أخطر أسلحة الحرب الأوكرانية.. 6 مشاهد تغير ملامح الاقتصاد العالمي
تزامن مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير/شباط الماضي، انفجار سؤال بشأن وضع الاقتصاد العالمي بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
ومما لا شك فيه، أن العالم سيكتشف خلال مرحلة ما بعد أزمة أوكرانيا أن الحروب الاقتصادية باتت هي رأس الحربة في أي نزاع مستقبلي، وأن تلك الحروب هي العنصر الحاسم لأي نزاع، وأنها أكبر من قصة استهداف عملات وتجميد أموال وأصول وفرض عقوبات، بل تمتد لتضرب مفاصل اقتصادات الدول وتضع يدها على ثرواتها واحتياطياتها من النقد الأجنبي، وتهدد ملكيتها الفكرية وثروتها التكنولوجية والبشرية.
وثمة 6 مشاهد ترسم ملامح الاقتصاد العالمي بعد الحرب الروسية في الأراضي الأوكرانية، وهي سيطرة سلاح الاقتصاد، وتعزيز دور الدول النفطية، وانهيار نظام "بريتون وودز" والتخلي عن الدولار، وفقدان الثقة بالبنوك الأوروبية، وإفلاس بعض الدول وظهور قوى اقتصادية واختفاء أخرى، عالم العملات المشفرة.
المشهد الأول: انهيار "بريتون وودز" والتحرر من الدولار
خلال الفترة من 1 إلى 22 يوليو 1944، وعقب انتهاء الحرب العالمية الثانية، جلس ممثلو 44 دولة في نيوهامبشر بالولايات المتحدة الأمريكية، لوضع خطط استقرار النظام المالي العالمي وتشجيع حركة التجارة العالمية بعد الحرب.
واتفق جميع الأطراف حينها على تدشين نظام أسعار صرف العملات الخاصة بالدول المتقدمة، وأصبح الدولار الأمريكي عملة الاحتياطي الدولي.
ونتج عن مؤتمر بريتون وودز إنشاء البنك الدولي وصندوق النقد الدولي واتفاقية الجات (الاتفاقية العامة للتعرفة الجمركية والتجارة).
وبعد الحرب الروسية الأوكرانية وظهور أمريكا في هيئة "شرطي العالم" بحسب وصف روسيا لها، والمهيمن الأوحد على حركة التجارة العالمية بفضل ميزة الدولار الذهبي الذي يعد العملة السيادية في التجارة حول العالم، أصبحت بعض الدول وعلى رأسها روسيا والصين وبعض الدول الأفريقية والآسيوية تبرم اتفاقيات للتبادل التجاري بالعملات المحلية، بهدف التحرر من سيطرة الدولار والهيمنة الأمريكية.
وهناك عملات أخرى يجب أن يكون لها دور أكبر في نظام المدفوعات الدولية، منها اليوان الصيني والين الياباني والفرنك السويسري والروبية الهندية.
وربما يستعيد اليورو الدور المرسوم له قبل 20 سنة من حيث منافسة الدولار في الاحتياطيات الأجنبية لدى البنوك المركزية العالمية.
المشهد الثاني: انهيار الثقة ببنوك الغرب
ولا يخفى على أحد أن موقف الغرب بقيادة بريطانيا حول فصل روسيا من نظام سويفت (اختصار لجمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) ومصادرة نصف الاحتياطي الروسي من النقد الأجنبي والذهب بما يعادل 300 مليار دولار، وكذلك مصادرة أموال شركات روس ومستثمرين لا علاقة لهم بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بهدف قطع جميع السبل على موسكو للتحكم في أموالها، سيدفع العديد من الدول إلى التفكير مليًا حول إيجاد أنظمة بديلة مثلما فعلت روسيا عندما أطلق البنك المركزي الروسي نظاما مشابها لنظام "سويفت" في عام 2014 عرف باسم SPFS، وتم استخدام النظام بشكل فعلي، وتم الإعلان أن عدد الدول المشاركة في النظام، والتي تتعامل من خلاله بلغت 23 دولة من الدول الحليفة صاحبة المصالح المشتركة.
كما أطلقت الصين الحليف الاستراتيجي لروسيا نظامها في عام 2015، وهو ما يعرف باسم CIPS، وتم الإعلان عن الربط الفعلي بين النظامين في 2019، إلى جانب إعلان روسيا عن دخولها سوق العملات الرقمية.
المشهد الثالث: الحروب الاقتصادية أشد فتكا
أثبتت الحرب الروسية في الأراضي الأوكرانية أن الحروب الاقتصادية أشد فتكا من الحروب العسكرية أو السياسية، خصوصا بعدما تطور الأمر من إجبار دولة على زيادة قيمة عملتها لتخفيض صادرتها أمام المنافس مثلما فعلت أمريكا مع الصين، أو فرض عقوبات على بعض الدول لهز اقتصادها مثلما فعلت أيضا الولايات المتحدة مع سوريا والعراق وفنزويلا وإيران، ليصل الأمر لمنع دولة من التصرف في احتياطياتها من الذهب والنقد الأجنبي، كما فعل الغرب بأوامر أمريكية مع روسيا مؤخرا.
