خبراء سودانيون: تقرير «الأمم المتحدة» أعاد رسم المشهد وأسقط الاتهامات ضد الإمارات

تحصّن الجيش السوداني ومن خلفه جماعة الإخوان بـ"الأكاذيب"، لحرف الأنظار عن حرب "عبثية"، وفق مراقبين، لكن تقريرًا أمميًا عاجله، وأسقط دفاعاته.
ومنذ أبريل/نيسان عام 2023، يخوض الجيش السوداني حربًا ضد قوات الدعم السريع، بعد تراجعه عن التزامه بتسليم السلطة للمدنيين.
وفي محاولة لإبقاء جذوة الصراع مشتعلة لضمان الاستمرار في الحكم، وزّع الجيش السوداني الاتهامات، وسعى لإظهار الحرب كمؤامرة خارجية، لكن تهافت مزاعمه جعله عرضة للانكشاف محليًا ودوليًا.
وأظهر تقرير نهائي أصدرته لجنة الخبراء الأممية المعنية بالسودان زيف ادعاءات الجيش، الذي سعى إلى تحميل دولة الإمارات مسؤولية هزائمه.
وكانت محكمة العدل الدولية قد قررت، في 10 أبريل/نيسان الجاري، تأجيل الاستماع للشكوى التي تقدّمت بها حكومة القوات المسلحة السودانية ضد دولة الإمارات إلى موعد يُحدَّد لاحقًا، بعد أن نظرت في الدعوى القضائية التي تتهم فيها الإمارات بتسليح قوات الدعم السريع.
ورفضت دولة الإمارات الاتهامات التي تقدمت بها الحكومة السودانية لمحكمة العدل الدولية، وقالت إنها "لا أساس لها من الصحة وذات دوافع سياسية"، وأشارت إلى أنها "لا تدعم أي طرف" في الحرب الأهلية السودانية، وأنه لا يوجد دليل يدعم ادعاءات الجيش السوداني.
محطة حاسمة
الكاتب الصحفي والمحلل السياسي السوداني، عثمان فضل الله، رأى أن تقرير خبراء الأمم المتحدة بشأن الوضع في السودان شكّل "محطة حاسمة" في سردية الحرب الدائرة هناك منذ أبريل/نيسان 2023، بما حمله التقرير من دلالات سياسية وقانونية، أعادت رسم المشهد، وسحبت "البساط" من دعاوى واتهامات طالت أطرافًا إقليمية، في مقدمتها دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال فضل الله لـ"العين الإخبارية": إن خلو التقرير الأممي من أي إشارة مباشرة أو غير مباشرة لدور الإمارات في حرب السودان، يبرهن على أن مزاعم الجيش السوداني ضد الإمارات باطلة، وينزع الغطاء الذي كانت الدعوى القضائية تعتمد عليه لإثبات وجود "دور خارجي" ممنهج.
وأشار إلى أن هذا يجعل مستقبل هذه الدعوى قاتمًا من الناحية القانونية، خصوصًا أن الأنظمة القضائية الغربية تعتمد بشكل كبير على توثيق الجهات الدولية المستقلة.
استهلاك نظرية المؤامرة
من جانبه، قال المحلل السياسي والكاتب الصحفي المختص بشؤون الجماعات الإسلامية، مصطفى سري، إن "تقرير خبراء الأمم المتحدة بشأن السودان، انتهى إلى حقيقة واحدة، مفادها أن نظرية التآمر التي يستند إليها الجيش السوداني في دعواه ضد الإمارات، لم تعد نظرية صالحة لتحقيق انتصارات وهمية تخدم خطة البقاء في السلطة".
وأوضح سري، في تصريحات لـ"العين الإخبارية"، أن الحركة الإسلامية السودانية – الواجهة السياسية للتنظيم الإخواني في السودان – منذ وصولها إلى السلطة عام 1989، درجت على تصدير أزماتها إلى دول الإقليم، وكذلك إلى المجتمع الدولي، بدعاوى "التآمر" ضدها.
وأشار إلى أن "الخرطوم، أثناء فترة حكم التنظيم الإخواني التي امتدت إلى ثلاثين عامًا، ظلت مصدرًا للإرهاب الإسلاموي في المنطقة".
وعدّد سري الأمثلة بوقائع موثوقة، منها محاولة اغتيالهم للرئيس المصري الراحل، محمد حسني مبارك، في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وكذلك استقبال الخرطوم زعيم القاعدة أسامة بن لادن، والإرهابي الدولي كارلوس، وأعداد كبيرة من جماعات التكفيريين والإرهابيين من الجماعات الإسلامية المتطرفة.
