صدمة وغضب وخوف من المستقبل.. أوكرانيا بعد عامين من الحرب
مع دخول حرب أوكرانيا عامها الثالث، أعطى سقوط أفدييفكا روسيا أول مكاسبها منذ أشهر مما أدى إلى تصدع معنويات كييف.
ففي قاعدة عسكرية مخبأة في غابة على مقربة من خط المواجهة في منطقة دونيتسك، تحدث قائد وحدة مدفعية أوكراني يدعى تيتوشكو (39 عاما) لصحيفة «الغارديان» البريطانية عن مشكلات القتال مع الروس، وسط نقص خطير في الذخيرة.
وكان رجال تيتوشكو، وهم جزء من فرقة مدفعية في لواء الدبابات الأول، تلقوا في نوفمبر/تشرين الثاني، إمدادات بنحو 300 قذيفة كل عشرة أيام، لكن الحد الأقصى لإطلاق النار لديهم الآن هو 10 قذائف فقط في اليوم.
وضع قال عنه العسكري الأوكراني: «في ذلك الوقت، كان بإمكاننا إطلاق النار طوال الوقت، والتصويب في كل مرة نرى فيها هدفًا.. الآن نطلق النار فقط للدفاع».
احتياطيات متدنية
احتياطيات الذخيرة في القاعدة ضئيلة، وتتكون جزئيا من قذائف إيرانية (جزء من شحنة تم الاستيلاء عليها في الخليج وهي في طريقها على ما يبدو إلى الحوثيين في اليمن). وقال جندي آخر إن القذائف «لا تعمل بشكل جيد».
وعلى طول خط المواجهة، تتبنى أوكرانيا موقفا دفاعيا، حيث تعاني من نقص في الذخيرة والجنود، إلا أنه مع الأخبار القاتمة في ظل انسحاب كييف من أفدييفكا، يبدو أن العام الثالث من الحرب سيكون الأصعب.
ويختلف المزاج العام للأوكرانيين حاليا عن بداية الحرب التي شهدت تماسكا غير عادي وهو ما أرجعته المؤرخة الأوكرانية ناتاليا كريفدا إلى ماضي أوكرانيا، قائلة: «لدينا هذا التاريخ الطويل لأمة عديمة الجنسية، لذا قمنا بتنظيم هذه الروابط الأفقية لبدء الدفاع.. لقد تحمل الناس المسؤولية، ولم ينتظروا الأوامر».
وأوضحت أن الأشهر الأولى من الحرب خلقت هوية أوكرانية جديدة قوية وممتلئة بالفخر، مضيفة: «لقد كان شيئاً جميلاً للغاية، لكنني قلقة من أن هذه الوحدة بدأت تتصدع الآن».
ومع تزايد الخسائر في الأرواح، واستنفاد صفوف الجيش وإمدادات المدفعية، وتوقف المساعدات المالية الأمريكية واحتمال عودة دونالد ترامب للبيت الأبيض، يستقبل الأوكرانيون الذكرى السنوية الثانية للحرب بالخوف مما قد يخبئه المستقبل.
وفي إجازته الأولى منذ أكثر من عام وبدلا من الراحة بعيدا عن القصف وبرد الشتاء والفئران العملاقة في الخنادق، شعر تيتوشكو بالقلق بسبب استمتاع المدنيين بما يشبه الحياة الطبيعية في المقاهي والمطاعم وهو ما وجده أمرًا صعبًا، فضلا عن أسئلتهم المزعجة التي دفعته للتساؤل: «لماذا لم يكن هؤلاء الرجال على الجبهة؟».
مهمة صعبة
وأصبح تجنيد الأشخاص الذين سيذهبون للقتال عن طيب خاطر أكثر صعوبة من أي وقت مضى؛ فالعام الماضي قامت كييف بتعبئة الرجال للمجهود الحربي بشكل مستمر، فيما توجد هناك خطط لتجنيد مئات الآلاف الآخرين خلال العام المقبل.
وفي حين أن البعض على استعداد للذهاب يبقى الكثيرون مختبئين في المنزل أو يحاولون الهرب من البلاد.
وقال المحلل السياسي المقيم في كييف فولوديمير فيسينكو إن فهم أن الحرب مستمرة تجعل الأشخاص لا يريدون المخاطرة، مشيرًا إلى أنه في ظل الحاجة للتعبئة يبقى الوضع صعبا.
وتوقع المحلل السياسي، أن تحل السلطات المشكلة شهريا، بدلا من حشد عدد كبير في وقت واحد.
وحول قدرة الجنود الجدد على القتال، أشار مصدر بالجيش إلى وجود خطط لزيادة فترة التدريب من شهر إلى شهرين، لكنها ليست كافية للاستعداد لحرب الخنادق. إلا أن نائب قائد فرقة بالمدفعية الأوكرانية يدعى فالنتين، قال «إنها مسألة نفسية أكثر من كونها مسألة مهارات».
وقد تبدو الهجمات الأوكرانية الأخيرة على القوات الروسية في البحر الأسود كإشارة على أن الهزيمة الكاملة لأوكرانيا أصبحت حلمًا مستحيلا، لكن أيضا من الصعب تصور النصر الكامل لكييف.
تصدع الجبهة الداخلية
من ناحية أخرى، قد يتصدع المشهد السياسي الداخلي في أوكرانيا أيضا خلال العام الثالث من الحرب، فرغم الإجماع على استحالة إجراء الانتخابات الرئاسية التي كانت مقررة في الربيع القادم فإن هناك مخاوف من أن الرئيس فولوديمير زيلينسكي لم يجد طريقة جديدة للحكم بعد انتهاء ولايته.
وقال مصدر دبلوماسي: «هناك شخصان فقط يتخذان القرارات في هذا البلد»، في إشارة إلى زيلينسكي ورئيس أركانه أندريه يرماك.
واعتبر كثيرون أن إقالة قائد الجيش فاليري زالوزني في وقت سابق من الشهر الجاري كانت بسبب شعبيته المرتفعة حيث يراه كثيرون بديلا محتملا لزيلينسكي.
أخيرا فإن استمرار القتال إلى أجل غير مسمى أمر غير منطقي، لكن الموافقة على سلام هش وغير كامل سيكون بالنسبة للكثيرين على الجبهة تنازلا لا يمكن تصوره بعد الجهود والخسائر خلال العامين الماضيين.