وبات العالم يعيش حربا اقتصادية شرسة واسعة النطاق والأهداف، فعقب اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية فرض الغرب عقوبات مكثفة وشاملة ومتواصلة وغير مسبوقة تستهدف كل مفاصل الاقتصاد الروسي، لإحداث انهيار شامل به، وشل مصادر تمويل الحرب الروسية، وتجفيف إيرادات البلاد الأجنبية، خاصة من قطاع الطاقة الحيوي.
عقوبات لم تقف عند حد التحفظ على أموال بوتين والنخبة الحاكمة في روسيا، ولم تقتصر على نشاط أو قطاع اقتصادي، كما كان في الحروب الاقتصادية السابقة.
بل امتدت إلى كل القطاعات الروسية وفي توقيت واحد، البنوك والبورصة وأسواق المال والطيران والاستثمارات الأجنبية وأنشطة التعدين.
مثلا تم حظر الصادرات النفطية والغاز، التحفظ على ما يقرب من نصف احتياطي روسيا (630 مليار دولار) من النقد الأجنبي المودع لدى البنوك الغربية وبما يعادل 300 مليار دولار.
حظر الطيران وغلق المجال الجوي أمام الطائرات، التضييق على استخدام أنظمة التحويلات الدولية والأصول المشفرة رقميا وشل القطاع المصرفي، قيود على الواردات وأخرى على تصدير السلع.
منع استيراد منتجات وسلع استراتيجية، منع شركات عالمية كبرى من التعامل مع السوق الروسية، مصادرة أملاك الأوليغارشية، وفرض عقوبات مباشرة على الأثرياء والدائرة المحيطة بالكرملين، وصولاً إلى أموال بوتين شخصياً.
كما يبحث الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع التحالف الغربي إلغاء وضع "الدولة الأولى بالرعاية" الذي تتمتع به روسيا، والذي يفتح الطريق أمام حظر البضائع الروسية أو فرض تعريفات جمركية عقابية عليها، ويضع روسيا على قدم المساواة مع كوريا الشمالية أو إيران.
على الجانب الآخر، تستعد موسكو لفرض عقوبات على الغرب والتلويح بإمكانية استخدام سلاح الطاقة وحظر تصدير الغاز والنفط الروسي، ومصادرة أملاك الشركات الأجنبية المنسحبة من السوق الروسي والتي تجاوز عددها 250 شركة.
لكن الملفت أن روسيا تقدم رجلا وتؤخر أخرى في فرض العقوبات، لأنها ستكتوي بنارها أولا في صورة فقدان مئات المليارات، فقطاع الطاقة يدر وحده أكثر من 100 مليار دولار سنويا على الخزانة الروسية.
في الحرب الاقتصادية الحالية كل فريق أشهر كل أسلحته واستخدم أساليب وأدوات غير متعارف عليها في الحروب السابقة، والخاسر الأكبر هنا ليس الأنظمة، بل اقتصادات الدول وقبلها المواطن الذي يتحمل تكلفة الحروب من موارده في شكل قفزات في الأسعار واختفاء سلع وتأزم الوضع المعيشي.
المشهد الرابع: هيمنة الدول النفطية
ترددت شائعات على مدار العام الماضي بأن الخليج سيعاني من نضوب مخزون النفط لديه، ولكن الواقع كان غير ذلك تماما، فالدول المصدرة للبترول وعلى رأسها السعودية والإمارات والكويت والبحرين، أثبتت بما لا يحمل أي مجال للشك قدرتها على ضبط أسعار النفط العالمية في أشد الأزمات مثل فترة جائحة كورونا والتوترات الجيوسياسية في شرق أوروبا.
وكشفت بيانات رسمية اليوم الجمعة أن صادرات النفط الخام السعودية زادت في يناير/كانون الثاني إلى سبعة ملايين برميل يوميا من 6.937 مليون برميل يوميا في ديسمبر/كانون الأول.
وتقدم السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بيانات التصدير الشهرية لمبادرة البيانات المشتركة (جودي) التي تنشرها على موقعها الإلكتروني.
وارتفعت العقود الآجلة لخام برنت 1.14 دولار أو واحدا بالمئة إلى 107.78 دولار للبرميل الساعة 1003 بتوقيت جرينتش، بعد صعودها بنحو 9% أمس الخميس في أكبر زيادة بالنسبة المئوية منذ منتصف 2020.
وصعدت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط 1.24 دولار أو 1.2% إلى 104.22 دولار للبرميل، بعد قفزة بنسبة 8% أمس الخميس.
