف إطلاق النار بالقوة أو التخريب أو الضغط الاقتصادي؛ وأن تُترك مسألة الوضع القانوني للأراضي المحتلة للتفاوض مستقبلًا، وأن تُؤخذ عضوية كييف في حلف شمال الأطلسي (ناتو) في الاعتبار.
وتشمل الشروط أيضًا عدم نشر أي قوات تابعة للناتو في أوكرانيا، وأن تكون أي قوة لحفظ السلام من دول محايدة تحت رعاية الأمم المتحدة على أن تضمن المنظمة الدولية سيادة أوكرانيا واستقلالها وأن يضمن كلا الجانبين الحقوق اللغوية والثقافية للأقليات.
ومن المهم أن تتضمن الشروط تعليق العقوبات الغربية على روسيا، ولكن مع بند "العودة السريعة" الذي يضمن استئنافها تلقائيًا في حال أي حرب جديدة وأن تقتصر أي قيود على التسلح الأوكراني على الصواريخ بعيدة المدى، وأن يتمكن الغرب من مواصلة تسليح أوكرانيا للدفاع عنها.
وسيؤدي التوصل إلى مثل هذه التسوية لشعور كلا الجانبين بالاستياء لكن الأمل يظل قائما في أن هذا الاستياء لن يدفعهم للعودة للحرب.