"حياة وموت".. المياه سلاح تكتيكي حربي يتجدد في أوكرانيا
لا صوت يعلو حاليا في أوكرانيا على هدير المياه من سد خيرسون المنهار، بعد أن أصبح في منتصف تكتيكات الحرب الدائرة هناك.
فقد تم تفجير سد نوفا كاخوفكا، اليوم الثلاثاء، وسط اتهامات متبادلة بين روسيا وأوكرانيا.
فبينما تقول موسكو إن الحادث عمل إرهابي ارتكبته كييف، تقول القيادة الجنوبية للجيش الأوكراني إن القوات الروسية فجّرت السد.
وخلال الساعات الأولى من اليوم، ظهرت لقطات لتسرب مياه من سد نوفا كاخوفكا، مما دق جرس إنذار وتحذيرات بضرورة إخلاء المنطقة حيث يقع السد، خوفا من أن تغمرها المياه.
وتقول صحيفة "الغارديان" البريطانية، إن تدمير السد ستكون له انعكاسات كبيرة على المنطقة المحلية - وعلى الجهد الحربي الأوكراني الأوسع.
وأكدت الصحيفة أن المياه من الخزان تزود شبه جزيرة القرم إلى الجنوب - التي ضمتها روسيا في عام 2014 - بالإضافة إلى محطة زابوريجيا النووية - الأكبر في أوروبا - إلى الشمال.
وفيما قالت إن السد يساعد في تشغيل محطة كاخوفكا للطاقة الكهرومائية، اعتبرت أن تدميره سيزيد مشاكل الطاقة المستمرة في أوكرانيا.
السدود واستراتيجية الحروب
وأعاد تفجير السد وتأثيره المحتمل على الهجوم الأوكراني المضاد ضد روسيا، الذي كانت تخطط له كييف، إلى الأذهان أهمية السدود في في استراتيجيات الحروب.
ويقول مارك زيتون أستاذ الأمن المائي بجامعة إيست أنجليا الذي يركز على دور المياه في الصراعات، إن "المياه هي الموت"، وهذا "لا يقتصر على قوة الفيضانات، بل الطريقة التي تستخدم بها المياه في الحروب – أو على نحو محدد- كأداة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية عنيفة، حيث تصبح المياه سلاحا تكتيكيا وموردا استراتيجيا لساحة المعركة:.
وبحسب مقال كتبه زيتون بموقع "ذا كونفرسيشن"، استخدمت الأنهار على مدار قرون لإلحاق الضرر بالأعداء.
ففي أوائل القرن السادس عشر، عمل ليوناردو دافينشي مع نيكولو مكيافالي في محاولة فاشلة في النهاية لتحويل نهر أرنو بعيدًا عن مدينة بيزا.
وبعد ذلك بأربعة قرون، علم الجنود المراهقون والمزارعون البلجيكيون بالضبط كيفية إغراق أجزاء من نهر إيسر الذي تقدمت القوات الألمانية على طوله خلال الحرب العالمية الأولى.
وبعد قرن آخر، قطعت القوات الأوكرانية مصدر إمدادات المياه الوحيد إلى القرم بعد ضم روسيا لشبه الجزيرة، ثم استخدمت القوات الروسية نهر دنيبرو لوقف تقدم القوات.
وفي هولندا، كانت الفيضانات استراتيجية عسكرية دفاعية رئيسية على مدار قرون، وطور الهولنديون، بعد الاستقلال عن إسبانيا، الخط المائي الهولندي، وهو خندق شبه متاخم للقوات الهولندية للتحصن خلفه في زمن الحرب.
وبدأت أعمال البناء في القرن السابع عشر، وواصلت هولندا الأعمال حتى الستينيات.
ولم يسبب خط المياه الكثير من المتاعب للفيرماخت الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، وفي وقت لاحق من الحرب، كسر الألمان المحتلون السدود في محاولة لوقف تقدم الحلفاء، لكن هذا لم يؤخر الحلفاء كثيرًا، غير أنه دمر حوالي ربع إجمالي الأراضي الزراعية في البلاد قبل شتاء قارس للغاية.
ومن حيث الخسائر الفادحة في الأرواح، مات مئات الآلاف من المدنيين الصينيين عندما اخترق القوميون الصينيون سدود النهر الأصفر في يونيو/حزيران 1938.
وخطط الجنرالات القوميون "لاستخدام الماء كبديل للجنود" خلال معركة ووهان، وكان ذلك بمثابة قرار متسرع، حيث أدت سرعة التقدم الياباني إلى إلغاء المشاغل الإنسانية.
وبسبب الفيضانات، اضطر الجيش الياباني إلى التخلي عن هدفه المباشر، مدينة تشنغتشو، لكن فشلت الفيضانات في وقف الهجوم الياباني الرئيسي على ووهان.
وبعد الحرب العالمية الثانية، قصف الجيش الأمريكي السدود في كوريا الشمالية وفيتنام الشمالية؛ لتدمير البنية التحتية للكهرباء والري للحكومات الشيوعية.
وفي عام 1977، حظرت اتفاقيات جنيف على وجه التحديد استهداف البنية التحتية للمياه في زمن الحرب.
وكانت الحرب العراقية الإيرانية، آخر ساحة صراع ظهرت فيها مثل هذه التكتيكات، إلى أن تم استخدامها فيما يبدو عام 2023، في الصراع بين روسيا وأوكرانيا.