المشهد الخامس: إفلاس بعض الدول وظهور أخرى
ظهرت على الساحة خلال الفترة الراهنة بعض الدول التي على وشك الإفلاس جراء الأزمات الصحية مثل جائحة كوفيد-19، أو انهيار العملات المحلية جراء تداعيات التوترات الجيوسياسية في شرق أوروبا.
وأعلن رئيس سريلانكا التي تواجه خطر الإفلاس أنه سيطلب خطة إنقاذ من صندوق النقد الدولي بينما تشهد الجزيرة التي تعاني نقصا في العملات الأجنبية أزمة غير مسبوقة منذ استقلالها في 1948.
وأيضا إيطاليا والأرجنتين وفنزويلا ولبنان وسوريا وتركيا جميعها تعاني من أزمات انخفاض أسعار العملات المحلية ونقص النقد الأجنبي لديهم.
ويُظهر تقرير إحصاءات الديون الدولية لعام 2020 الصادرة عن البنك الدولي، بنهاية عام 2019، أن إجمالي الديون الخارجية للبلدان منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل قفزت بنسبة 5.3% إلى 7.8 تريليون دولار.
وأمر الإفلاس المحتمل لعديد من الدول الأوروبية يثير المخاوف لدى العديد من تفكك الاتحاد الأوروبي، خصوصا بعد انفصال بريطانيا عنه.
في عالم ما بعد حرب أوكرانيا سيزيد الأغنياء غنى والمضاربون ثراء وجشعاً وهيمنة على موارد الدول وثرواتها، وسيتحمل الفقراء وحدهم تكاليف الحروب البشعة في صورة غلاء في المعيشة وقفزات في الأسعار والدين العام وعجز الموازنات وسوء في الخدمات ومنها الصحة والتعليم والبنية التحتية.
وستزيد الاضطرابات الاجتماعية والسياسية داخل الدول النامية والفقيرة، وستقاتل الدول الغربية والصين للاستمرار في الهيمنة على الموارد العالمية.
وعلى الجانب الآخر من المشهد نجد أن هناك احتمالين لسيناريو الصين التي في مفترق الطرق الآن، فإما الدخول في مواجهة مبكرة مع الولايات المتحدة في حال هزيمة روسيا في أوكرانيا وضرب مفاصل الاقتصاد الروسي عبر العقوبات، وإما صينٌ يزيد تحالفها مع روسيا ما بعد انتهاء الحرب وتتسع رقعة سيطرتها على اقتصاد العالم وتجارته الخارجية.
المشهد السادس: العملات المشفرة تهدد عرش البنوك المركزية
على مدار النصف عقد الأخير، ومنذ سطوع نجم العملات المشفرة في العالم، والبنوك المركزية تضغط على الحكومات لمحاربتها بقوة لإحكام السيطرة على "سوق الكريبتو" الخفي.
ولكن مع مرور الوقت فوجئت الحكومات أن المستثمرين لديهم شهية نحو العملات المشفرة لما لها من مزايا خصوصية غير متوفرة لدى البنوك، حتى تخطت القيمة السوقية للعملات الرقمية المشفرة 1.8 تريليون دولار، وتداول اليوم عملة بيتكوين عند مستوى 40 ألف دولار، ومرشحة ليصل سعرها إلى 150 ألف دولار خلال الثلاث أعوام المقبلة.
العملات المشفرة تلعب دور الجندي المجهول اليوم في تخفيف وطأة العقوبات "الأوروأمريكية" على روسيا، حيث تصنف ثالث أكبر دولة في تعدين العملات المشفرة بالعالم مثل بيتكوين وغيرها، وفقا لبيانات عن العملات المشفرة.
وقال مدير السياسات والشؤون التنظيمية في شركة تحليلات البلوكتشين Elliptic، ديفيد كارلايل: "عندما تتعرض البلدان لعقوبات شديدة، فإنها تستميت في البحث عن حلول"، مؤكدًا حديث الخبراء الآخرين في تحذيرهم من أن روسيا ستسعى "بلا شك" إلى استخدام العملات الرقمية للمساعدة في تقليل تأثير العقوبات بحسب ما ذكر موقع مجلة فوربس.
وربما يكون "الخيار الأكثر جاذبية" لروسيا الغنية بالطاقة هو استخدام تعدين العملات المشفرة، والذي يحدث بالفعل في مقاطعة سيبيريا الشاسعة، لإنتاج أصول يمكن تحويلها إلى أموال أو استخدامها لدفع ثمن الواردات، كما يقول كارلايل، مضيفًا أن إيران بحسب ما أفادت التقارير قد استخدمت عائدات التعدين للمساعدة في تفادي العقوبات.
aXA6IDE4LjIxNi41My43IA==
جزيرة ام اند امز