«معارك الدرونز».. هل صاغت المسيرات حرب أوكرانيا؟
على مر التاريخ لعبت الحروب دورا كبيرا في تطوير الأسلحة وتحديث الأنظمة الدفاعية، بدافع الحاجة المستمرة لتعزيز آليات الدفاع والهجوم.
وفي حرب أوكرانيا الحالية لعبت الطائرات بدون طيار (الدرونز) دوراً محورياً في الحرب، بل يزعم بعض المحللين أنها أعادت تشكيل الحرب، إذ لم تسفر عن تأثيرات على المستوى التكتيكي فحسب، بل شكلت النتائج التشغيلية (العملياتية) والاستراتيجية أيضا.
وسلط بول لوشينكو، أستاذ مساعد ومدير العمليات الخاصة في الكلية الحربية التابعة للجيش الأمريكي، في مقالته التي نشرت في "ذا كونفرزيشن"، الضوء على تأثير الطائرات دون طيار في تشكيل مسار الحرب في أوكرانيا.
أركان الحرب
وفي البداية، من المهم التمييز بين هذه المستويات المختلفة للحرب، إذ يشير المستوى التكتيكي للحرب إلى الإجراءات في ساحة المعركة، مثل الدوريات أو الغارات.
بينما يميز المستوى العملياتي للحرب تزامن الإجراءات العسكرية التكتيكية لتحقيق أهداف عسكرية أوسع، مثل تدمير مكونات جيش الخصم.
ويتعلق المستوى الاستراتيجي للحرب بالطريقة التي تتضافر بها هذه الأهداف العسكرية لتأمين الأهداف السياسية، خاصة إنهاء الحرب.
إلى ذلك، قال لوشينكو إن الأدلة المتزايدة، بما في ذلك بحثه الخاص كباحث عسكري يدرس حرب الطائرات دون طيار، تشير إلى أنها حققت بعض النجاحات التكتيكية والعملياتية لكل من أوكرانيا وروسيا.
ومع ذلك، فهي غير فعالة على المستوى الاستراتيجي، وعلى الرغم من استخدامها المتزايد للطائرات دون طيار، فإن أوكرانيا لم تتمكن من طرد روسيا من منطقة دونباس، كما لم تكسر روسيا إرادة أوكرانيا.
أنواع الطائرات دون طيار
وتتطور حرب الدرونز في أوكرانيا بطرق تختلف عن كيفية استخدام الدول الأخرى لها، وخاصة الولايات المتحدة.
إذ تستخدم الولايات المتحدة الطائرات دون طيار على مستوى العالم، وغالبا في مناطق الصراع التي لا تعترف بها الأمم المتحدة أو التي لا يوجد بها قوات أمريكية على الأرض.
وخلافاً لهذا النمط من الضربات "عبر الحدود"، تستخدم أوكرانيا وروسيا الطائرات دون طيار خلال صراع مفتوح ويحده حدودهما.
ثانياً، تقوم الولايات المتحدة بتشغيل طائرات دون طيار مسلحة ومتصلة بالشبكات، مثل طائرة ريبر، وهي الأكثر تقدماً في العالم.
وبينما تبنت أوكرانيا وروسيا نطاقًا أوسع من الطائرات بدون طيار ذات المستوى المنخفض والمتوسط.
وتفصيلا، يتألف "جيش الطائرات بدون طيار" في أوكرانيا من عناصر أرخص ثمناً ويمكن تسليحها بسهولة، مثل طائرة "DJI" الصينية الصنع.
كما قامت أوكرانيا بتشغيل طائرات دون طيار تركية الصنع من طراز TB-2 Bayraktar، والتي تسمى "تويوتا كورولا" الدرونز.
وإحصائيا، تشير تقديرات المعهد الملكي للخدمات المتحدة التابع لأبحاث الدفاع والأمن، ومقره المملكة المتحدة، إلى أن أوكرانيا تخسر 10 آلاف طائرة بدون طيار شهريًا. وفي غضون عام سيكون لديها درونز أكثر من الجنود، مما يعني أنها ستحصل على أكثر من مليوني طائرة دون طيار.
ولإدارة هذه القدرات، أنشأت أوكرانيا مؤخرًا فرعًا جديدًا للقوات المسلحة؛ قوات الأنظمة غير المأهولة.
ومن جانبها، ردت روسيا باستيراد طائرات دون طيار هجومية من طراز شاهد-136 إيرانية الصنع، كما قامت بتوسيع الإنتاج المحلي من الطائرات بدون طيار، مثل أوريون-10، المستخدمة للمراقبة، ولانسيت، المستخدمة في الهجمات.
وتعتزم روسيا بحلول عام 2025 تصنيع ما لا يقل عن 6000 طائرة بدون طيار على غرار طائرة شاهد-136 في مصنع جديد يمتد على مساحة 14 ملعب كرة قدم، أو ما يقرب من ميل، هذا بالإضافة إلى 100 ألف طائرة بدون طيار منخفضة المستوى تشتريها روسيا شهريًا.
عملياتيا، تستخدم أوكرانيا وروسيا طائراتهما بدون طيار لمجموعة واسعة من الأغراض التكتيكية والتشغيلية والاستراتيجية.