وأضاف "استمرّ التنظيم الإخواني بعد انقلاب أكتوبر/تشرين الأول 2021، بقيادة قائد الجيش السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، في ذات نهج نظام الرئيس السابق عمر البشير، في إشعال الحروب واتهام الآخرين بأنهم يقفون وراء ذلك".
ولفت إلى فشل دعاوى تنظيم الإخوان الذي يقف وراء قيادة الجيش السوداني، في إقناع المجتمع الدولي بحيثيات الدعوى ضد الإمارات، لافتقارها "الأسس القانونية"، وأنها لا تعدو كونها "خطلًا" ينمّ عن طبيعة التنظيم المُمسكة دائمًا بحبال "نظرية التآمر" التي باتت "مكشوفة" بالنسبة للمجتمع الدولي والإقليمي، ولم تعد "ورقة" رابحة في التكتيكات الإعلامية الكذوبة.
الطلقة الأولى
ويمضي المحلل السياسي، عثمان فضل الله، في سرديته التي سبر بها أغوار التنظيم الإخواني، للكشف عن أسرار العداء ضد الإمارات في هذا التوقيت.
وقال فضل الله: إن الحرب في السودان، منذ طلقتها الأولى، بُنيت على "الكذب والتضليل"، واصفًا إياها بـ"حرب الأكاذيب"، كاشفًا في نفس الوقت أن تنظيم الإخوان خطط لها وأعدّها بحيث تكون "مشنقة" لكل من أسهم في إسقاط نظامهم المقبور.
وأوضح أن موقف دولة الإمارات الداعم للشعب السوداني وثورته في العام 2019، وضعها في صدر قائمة المستهدفين بالدعاية "الإخوانية"، وأن حملة "شيطنة" الإمارات بدأت مع الطلقة الأولى، وقدّمت فيه العديد من السرديات المزعومة لترسيخ صورة الإمارات كطرف أصيل في الحرب الدائرة في السودان.
وفي ذات الاتجاه، ذهب أيضًا الكاتب الصحفي مصطفى سري، الذي استنكر الحملة العدائية ضد الإمارات، مؤكدًا أنها حملة "كذوبة" لا تعبر عن شعب السودان وقواه الثورية التي تدرك جيدًا أن هذه الحرب أشعلها التنظيم الإخواني لتصفية "الثورة" من الحياة السياسية في السودان، ولعزل الدولة السودانية عن محيطها الدولي والإقليمي الداعم لقضايا التحول المدني الديمقراطي.
مكسب
تقرير خبراء الأمم المتحدة فتح عيون الشعب السوداني والأصدقاء الدوليين على حقيقة أن "دعوى" الجيش السوداني وحلفائه ضد الإمارات، كان المقصود منها "تجيير" العدالة الدولية لخدمة تنظيم "إرهابي" يتخفّى وراء الحرب ضد قوات "الدعم السريع"، بغرض السيطرة على الحكم والثروة في السودان.
وطبقًا لآراء محللين سياسيين في السودان، فإن هذا التقرير، بقدر ما جاء صادمًا لقيادة الجيش و"الإخوان" في السودان، فإنه في ذات الوقت يفتح الباب للإمارات للاستفادة منه على نحو "سياسي وقانوني" يمكنها من لعب أدوار فاعلة في حل الأزمة السودانية.
المحلل السياسي والكاتب الصحفي، شوقي عبد العظيم، يرى أنه بإمكان الإمارات الاستفادة من تقرير خبراء الأمم المتحدة في كسب الدعوى المرفوعة ضدها في محكمة العدل الدولية.
وقال عبد العظيم لـ"العين الإخبارية" إن تقرير الخبراء كان وافيًا، يقوم على حيثيات واقعية واستقصاء للحقائق الميدانية، ولم يكن "افتراضيًا"، وهو ما يؤهل الإمارات لكسب الدعوى، ومن ثم يساعدها كثيرًا في تخطي "العقبات" التي كانت تقف حائلًا أمام أي أدوار مؤثرة وفاعلة للإمارات في مضمار حل الأزمة السودانية وتحقيق السلام.
ولفت شوقي إلى أن "تهمة" علاقة الإمارات بقوات الدعم السريع، تدحضها وقائع تاريخية تُثبت أن العلاقة لم تخرج من إطارها "القديم"، منذ أن شاركت هذه القوات في "عاصفة الحزم" ضد الحوثيين في اليمن، وكانت القوات المسلحة السودانية هي من أشرفت على تقديم قوات الدعم السريع للمجتمع الإقليمي باعتبارها جزءًا منها وتأتمر بأوامرها.
aXA6IDMuMTQ0LjIzMi4xNjQg جزيرة ام اند امز