مستقبل أوكرانيا خارج الناتو.. عام يكفي لرسم خط النهاية
يتجه تحليل شارك فيه وزير الخارجية الأمريكي المخضرم هنري كسنجر، إلى أن مستقبل أوكرانيا ليس في حلف شمال الأطلسي "الناتو".
وبدأ التحليل الذي نشرته صحيفة "واشنطن بوست" اليوم الأحد، باستدعاء أيام الحرب العالمية الثانية، حين بدأ الحلفاء التخطيط لعصر ما بعد الحرب قبل أن يكون النصر في أي مكان في الأفق، قائلا إنه بعد مرور عام على صراع أوكرانيا ضد روسيا، حان الوقت لكي تحذو كييف والغرب نفس الشيء.
ويعترف التحليل بأن أوكرانيا لم تنتصر في الحرب، مشيرا إلى أن أي تسوية قد تستغرق شهورًا أو حتى سنوات، ومن المحتمل ألا تكون كييف قادرة على حل معضلتها مع روسيا، التي بالكاد تعترف لها بالوجود.
من ميونخ.. تعرّف على شرط ألمانيا لعودة العلاقات مع روسيا
رغبة أمام صدمة
وبالتالي، قد تكون الخطة "أ" بالنسبة لأوكرانيا هي العضوية في منظمة حلف شمال الأطلسي، وهو طموح منصوص عليه في دستور البلاد. ولا غرابة في ذلك، فعضوية "الناتو" هي أعلى الضمانات الأمنية؛ فتعهد من أقوى تحالف في العالم، والذي يضم القوة العظمى الوحيدة في العالم، بالتعامل مع أي هجوم على أحد أفراده على أنه هجوم على الجميع. لا يوجد تأمين أفضل ضد الغزو في العالم الحديث.
لكن الأمر المؤسف، هو أن ذلك قد لا يحدث مطلقا. فأحد أبرز قواعد الانضمام إلى الناتو هي ألا تكون الدول المتقدمة لنيل العضوية طرفا في نزاعات حدودية مستمرة، ناهيك عن النزاعات شبه المجمدة على أراضيها، لأنه لا يريد أن يجعل مشاكل الأعضاء الجدد مشاكل خاصة به.
لذلك ما لم تنتهِ الحرب بانسحاب روسي كامل واستسلام بشأن مسائل تتعلق بوحدة أراضي أوكرانيا، فسوف تظل كييف خارج الناتو.
يمكن لأي حلف يضع قواعده الخاصة أن يغيرها بالطبع. لكن الناتو يعمل وفق مبدأ الإجماع، ولا يتوقع أن يبدي أي من أعضائه الثلاثين استعداد لمواجهة روسيا إذا استؤنفت الحرب، إذ أعلنها الرئيس جو بايدن صريحة بالقول: "لن نخوض الحرب العالمية الثالثة في أوكرانيا".
قد تستحق أوكرانيا عضوية الناتو، فقد أظهرت شجاعة وقدرة لا تصدق في صد العدو الرئيسي لذلك التحالف. لكن كلمة "تستحق" في السياسة العالمية، لا تعني الكثير، يذهب تحليل "واشنطن بوست".
أمام هذا الوضع ليس هناك سوى الخطة "ب"، وهي أوكرانيا التي تنتمي إلى الغرب وغير المتحالفة معه رسميًا، والتي تمتلك جيشا قويا لحماية استقلالها.
أوكرانيا والخطة
من المرجح أن تخرج أوكرانيا من هذا الصراع كواحدة من أهم القوى العسكرية في أوروبا، التي تمتلك احتياطيات ضخمة من القوى العاملة المدربة. وجيشها، الذي ينتقل الآن من المعدات السوفيتية إلى المعدات المتطورة للناتو، سوف يمتلك أسلحة ذات جودة أعلى مما كانت عليه عندما بدأ الصراع، بما في ذلك القدرات المتطورة مثل نظام الصواريخ عالية الحركة ودبابات أبرامز.
يتعلق هذا بالمكون الثاني لأمن أوكرانيا: شراكة وثيقة ومستمرة تقدم فيها الدول الغربية المشورة والمساعدة في تدريب الجيش الأوكراني، مع الاستمرار في تزويد كييف بالأسلحة والإمدادات التي تحتاجها للدفاع عن النفس.
هذا النموذج آخذ في التشكل بالفعل. فدبابات أبرامز التي تعهد بايدن بتقديمها لأوكرانيا هي قطع معقدة من المعدات تشكل تحديات لوجستية كبيرة وتحديات الاستدامة.
وراسو جديد بشركاء متشاكسين
قد تذهب دول الناتو الفردية إلى أبعد من ذلك؛ إذ تبدي دول الجبهة الشرقية -بولندا ودول البلطيق على وجه الخصوص- مخاوف أوكرانيا الوجودية من روسيا وتعمل على تعزيز جيوشها. يمكن أن يكون هناك "حلف وارسو جديد" - كتلة عسكرية من دول أوروبا الشرقية، ربما تقترب من تحالف رسمي، هذه المرة مكرسة لحماية الحرية بدلاً من خنقها.
تثير هذه الإستراتيجية تحديات؛ فتاريخ العلاقات بين بولندا وأوكرانيا، على سبيل المثال، شابته الكثير من التوترات، لذا فإن أحد الأسئلة المطروحة هو ما إذا كانت التحديات الحالية يمكن أن تسمح لأوروبا الشرقية بتجاوز الانقسامات السابقة. تعتبر الخطة "ب" ثاني أفضل حل لأوكرانيا، حيث يمكن أن يكون الاختلاف بين "حليف الناتو" و"شريك أمني وثيق" وجوديًا. ولا ينبغي للولايات المتحدة أن تقلل من شأن التكلفة.
أوكرانيا تبني جيشا هائلا. لكنها ستواجه صعوبات كبيرة في الحفاظ عليه، بالنظر إلى أن الحرب دمرت اقتصاد البلاد. ولعدم وجود ما يكفي من الأصول الروسية المجمدة لدفع تكاليف إعادة الإعمار، حتى وإن اتبعت واشنطن ودول أخرى هذا النهج.
وعليه من المرجح أن تظل أوكرانيا جناحًا اقتصاديًا للغرب، حيث تمول واشنطن وحلفاؤها الدفاع عن البلاد في المستقبل المنظور. حتى وإن لم تكن كييف في طريقها للانضمام إلى الناتو، فإن نهاية الحرب قد تكون مجرد بداية لالتزام غربي طويل الأمد تجاه أوكرانيا.
aXA6IDMuMTQ5LjIzNC41MCA=
جزيرة ام اند امز