التأثيرات التكتيكية
وبالنظر إلى أركان الحرب الثلاثة، يجد المقال أن الطائرات دون طيار كان لديها التأثير الأكبر على المستوى التكتيكي للحرب، وهو ما يميز المعارك بين القوات الأوكرانية والروسية.
إذ استخدمت وحدة الاستطلاع الجوي "Aerorozvidka" الأوكرانية، طائرات دون طيار لاعتراض ومنع قافلة روسية ضخمة كانت مسافرة من تشيرنوبيل إلى كييف بعد شهر من الهجوم الروسي على أوكرانيا في 24 فبراير/شباط 2022.
وفعلت ذلك من خلال تدمير المركبات بطيئة الحركة التي امتدت حوالي 50 ميلا ، مما دفع روسيا إلى التخلي عن تقدمها.
كما اعتمد كلا الجيشين على طائرات بدون طيار منخفضة المستوى، مثل Switchblade المصنعة في الولايات المتحدة أو Lancet الروسية، لمهاجمة الدبابات وناقلات الجنود المدرعة والجنود.
وتستخدم القوات الروسية والأوكرانية بشكل متزايد هذه الطائرات بدون طيار، بالإضافة إلى طائرات بدون طيار أخرى منخفضة المستوى تستخدم للاستطلاع والاستهداف، لقمع الهجمات المعادية.
وعلى مستوى الحربي، القمع هو منع قوة أو سلاح معارض مؤقتًا من تنفيذ مهمته، وهو دور مخصص عادةً للمدفعية، على سبيل المثال، يمكن للنيران القمعية أن تجبر القوات البرية على الاحتماء في الخنادق أو المخابئ وتمنعها من التقدم عبر الأراضي المفتوحة. لكن هذا الدور تلعبه الطائرات بدون طيار في الحرب الحالية.
وعند هذه النقطة، دفعت هذه المكاسب روسيا وأوكرانيا إلى تطوير طرق لمواجهة الطائرات بدون طيار لدى كل منهما، على سبيل المثال، استفادت روسيا من قدراتها المتقدمة في الحرب الإلكترونية للتشويش بشكل فعال على الرابط الرقمي بين المشغلين الأوكرانيين وطائراتهم بدون طيار.
كما أنها تخترق هذا الارتباط من خلال إنشاء إشارة كاذبة تعمل على إرباك الطائرات بدون طيار الأوكرانية، مما يؤدي إلى تحطمها.
القيود التشغيلية
كانت الطائرات بدون طيار أقل نجاحًا على المستوى العملياتي للحرب، والذي تم تصميمه لدمج المعارك في الحملات التي تحقق أهدافًا عسكرية أوسع.
وفي ربيع عام 2022، استخدمت أوكرانيا TB-2، إلى جانب قدرات أخرى، لإغراق السفينة الروسية الرائدة، موسكفا، في البحر الأسود.
ومنذ ذلك الحين، يزعم المسؤولون الأوكرانيون أنهم دمروا 15 سفينة روسية إضافية، كما ألحقوا أضرارًا بـ 12 سفينة أخرى.
كما استخدمت أوكرانيا المركبات البحرية بدون طيار ــ السفن المائية غير المأهولة ــ لتدمير جسر كيرتش، الذي يربط شبه جزيرة القرم بالبر الرئيسي لروسيا، فضلاً عن مهاجمة مستودعات الوقود في بحر البلطيق وبالقرب من سانت بطرسبرغ.
وبينما تتمثل المشكلة في افتقار أوكرانيا إلى التفوق الجوي، تشجعت على استخدام جيش من الطائرات بدون طيار لتنفيذ مهام مخصصة عادة للقاذفات والطائرات النفاثة والمروحيات الهجومية والطائرات بدون طيار المتطورة.
ويؤدي الافتقار إلى التفوق الجوي إلى تفاقم التحديات التكتيكية مثل التشويش والخداع، في حين يقوض قدرة أوكرانيا على حرمان روسيا من حرية المناورة.
الأساطير الاستراتيجية
وعلى الرغم من هذه التأثيرات التكتيكية والمكاسب التشغيلية المحدودة، فإن الطائرات بدون طيار غير فعالة من الناحية الاستراتيجية.
فالطائرات بدون طيار لم تشكل، وليس من المرجح، أن تشكل نتيجة الحرب في أوكرانيا، ولم تسمح لأوكرانيا بكسر الجمود مع روسيا، ولم تساعد روسيا أيضا على إنهاء احتلالها لأجزاء من أوكرانيا.
وبقدر ما كانت للطائرات بدون طيار أهمية استراتيجية، فإن التداعيات كانت نفسية، إذ تستخدم روسيا وأوكرانيا الطائرات بدون طيار لترويع مواطني كل منهما، فضلاً عن توليد الدعاية لتقوية عزيمة مواطنيهما.
ويرى القادة الروس والأوكرانيون أيضاً أن الطائرات بدون طيار توفر لهم المزايا، مما يشجعهم على الاستثمار في هذه القدرات وإدامة ما أسماه لوشينكو في مقالته "عبادة الطائرات بدون طيار".