تسوية على الطريقة الفنلندية أم فخ روسي؟ أوكرانيا «بين نارين»

في إطار الجهود الأمريكية والأوروبية لإنهاء حرب أوكرانيا، تتعرض كييف لضغوط متزايدة لقبول تنازلات إقليمية.
في ظل مقترح "الأرض مقابل السلام"، تركز الاهتمام مؤخرا على تسوية مشابهة أنهت عام 1944 حربين متتاليتين بين فنلندا والاتحاد السوفياتي حيث تنازلت هلسنكي بشكل دائم عن أراضي فنلندية كبيرة وفي المقابل لم تتعرض لأي هجوم آخر.
وروج الرئيس الفنلندي ألكسندر ستاب ومجلة الإيكونوميست لهذه الخطة باعتبارها سابقة إيجابية كما أشاد بها المؤرخ المؤثر نيال فيرغسون في مؤتمر يالطا السنوي للاستراتيجية الأوروبية الذي نظمته مؤسسة فيكتور بينتشوك في كييف قبل أيام.
كان الاتفاق النازي السوفياتي عام 1939، الذي قسم أوروبا الشرقية بين القوتين، قد وضع فنلندا ضمن دائرة النفوذ السوفياتي الذي واجه مقاومة فنلندية عندما اجتاحت قواته البلاد، وبموجب هدنة موسكو عام 1944، تخلت هلسنكي عن ما يقرب من 12% من أراضيها مقابل تحقيق السلام والحفاظ على الاستقلال.
ومع ذلك تبدو فنلندا كتحذير أكثر منها كنموذج وفقا لتحليل نشرته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية أشار إلى فنلندا كانت تعتبر دولة صغيرة ذات أهمية هامشية لموسكو وذلك على العكس من أوكرانيا التي تعد الآن محور النشاط العسكري الروسي.
واعتبر التحليل أن الاتحاد السوفياتي كان يهدف في عام 1944 لإنهاء الحرب لكن روسيا اليوم لديها رغبة في السيطرة على أوكرانيا وعلى دول أخرى.
وعلى النقيض من النظرة لأوكرانيا، لم تشكك روسيا في وجود أمة ولغة وثقافة فنلندية كما أن فنلندا المستقلة لم تكن عائقًا أمام الطموحات السوفياتية في أماكن أخرى، لكن استقلال أوكرانيا يُمثل ضربةً قاسيةً لجهود روسيا لاستعادة إمبراطوريتها السابقة.
وفي حين تحقق السلام في فنلندا لأنها لم تكن محورية لاستراتيجية الكرملين فإن وجود أوكرانيا قوية ومسلحة جيدا هو شرط أساسي لتحقيق السلام في أوكرانيا.
من جهة أخرى، فإن تنازل فنلندا عن أراضيها جاء بحكم القانون وفي وقت أُعيد فيه رسم خريطة أوروبا بأكملها عقب الحرب العالمية الثانية لكن أي تغيير في الحدود بين روسيا وأوكرانيا سيكون اليوم بحكم الأمر الواقع فقط.
هناك سوابق تاريخية قد تكون مفيدة أكثر من نموذج فنلندا مثل تقسيم ألمانيا وكوريا بعد الحرب العالمية الثانية وهي حالات رُسمت فيها حدود جديدة بحكم الأمر الواقع.
ورغم التوترات، لا يزال السلام بين الكوريتين صامدا في حين أنهت معاهدة عام 1990 تقسيم ألمانيا.
ويتطلب النموذج الفنلندي المزيد من الدراسة في ظل المخاطر المرتبطة به حيث اضطرت فنلندا بموجب معاهدة 1944 إلى التنازل عن الأراضي وإلى دفع تعويضات حرب باهظة وقبول قيود على سيادتها وقواتها المسلحة.
وبالنسبة لكييف، لم تعد الأهداف التي حددها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في خطته للسلام لعام 2022 واقعية في ضوء نتائج الحرب.
وتكشف استطلاعات الرأي عن أن غالبية الأوكرانيين يقرون بعدم قدرة البلاد على استعادة الأراضي الخاضعة لسيطرة روسيا.
ويقع اللوم على الغرب في هذا الوضع وخاصة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن، التي حجبت المساعدات وأبطأت الهجوم المضاد الأوكراني في أواخر عام 2022 وأوائل عام 2023.
في المقابل، عززت روسيا قوتها العسكرية، بينما أصبحت أوكرانيا أكثر إرهاقًا وأقر زيلينسكي بالحاجة إلى تقديم تنازلات عندما وافق في مارس/آذار الماضي على الاقتراح الأمريكي بوقف إطلاق النار غير المشروط.
لكن قدرة أوكرانيا على البقاء دولة مستقلة وديمقراطية بعد التنازل عن أراضيها حتى لو كان ذلك بحكم الأمر الواقع تعتمد إلى حد كبير على تصرفات داعميها في الغرب الذين يتعين عليهم زيادة الدعم لمنع صفقة سيئة على غرار نموذج فنلندا تكون لها تداعيات خطيرة على أوروبا بأكملها.
aXA6IDIxNi43My4yMTYuMTAg
جزيرة ام اند امز